(وللأوطان في دم كل حر ... يد سلَفت ودين مستحق).. حرصت على أن أبدأ بهذا البيت الشعري العربي الشهير لإحساس بداخلي بأننا جميعا مقصرون نحو وطننا مهما لعبنا من أدوار، ومهما قدمنا من تضحيات، فالوطن اكبر من كل التضحيات والخطوب. قد يندرج هذا الموضوع في سياق ما كتبت من قبل حول ما يسمى ب"الحراك الجنوبي"، إذ أن القراءة الأخيرة المعنونة (الجمعيات الانفصالي .. سيناريو اللعب بالبيضة والحجر) حضيت بنقاش تعدى ما كنا نتوقعه في "نبأ نيوز"، كونه فتح أبواباً- ربما- كانت غائبة عن الكثيرين من صناع الرأي والقرار، وذلك هو غاية ما أردت بان لا تنسينا زحمة الأحداث من هم قادرون على رسم بعض خطوطها المستقبلية.. فثمة شريحة مثقفة من رجالات الثورة والمناضلين وأصحاب تاريخ عريق، لا يمكن تجاهلهم بين صفحات التاريخ طالما بوسعهم كتابة صفحات أخرى منه.. كما هو حال ما جرى مع رجالات جبهة التحرير، وغيرهم من القوى الوطنية!! ومن هنا أجدني حريصاً على تذكير أخواني في "جبهة التحرير" وغيرهم من القوى السياسية الوطنية الوحدوية التي آثرت النأي عن بعض مستنقعات السياسة الآسنة: أننا إذا لم ننصفكم فبلا شك سيأتي غيرنا وينصفكم، فديدن الشعوب الأصيلة ليس كتلك "الهرة التي تأكل صغارها"، بل يعيبها كل العيب أن تتجاهل الأقلام كل جهد، وكل قطرة دم، أو حتى كل قطرة عرق، أو نقطة حبر بُذلت في سبيل الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية..!! لسنا بصدد سرد العيوب والاخطاء، فما من أحد معصوم عن الخطا، فالوحدة قد طوت كل صفحات الماضي الأليم، أما الماضي الجميل- من نضال وتضحية وبطولات- سيذكرها أبناؤنا وأحفادنا، وهم رافعو رؤوسهم فخراً وعزة، وسيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته..! ولا أجافي الحقيقة ان قلت ان الاخوة في جبهة التحرير وغيرهم من القوى كان لهم دوراً كبيراً في أي جفوة او نكران- ليس لشيء- ولكن لأنهم نسوا او تناسوا ان هناك جيل جديد هو جيل الوحدة، جيل يتلقى ويسجل ويقبل الخطأ والصواب كما يأتيه ممن يلقنونه مفردات الثقافة؛ فمثلما قبل مجموعة من الشباب في لحج والضالع فكرة ان "النضال"- كما يسمونه- أفضل من الوحدة، وخرجوا يهتفون للانفصال نتيجة لتعبئة خاطئة، فهناك السواد الاعظم من جيل الوحدة وشبابها يؤمنون ان الوحدة دين وحياة، والمساس بها جريمة كبرى!! وفي هذه بالذات فإننا لا نعفي الدولة اطلاقاً مما يجري من تسميم لافكار الشباب، لان ذلك تم في غياب التربية الوطنية الحقيقية في مناهج الدراسة، ووسائل الاعلام، ونتيجة لاهمال وتدني في التعليم وضعف في الياته ووسائله.. وكذلك الحال في تاريخ جبهة التحرير وغيرها من التيارات الوطنية التي هي اليوم بحاجة الى طرح، وشرح، وايضاح لهذه الاجيال الجديدة، فوجود فراغ تعليمي كفيل بخلق ثغرة ربما تستغل استغلالا خاطئاً.. وكذلك غياب عدد من القيادات والهامات الوطنية عن الساحة كفيل بإيجاد بيئة خصبة للطفيليات المريضة، وجعل اعداء الوطن يتشفون بنا، ويستسهلون النيل منا، فخاصة في ظل وجود جماعات انفصالية، وعملاء، ومرتزقة، وتجار فتنة! لذلك لا بد ان نتواجد ونتكاتف للذود عن حياض وحدتنا، وان نكبر على آلامنا، ونترفع عن