لم يكن الاعلان عن تدشين التحالف الوطني للأمومة المأمونة بالتزامن مع احتفالات العالم واليمن بعيد المرأة في الثامن من مارس من قبيل المصادفة، ولكنه توقيت مقصود بعناية من قبل المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الذي بادر بالدعوة إلى انشاء هذا التحالف بالشراكة مع عدد من المنظمات والهيئات الحكومية ذات العلاقة، بهدف خفض معدل وفيات الأمهات وحديثي الولادة. فبينما تعددت وتنوعت مواسم الاحتفال بأعياد المرأة تلك التي اكتظت قاعات الفنادق بها، والتي أقامتها العديد من المنظمات الناشطة في المجال النسوي، جاء الإعلان عن إنشاء التحالف الوطني للأمومة المأمونة بمنطق الفعل والعمل، بعيداً عن مجرد التشدق بالعبارات الرنانة وتبني الشعارات المترهلة عن الحرية والمساواة، والتي لم تجد لها نساء اليمن أي صدى على مستوى واقعهن الاجتماعي والحياتي. لقد كشف التحالف الوطني للأمومة المأمونة عن حقائق وأرقام مخيبة للآمال فيما يتعلق بوفيات الأمهات حيث بلغ المعدل «336» وفاة لكل 100.000 ولادة حية بمعنى أن اليمن يضحي في كل يوم بما لا يقل عن سبع نساء يقضين نحبهن أثناء الحمل أو الولادة. كما كشف التحالف عن الهوة الواسعة التي تفصلنا عن العالم المتحضر، وخاصة دول الشمال الصناعي التي تكاد تنعدم فيها نسبة وفيات الأمهات لأسباب متعلقة بمضاعفات الحمل والولادة. إن ما يلفت النظر حقاً، أننا جميعاً يمكن أن نوقف نزيف الأمهات وحديثي الولادة من خلال اجراءات احترازية بسيطة تعتمد على الوعي بخصوصية وضع المرأة في حالات الحمل والولادة، إن تحقيق الأمومة المأمونة هي بالدرجة الأولى قضية وعي، وهي في نفس الوقت قضية كل المجتمع، وليست فقط قضية نلقي بكل تبعاتها على الحكومة أو على وزارة الصحة فحسب. صحيح أن الإمكانات المادية والكوادر البشرية المؤهلة يمكن أن تلعب الدور الأكبر من المساهمة في الحد من هذه المشكلة، ولكن هناك العديد من الإمكانات البسيطة المتمثلة في توفير الإمدادات الأساسية من الأدوية والأدوات الطبية اللازمة، كذلك الكوادر الطبية الواعية والمدربة خاصة في المناطق الريفية والنائية والمحرومة، ولعل توفير وسائل مناسبة للنقل والمواصلات وتمهيد وعورة الطرق والتوسع في انشاء المراكز والوحدات الصحية كفيل بخفض معدل وفيات الأمهات إلى النصف، حيث أكدت الأبحاث والدراسات أن معظم الوفيات تنتج لتأخر وصول الأم إلى المرفق الصحي، والبعض الآخر نتيجة لتأخر الأسرة في قرار السعي للحصول على المساعدة الطبية، وأخيراً نتيجة لعدم توافر الامكانات الأساسية والكوادر المؤهلة في المرفق الصحي الذي قد تصل الأم إليه. وفي إطار الرؤية المنفتحة للتحالف الوطني لدعم الجهود لجعل الحمل والولادة آمنة لكل النساء وتحقيق أهداف التنمية الألفية، سعى التحالف منذ تدشينه على أن يكون عضواً في التحالف العالمي للشريط الأبيض الذي يضم في عضويته أعضاء من أفراد ومنظمات من حوالي ثمانين دولة في العالم، وهي منظمة غير حكومية وضعت على عاتقها العمل على خفض وفيات الأمهات على مستوى العالم وتقديم العون والدعم للدول الأعضاء بما يضمن تحقيق هذا الهدف، وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليمن هي أول دولة عربية تنضم إلى هذا التحالف وتعمل بالشراكة معه. إن أهم ما يمكن التأكيد عليه عند تبني استراتيجية الأمومة المأمونة هو أن المسألة ليست مجرد مسألة تتعلق بالصحة فقط ولكن القضية هي قضية تنموية تتعلق بالاستفادة القصوى من طاقات الموارد البشرية خاصة النساء مع ضرورة ربط الآثار الايجابية للرعاية الصحية بالعائد الاقتصادي سوء على مستوى الأسرة أو المجتمع عامة. كما أنه من الضروري عدم تناول صحة الأمهات، بمعزل عن قضية الصحة العامة للمرأة، ومن هنا فعلى وزارة الصحة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الصحة العمل على تصميم وتنفيذ برامج صحية تستجيب لاحتياجات الرجل والمرأة معاً تتضمن خدمات صحية تفي باحتياجات المرأة في مراحل حياتها المختلفة، وتأخذ في الاعتبار أدوارها ومسئولياتها المتعددة، واحتياجات النساء الريفيات والنساء المصابات بعجز، وتنوع احتياجات المرأة الناتج عن اختلاف العمر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإزالة العوائق التي تعترض تقديم الخدمات الصحية للمرأة وتوفير نطاق واسع من هذه الخدمات.