في يوم غدٍ الأحد الموافق 9 مارس 2008 تنطلق في عموم أسبانيا الانتخابات البرلمانية لتجديد مجلسي النواب والشيوخ، حيث تتنافس العديد من الاحزاب الرئيسية، وفي مقدمتها: • الحزب الا شتراكي العمالي الاسباني(يسار) • الحزب الشعبي المعارض (يمين الوسط) • اليسار الموحد. ويشارك فيها (35.067.281) من الاسبان المدعوون لانتخاب (350) نائبا لمجلس النواب و(259) عضوا في مجلس الشيوخ. وتتميز هذه الانتخابات عن غيرها باعتبارها تأتي بعد أربعة اعوام من القرار الفردي الذي اتخده رئيس الوزراء السابق "هوسيه ماريا اثنار" في تأييده غير المشروط للحملة العسكرية التي قادتها الولاياتالمتحدهالامريكية وبريطانيا على العراق. وهي تعتبر سابقه خطيرة أضرت بعلاقات أسبانيا بالعالم العربي وقد تحرك الشارع الاسباني بصورة كبيرة لفتت انظار العالم، ولن نكون مخطئيين اذا قلنا بان هذه الوقفة المبدئية قد تجاوزت المواقف العربية الرسمية والشعبية.
وبذلك أثبت هذا الشعب الصديق وقوفه ومساندته لقضيه العراق وفلسطين وهو يدرك المخاطر المدمرة التي تخلفه الحروب فلا يوجد منتنصر او منهزم من طرف واحد، فان الكارثة تشمل الجميع وخاصة وأنه عانى من حرب أهلية امتدت من عام 1936م الى عام 1939م توجت باستيلاء الجنرال "فرانكوا" مقاليد الحكم دامت فتره طويلة حتى زوال هذا الدكتاتور من الوجود تمثل في وفاته في عام 1975 وعودة الملكيه الدستوريه وبزوغ النظام الديمقراطي والذي تفتخر به اسبانيا. وقد ترسخت هذه التجربه وبصورة رائعة تمثلت في قناعة الشعب الاسباني بان الديقراطيه هي السبيل الوحيد في إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وهذا ما تحقق فعلاً، وقد استطاعت اسبانيا ان تندمج في محيطها الاوربي وان يكون لها مكانتها في رسم السياسة الدولية، حيث تعتبر اسبانيا من أحد الركائز الاساسية لهذا الاتحاد، وشهدت ايضا قفزة كبيرة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وتاتي هذه الانتخابات العامة في هذا العام وما زالت ظلال دعم الحزب الشعبي المعارض في حملة غزو العراق تخيم على أجواء السيا سة وفي الحملة الا نتخابية والتي قاربت على الا نتهاء. كما ان الازمة الاقتصادية التي تحوم على الاجواء بسبب التضخم، وارتفاع اسعار المواد الغذائية، وارتفاع نسبة البطالة هي الحاضر القوي في هذة الا نتخا بات، وسيكون لها تاثير في نتائج هذة الانتخابات وستحدد الحزب الفائز في هذا الاسبوع. ومن خلال استطلاعات الرأي العام يبدو ان الحزب الإشتراكي الحاكم سوف يحافظ على السلطة لاربع سنوات قادمة، ولكن هذه المرة فان الاحزاب اليسارية تراهن على اصوات الاسبان وهي نتيجهة طبيعيهة بسبب التشدد الذي يبدية الحزب الشعبي اليمنيني تجاه الاجانب واصراره بان يلزم الاجا نب بالتوقيع على تعهد باندماج واحترام عادات وتقاليد الشعب الاسباني، وهذا ما ادى الى رفض وادانة كلى الاحزاب اليسارية ومنظمات المجتمع المدني باعتبار هذه الدعوة عنصرية وموجهة بصورة خاصة الى الجالية المسلمة- وخاصة المغربية- والتي تشكل اكبر الجاليات المتواجدة في هذا البلد.. ومن هنا يرى الكثير من المحللين بانة يوجد تناقض في طرح الحزب الشعبي اليميني واللعب بالنار، وخاصة وان اسبانيا تعتبر من افضل الدول الاوربية في التعايش واحترام الحقوق المدنية للاجا نب، كما الحكومة الاشتراكية الحاكمة استطاعت خلال الاربع السنوات الماضية من تحسين علاقاتها بدول الجوار وكذلك مع الدول الافريقية المصدرة للهجرة غير الشرعية، حيث وقعت معها اتفاقيات تسمح من خلالها اعادة المهاجربن غير الشرعيين الى دولهم. كما ان السياسة الخارجية الاسبانية تتمتع با حترام دول العا لم وتدعوا الى الحوار واحترام السيادة. وشهدت مدريد في هذا العام انعقاد اللقاء الدولي لحوار الحضا رات وهذا ما يرفضة الحزب المعارض والذي يسعى لاستعادة السلطة، حيث أنفق أكثر من 13 مليون يورو في هذه الحملة الانتخابية، وهو اكثر مما انفقة الحزب الحاكم- وهذا يعتبر من المفارقات.. فيا ترى هل ممكن ان يحدث هذا في الدول العربية ذات التوجة الديمقراطي..؟ هذه الانتخابات لها طابع خاص، وتعتبر الأهم والأصعب، وخاصة وان نتائجها متقاربة بين الحزبين الرئيسين الشعبي والاشتراكي العمالي. وتاتي أيضا في ظل التوسع الكبير والهائل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وبالذات الصحافة الأكترونية والتي تبدو اكثر فاعلية من الصحافة المقرؤة وذلك لسرعة صناعة الخبر وانتشاره السريع. وقد استفادت الاحزاب المتنافسة من الاستفادة من هذه الوسائل الرخيصة التكلفة وذات تاثير في تواصلها مع الناخب من أجل كسب تأييده. الكثير من الاسبان يرون في الحزب الاشتراكي الحاكم أملهم في الحفاظ على المنجزات الاجتماعية التي تحققت خلال الاربعة السنوات الماضية، واصبحوا اكثر تخوفا من عودة الحزب اليميني وتأثير الكنيسة الكاثولوكية ،والتي فقدت وزنها في الفترة الماضية، خاصة وان اسبانيا تعتبر دولة علمانية بالرغم من ارتباطها باتفاقية خاصة مع الفاتيكان، حيث يطالب العديد من الاسبان بالغائها، وكذلك الغاء الدعم المالي للكنيسة بحيث يؤيد الكثيرون منهم بضرورة ان تبحث الكنيسة عن التمويل الذاتي وليس من خلال الضرائب. كما ان شبح عودة القوات الاسبانية الى العراق لدعم سياسة بوش العدوانية في حالة عودة الحزب اليميني الى الحكم تعتبر من أبرز ما يقلق الناخب الاسباني، ولهذا سوف يؤيد الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم باعتباره يمثل سياسة السلم والوفاق. أما التحدي الداخلي الاخر- وهو معقد- ويتمثل في مطالبة بعض الاحزاب ذات التوجه الوطني في الانفصال عن التاج الاسباني وبالذات حركة "إيتا" الانفصالية.. وقد اصدرت المحكمة العليا الاسبانية بوقف نشاط الجناح السياسي لحركة ايتا في اقليم "الباسك". وكذلك الاحزاب القريبة من التوجه الانفصالي، وما زالت الحكومه تطارد عناصر هذه الحركة وتقوم بحملات واسعه لاحتوائها. وقد حاولت الحكومة الحالية بفتح قنوات حوار من أجل حل سلمي لهذه المشكلة المستعصية ولكنها باءت بالفشل نتيجة خرق الهدنة التي اعلنتها ايتا مسبقا جراء هجومها على موقف سيارات مطار مدريد الدولي في ديسمبر عام 2006 والذي نجم عن مقتل شخصين والحاق ضرر كبير. بالرغم من فوز رئيس الوزراء الاسباني "خوسية لويس ساباثيرة" في مناظرته امام زعيم المعارضة اليميني "ماريانو راخوي"، فان ساباثيرو يشدد بان النتائج النهائية لم تحسم بعد وطالب كل الاسبان بان يشاركوا بقوة في هذه الانتخابات المصيرية التي تجري بين مشروعين مختلفين اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا، وبين سياستين خارجية تتمثل في عنصر الحوار والسلم الذي يتبناه الحزب الحاكم وبين سياسة عدم الحوار والحرب الوقائية والتبعية للسياسة الامريكية، والذي يمثله الحزب اليميني المعارض. لذلك فانه يوم غدٍ الاحد- التاسع من مارس 2008م- ستشهد اسبانيا تحولا كبيراً بين مواصلة المشروع الحالي او التغيير لمشروع اخر يجهله الكثير من الاسبان. الحزب الحاكم سيسعى في الإحتفاظ بالسلطة، وكذلك بان يكون له موقع متميز في المعادلة السياسية الاوربية، وخاصة بعد اعلان استقلال "كوسوفو" ورفض الحكومة الاسبانية الاعتراف به، وذلك لاسباب تكتيكية ناتجة عن وجود مشكلة انفصالية في اسبانيا.. وهذا ما احرج كثيرا الحكومة في اتخاذ قرارها بشان كوسوفو. ويؤمل في المستقبل ان يتغير هذا الموقف وخاصة وان غالبية الدول الاوربية قد اعترفت بكوسوفو. وبنتائج هذه الانتخابات بعد اعلانها ستكون المحطة الاولى لكل حزب بان يثبت وجوده على الخارطة السياسية. ومن دون شك ان اسبانيا ستعيد النظر في العديد من السياسات الداخلية والخارجيهة بعد ان يستوعب كل حزب من نتائج هذه الانتخابات في ظل متغيرات اقليمية ودوليهة يشهدها العالم- من تنامي الهيمنه الامريكية، والتنافس القادم مع أوربا موحدة وقوية.