هل هي عودة لسياسة الحرب الباردة مبتدئة إياها موسكو هذه المرة عبر دعوتها لقادة حركة حماس لزيارتها؛ وسط اندهاش دولي من المجتمع (الديكتامقراطي)، أو ممن أطلقوا على أنفسهم صفة (اللجنة الرباعية). حماس التي بدا واضحاً أنها باكتساحها الانتخابات الفلسطينية لخبطت أوراق اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط تنوي منذ البداية أن تمارس نوعاً جديداً كما يبدو من المعترك السياسي الدولي، ربما يكون منطلقها في ذلك أنه مادام السرب متجهاً بأكمله نحو قفص الصياد فلا يمنع أن تغرد خارجه فهي إن لم تأت بالجديد، فلن تكون أسوأ من الموجود. يبدو من طرح الأستاذ (خالد مشعل) رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عندما صرح في مؤتمره الصحفي الذي عقده بالقاهرة أن حماس ستمارس السياسة بلغة واسعة غير مهزوزة كما تريدها حماس – على حد قوله – لا كما تريدها أمريكا فيبدو أن (مشعل) قرر تحريك قاطرته السياسية باتجاه النفق الشرقي وتحديداً روسيا التي تؤكد القراءات السياسية في المشهد النخبوي الأوروبي أنها مهدت الميدان لأمريكا كي تنفرد بالتسلط الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى إحداث خلل في توازن القوى الدولية في العالم والذي كان وجوده يشكل عائقاً وقيوداً واضحة على الهرولة الأمريكية أمام أطماعها الامبريالية، ولا أدل على ذلك من الإنذار السوفيتي لأمريكا عام 1956 والذي أوقف بموجبه الحرب ضد مصر مما سنح لها فرصة أخذ قرار تأميم قناة السويس، أيضاً الموقف السوفيتي من أزمة صواريخ كوبا عام 1962 الذي انتهك بها مبدأ مونرو. لعبة حماس مع أمريكا عن طريق تحريك المياه الراكدة في القطب الشرقي المنكفئ على صراعاته الداخلية مع جمهورياته المنقسمة أعتبر كصفعة (حماسية) موجهة إلى الإدارة الأمريكية والتي سرعان ما انكشف زيف مباركاتها الممجوجة بفوز حماس في الانتخابات البرلمانية عبر تأكيد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفد ولش أن إعادة النظر في المساعدة الأمريكية إلى الفلسطينيين إذا شكلت حماس الحكومة الجديدة ستتم "سريعاً" ومؤكداً بشكل صريح أن تلك المساعدات ستتأثر بهذا التشكيل الحكومي وهو الأمر الذي لا يمكنها تجنبه. وتزداد مخاوف الإدارة الأمريكية من هذا التحرك بشكل واضح حينما تطلب رسمياً من موسكو توضيحات حول الموضوع "لمعرفة نواياهم الحقيقية وما يخططون له". يؤكد "مشعل" بأن "المجتمع الدولي ليس ملتقيا مع الموقف الأمريكي هناك ثغرات في الموقف الدولي، وحماس قادرة أن تكسب الموقف العربي والموقف الإسلامي وموقف العالم الثالث وتكسب مواقف في الساحة الأوروبية" وحينما يقول بأن (حماس) في جعبتها الكثير فهو بالتأكيد يعي ذلك فهو يتجه لوضع الإدارة الأمريكية بين خيارين – كما صرَّح بذلك – إما أن تكون معزولة أو أن تلتحق بركب الموقف الدولي الذي يقترب من إنصاف الشعب الفلسطيني. يفترض بحركة (حماس) الآن أن يكون لديها من الحماس الشيء الكثير لإعادة بناء الإرث التاريخي، والمفهوم الثقافي السائد في القارة الأوروبية بشأن القضية الفلسطينية، وما يعطي خطوة في هذا الاتجاه تأييد فرنسا دعوة روسيا لقادة (حماس)؛ بل واعتبرتها تعزيزاً لموقف (اللجنة الرباعية الدولية) والتي تعتبر موسكو عضواً فيها.. القراءة الأولية لهذه الدعوة تتلخص في أمرين، وهما: أن تُستعمل (حماس) ورقة ضغط روسية تلوح بها موسكو من حينٍ إلى آخر ضد التدخلات الأمريكية والأوروبية في شؤونها السياسية الداخلية والذي لم تستطع الدبلوماسية إخفاءه حينما ظهرت الخلافات الحادة بين سيرجي لافروف وكولن باول وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة حول التدخلات الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً في شؤون جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، إذ أشار لافروف صراحة حينها وللمرة الأولى بهذه الحدة إلى المعايير المزدوجة بقوله: "علينا أن نتجنب الممارسة المضرة للمعايير المزدوجة في تقويم العمليات الانتخابية" .. ويستطرد: "يجب أن نسمح أن تتحول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى أداة سياسية تغيب عنها معايير موضوعية، وأن تصبح عاملاً لزعزعة الاستقرار"، هذا في الوقت الذي أكد فيه باول رفضه هذا الاتهام وأبدى قلقه من التطورات في روسيا "التي تؤثر على حرية الصحافة وحكم القانون". ثانياً: أنها رغبة من (حماس) في دغدغة المجتمع الأوروبي، وإعطاء رسائل غير مباشرة للإدارة الأمريكية بالتحالف المعلن مع الخصم التاريخي لها وهي موسكو، والتي جاء أول رد فعلٍ ما أعلنته الخارجية الأمريكية على حرج من قولها بأنها تحترم القرار السيادي لروسيا بدعوة قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لزيارة موسكو، في وقت تصاعدت فيه حدة الانتقادات الإسرائيلية لهذا الموقف الروسي. يبقى أن نقول بأن الكرة الآن في ملعب حركة (حماس) لكي تحدث توازناً سياسياً يحسب لها من خلال خطوتها القادمة كأول زيارة رسمية إذا ما تم تلبيتها لدولة ذات ثقل سياسي في المجتمع الدولي، والتي يمكن لها توظيفها ببناء علاقات ذات خصوصية مع موسكو تخرج منها بتجربة تضعها في المربع الصحيح أمام مشوارها السياسي القادم المليء بالأشواك. * كاتب صحفي – الرياض [email protected]