الصغائر، ونطوي صفحات الماضي الأليم، ونجعل من الوحدة هي استراتيجيتنا لصنع مستقبل افضل.. وعلينا ان لا نجعل طبولنا أعلى أصواتاً من مصانعنا، فالوطن بحاجة الى عمل وجهود وبناء.. علينا ان ندرك أن علي عبد الله صالح شخص منا، ولكن لا ننكر عليه سعة صدره، وطيبة قلبه الذي اتسع لخصومه ولمن أساءوا إليه، فكيف لا يتسع لمن كان لهم ولابائهم ولأجدادهم شرف الكفاح ضد الامامة والاستعمار والوقوف مع الوحدة..! ويجب ان نكون متفقون على كل جميل يخدم الوطن أياً كانت المساحة المتاحة لوجوده، بدلا من التنافر، حتى لا نجد أنفسنا كما قال البردوني- رحمه الله: (يمانيون في المنفى، ومنفيون في اليمن).. وعلينا ان ننمي كل بذرة خير متاحة لنا، وان نعيش لذة كل نسمة هواء في الوطن الموحد، فكلنا نتذكر ما عانته درة المدن اليمن اليمنية- عدن- التي كانت في الماضي ضحية صراعات قراصنة الكراسي، ومرتعاً لمن فرضوا أنفسهم عليها قسراً، وعلى أبنائها، وافقدوها السكينة والهدوء، وجعلوا منها مسرحاً لتصفية حساباتهم، فيما مناطقهم تنعم بالامن والامان.. فما ذنب عدن ان يحاول اليوم هؤلاء ان يعيدوها الى ماضٍ استراحت منه، وتاريخ يجد ابناؤها غصة وهم يتذكرونه!؟ لا شك في انه لا يوجد عاقل اليوم في اليمن او خارجها بامكانه ان ينكر وجود أخطاء، ووجود فساد، ووجود حقوق ضائعة، ووجود مظالم، ووجود تجاوزات، لكن في الوقت نفسه لا احد يستطيع ان ينكر ان هناك حلول، وهذه الحلول قد لا تكون شاملة، وقد لا تكون كافية، لكنها رغم كل ذلك موجودة، والسير فيها جارٍ، وما دامت النوايا الحسنة متوافرة والرغبة في حل قضايا الناس قائمة، علينا ان نتكاتف لننميها وان نرفع من وتيرتها، وان لا نتحول الى معاول هدم وعائق في طريق التنمية- كما يفعل المرتزقة والانفصاليون- فلا توجد في هذه الدنيا حكومة تملك بيدها عصا سحرية! وايضا لا توجد بلد تعيش كما أراد افلاطون في جمهوريته، ومهما كانت السلبيات فهذا لا يعطي لأحد الحق في ان يجلد وطنه، او يسيء اليه، ويطالب بتشطيره..! فاذا لم نستطع السير الى الامام- ولو ببطيء- فالوقوف أهون بكثير من العودة الى الوراء..! كما لا يوجد قانون لا من السماء، ولا في الارض يقول: ان الحقوق تؤخذ بالاعتداء على ممتلكات الآخرين، او بالاعتداء على مكتسبات الوطن ومقدراته!! علينا ان ندرك اننا نتعامل مع بشر، فلا الرئيس، ولا رئيس الحكومة، ولا الوزراء أنبياء ولا ملائكة ولكنهم بشر مثلنا معرضون للخطأ والصواب، ومن الايجابي والايجايبي جدا ان نجد نوايا للاصلاح قائمة، ويد للحوار ممدودة- وهذه نعمة من الله تعالى، وما منا أحد إلا وقدم تضحيات، وما منا احد إلا وله حقوق..! فأنا– على سبيل المثال- ولدت في عدن "المعلا"، وعشت وتعلمت في صنعاء، وأقيم اليوم في الضالع، ولم اشعر في يوم من الايام بغير الوحدة- حتى قبل تحقيقها..! والحمد لله اني شهدت تحقيقها، ونلت ذلك الشرف الرفيع.. ورغم ذلك لي حقوق: فقد تم تأميم البيت الذي ولدت فيه في معلا عدن رغم إنه ملك خاص لنا، وهدمت بيوتنا في شمال الوطن أيام التخريب، وأنا اليوم مقصي من وظيفتي بسبب عدم رضا أحد النافذين عني، وقد توفيت والدتي وانا طفل صغير وهي في رحلة الى أمريكا لتلتقي بوالدها واخوتها الذين شردتهم "الجبهة القومية" أيام التخريب في المناطق الوسطى، وعشت وحيدا لان والدي ذهب للبحث عن مصدر عيش في امريكا والكثير من المعاناة..! أليست هذه كلها معاناة نعيشها داخل الوطن!؟ لكن هل يعني ذلك ان نتحول الى معاول هدم الى هذا الوطن!؟ لا والله لن يكون ذلك، فعلى ترابها نحيا، وعلى ترابها نموت، واذا لم نكن نحن من يحمل هموم الوطن فمن يا ترى يحملها!؟ هل نسلمها لدعاة الردة والانفصال؟ هل نتنصل عن واجب من أقدس الواجبات؟ علينا ان لا نسمح للايادي الآثمة بان تفرغ وحدتنا من محتواها وتحولها بافكارها المسمومة الى وحدة جغرافية في وجود انسان مشتت الرؤى والاهداف.. لذلك علينا ان نحمد الله تعالى على نعمة الوحدة، فالوحدة وطن، والوحدة دين، والوحدة حياة، وان كان لا بد لنا ان ندفع الثمن من اعمارنا بالمعاناة وشظف العيش فذلك أهون بكثير من ان ندفع ذلك الثمن أضعافا ونحن ممزقون! الوحدة ليست ملكا لجنوبي او شمالي، ولا أحد وصي عليها، فهي ملك لكل اليمنيين، بل والعرب ان استشعروا ذلك، وهي الثروة والكنز الذي نخلفه للاجيال القادمة وللتاريخ.. ولمن فاتته فرصة المشاركة في تحقيق الوحدة يجب ان لا تفوته فرصة الذود عنها والحفاظ عليها، وعلينا جميعا ان ننطلق من قاعدة: نعم للوحدة، ولا وألف لا لما سواها.. ونعم للحقوق والمساواة ولا وألف لا للنهب والتخريب.. فكل من يقف ضد الوحدة خائن.. وعلى نفس الصعيد فان كل من يقف ضد اخذ الناس لحقوقهم والمساواة والعدل والعيش الكريم فهو ايضا خائن..! وأخيرا أعود وأقول لاخواني في جبهة التحرير ولكل القوى الوطنية في الخارج: إن وحدتنا تتعرض لاخطار- وهذا هو الوضع الراهن كما شرحت واوجزت- ولا احد سواء داخل الوطن او خارجه ينكر وطنيتكم او وحدويتكم ونضالكم، ولكن في الوقت نفسه لن يعفيكم أحد اذا ما تعرضت وحدة الوطن لاي مكروه- لا سمح الله تعالى- والكل يعلم ايضا انكم وطنيون بحيث انكم لستم ممن حاولوا العودة بالقفز فوق الاسوار، ولا بالطرق الملتوية..! ولا اظن أحداً اكثر حرصا من الاخ الرئيس علي عبد الله صالح على وحدة صف أبناء اليمن والتفافهم حول قضية الحفاظ على الوحدة، وبناء يمن مزدهر، يشارك في بنائه، وينعم بخيره كل أبنائه..! يساورني شعور بان القادم أفضل، واليمن أغلى، وهي بحاجة الى كل ابنائها في الداخل والخارج.. ومن يقول غير ذلك فهو غلطان..! فكما اننا بحاجة الى اليمن فاليمن بحاجة الينا لنعمرها بالعدل والمساواة والمحبة والتسامح والسلام. ومن هذا المنبر "نبأ نيوز"- صوت الوطن الواحد- أدعو الجميع في هذا الوطن بكل انتماءاتهم وتوجهاتهم إلى كشف زيف الشعارات المسيئة للوطن، وللثقافة الوطنية، وللمرجعيات الاخلاقية والقيمية.. كما اتمنى ان يتبؤ مثقفو البلد، وسياسيوها أماكنهم الطبيعية، وان يأخذوا أدوارهم الحقيقية في إشاعة ثقافة الوحدة والتسامح والمحبة، ونبذ ثقافة الكراهية والمناطقية والارهاب والانفصال.. فلنمد أيدينا إلى من هم خارج الوطن.. ولتكن أعينهم هم أيضاً صوب الوطن ليثقوا أنه يتسع الجميع، وأنه كحضن أم حنون مهما بلغ بها الغضب لن تتخلى عن لذة ضم أبنائها إلى صدرها بقوة، والاستمتاع بلحظات التوحد التي لا يعادلها في الكون شيئاً..!