اتذكر تلك اللحظة التاريخية من اعلان يوم الوحدة 22 مايو 1990 عند تواجدي في كوبا الصديقة للدراسة الجامعية، حيث عايشت يوم الفرحة التاريخية مع مجموعة من اصدقاء الدراسة، وقد كان الشعور مليء بالامل وخاصة بعد معاناة طويلة من الفرقة والتشطير للوطن الواحد. بعد 18 عاما من الوحدة شهد خلالها اليمن العديد من التحولات الهامة في بنيتها التحتية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، اعادت الى اليمن وجهها الحضاري المشرق في الخارطة العربية والدولية، واصبحت تتمتع بسمعة طيبة في محيطها العربي بدرجة اساسية وخاصة مع جيرانها، حيث شكلت الوحدة عماداً للامن والاستقرار في منطقة الجزيرة والخليج العربي، وهي نتيجة طبيعية للسياسة السلمية وحسن الجوار مع الاشقاء. ان السياسة الخارجية لليمن تميزت با لشفافية في التعامل مع كل المستجدات والاستحقاقات عربيا واقليميا ودوليا وابرز ما تححقق في السنوات ال18 الماضية هو ترسيم الحدود مع الاشقاء في سلطنة عمان، والعربية السعودية وكذلك حل النزاع حول جزر حنيش مع ارتيريا عبر التحكيم الدولي اي ان يمن الوحدة استطاعت بكل حكمة حل هذه الملفات المعقدة، وفي نفس الوقت تثبيت دعائم الاستقرار اقليمياً. اما داخليا فقد شهدت اليمن تحولات هامة تمثلث في ترسيخ مبادي التداول السلمي للسلطة وما زال المشوار طويلا في ترسيخ هذة المبادي في بنية المجتمع. ولن نستطيع ان نجزم بان اليمن قد حقق كل الاهداف المرسومة، فما زالت المعوقات قائمة امام بلورة كل الطموحات نحو تحقيق مجتمع العدالة والقانون بحيث يحتكم الجميع لصوت العقل والصواب، وان تكون الممارسة السياسة في السلطة او المعارضة مسؤلة وان يكون الهدف المشترك هو رفع المعاناة عن المواطن العادي والذي ما زال يعلق الامال في قادتة. امام اليمن تحديات كبيرة وبالذات في تعزيز وحدتة من خلال التقارب بين السلط والمعارضة لان السلطة لن تستطيع ان تتجاهل المعارضة ولو كان حجمها محصوراً، كما ان المعارضة لا يمكن ان تتجاهل بان المكان الحقيقي للوصول الى سدة الحكم هو عبر صناديق الاقتراع وليست عبر دغدغة مشاعر البسطاء في عدائها للسلطة او عبر اشعال الفتنة المناطقية او الطائفية!! لابد ان تتذكر ما حدث لجنوب الوطن عندما كان مشطراً، حيث شهدت موجات التصفية الدموية الرهيبة بين ابناء الوطن الواحد حتى جات الوحدة وانتشلت ابناء الجنوب من هذه المعاناة، وبدأ يتنفس الصعداء بطي صفحات سوداء من تاريخ الجنوب. أما اليوم فياتي اولئك الذين اسهموا في تلك النعرات والتصفيات ليدافعوا عن ابناء الجنوب، يا لها من مفارقات الزمن!! والسبب بسيط جدا بان اولئك ضعفاء النفوس فقدوا مصالحهم، أما أغلبية ابناء الجنوب فقد كسبوا الكثير من هذة الوحدة، حيث عاد الكثيرون الى ديارهم واصبحوا احراراً في تنقلهم بين الوطن الواحد الكبير. اما التحدي الاخر والذي ما زال قا ئما حتى هذة اللحظة تثمثل في فتنة صعدة والتي يعاني منها الكثيرين ولابد للسلطة اليمنية ان تجد مخرجا مرضيا لجميع الاطراف وبالطرق السلمية لان عبر الزمن علمتنا جميعا انة بعد تدمير الاخضر واليابس في نهاية المطاف الكل يصبح خاسرا ويبقى شامخا صوت العقل و الحوار السلمي! اما التحدي الاهم هي المعركة الاقتصادية من أجل النهوض بالوطن ورفع المعاناة عن المواطن البسيط والفقير ضحية الغلاء وزيادة الاسعار وهبوط وتراجع قدرتة على مواجهة الواقع الاقتصادي الصعب. كما ان السلطة اليمنية عليها التزام اخلاقي لتخفيف معاناة اغلبية الشعب اليمني ولا يمكن ان تتقاعس في تادية التزاماتها اما م المواطن البسيط والذي اعطاها ثقتة عبر صناديق الا قتراع وحان الوقت بربط الاحزمة والتقشف لكبار المسؤلين مهما كان موقعه، وان لا يتم التساهل مع كل من يحاول العبث بأموال ومقدرات هذا الوطن، وان يكون القضاء الفيصل في هذا الجانب. والخطر على الوحدة ليس من الخا رج بل داخل السلطة، عبر التصرفات اللا مسؤلة لبعض من يسيء للسلطة في استخدامه واهدار للاموال العامة واصبح عامة الشعب تترقب افعال وليست حسن نوايا كل فاسد.. فمتى سنرى اولئك المتورطين في الفساد في قفص الاتهام..؟ فقد مرت على الوحدة اليمنية ثمانية عشرة عاما واصبحت راسخة في وجدان الجميع وعلى الجميع المراجعة والتقييم من اجل استئصال كل سلبية تواجة طريق الوحدة والذي هو طريق الوطن. ويبدو ان السلطة في اليمن ادركت اهمية ترسيخ مفاهيم السلطة المحلية وضرورة استقلاليتها في تدبير امورها من خلال تقليص نظام المركزية الشائك والعائق الكبير في حل قضايا الناس وتسهيل امورهم- وتعتبر بادرة رائعة الانتخابات الاخيرة للمحافظين عبر الهيئات الا نتخابية لكل محافظة. والامل يراود الجميع بان تكون الخطوة التالية ان يتم انتخاب المحافظين عبر الاقتراع المباشر لعامة الشعب، وان تكون الممارسة واسعة وديمقراطية حيث تكون للهيئة الانتخابية صلاحيات واسعة في استجواب المحافظ وفريقه، وحتى حجب الثقة عنه اذا كان ضرورياً.. وهذه هي الديمقراطية الحقيقية. فالانتخابات الاخيرة بالرغم من حصرها على الهيئات الانتخابية تعتبر اللبنة الاولى نحو ترسيخ مفاهيم السلطة المحلية. 18 عاما مضت على تحقيق الوحدة شهدت خلالها اليمن انجازات واخفاقات، والاعوام القادمة تنتظر حلولاً للعديد من المستجدات اقتصاديا وسياسيا وثقافيا نحو الوصول الى الاهداف المرسومة التي مازلنا بعيدين عن تحقيقها.. لابد ان ننتهز فرصة عيد الوحدة في توجيه الدعوة الى الجميع لتوطيد الالتحام الازلي للتراب اليمني، وان تعمل السلطة والمعارضة معا لما هو افضل في تقدم وتطور هذا الوطن الكبير والذي هو على ابواب تحديات القرن الواحد والعشرون. تهانينا لكل ابناء الوطن.. وان تظل الوحدة اليمنية راسخة في عمق الارض، وفي ارادة الشعب.. * مواطن اسباني من أصل يمني [email protected]