تحقيق: نزار العبادي انفجار سكاني.. يدوي صوته في كل الأروقة الرسمية وغير الرسمية، ولكن من يكترث لإيقاف هذه الغريزة البشرية التي ما انفكت تتناسل ، وتتناسل ، ولا تغمض عينيها إلاّ وهي تحلم بالتناسل ، فثمة صوت يرتجع صداه في الأذنين منذ دخلها من إحدى المنابر: "تكاثروا فأني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"! اليوم تقف اليمن حيرى أمام هذه الكتل البشرية الهائلة التي تنهم كل شيء، ولا تترك شبراً من الأرض دونما أن تتزاحم عليه .. زحام على آبار المياه، وزحام على أبواب البقالات، والجزارين، والباصات، ومقاعد الدراسة.. بل وحتى على مكتب تحصيل فواتير الهاتف، والكهرباء !! فيما يقول الرئيس علي عبد الله صالح :"أن كل ما تأتي به التنمية تبتلعه الزيادة السكانية"، ويبدو أنه محتار ماذا عساه أن يفعل ورئيس حكومته عبد القادر باجمال إزاء شعب يشقى النهار كله، لينفقه عصراً في بضع غصون قات، حتى إذا أدركه الإفلاس ليلاً بدد سأمه بليلة حمراء لاهبة!! حملة من منزل الى منزل في الآونة الأخيرة تعالت صيحات ذوي الاختصاص والمسئولية منادين بضرورة تنظيم الأسرة، لكن الدكتور زهير الإرياني- مدير مركز العلفي لرعاية الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة بأمانة العاصمة- لم يكتف بهذا القدر من النداء ، بل تبنى الدعوة الى حملة وطنية شاملة لتنظيم الأسرة " حتى لو اضطررنا لجعلها حملة من منزل الى منزل-على غرار الحملة الوطنية الشاملة لمكافحة شلل الأطفال، والتي نجحت اليمن فيها بسبب الجدية التي أعطيت إليها، وللإحساس بحجم الخطر الناجم عن تجاهلها". وحذر الدكتور الإرياني في لقاء مع (22 مايو) من تفاقم مشاكل النمو السكاني الكبير في اليمن ، وانعكاساته السلبية على الخطط التنموية ، داعياً الى حملة توعية وطنية لتنظيم الأسرة على غرار حملة مكافحة شلل الأطفال، تُحشد إليها الجهود الحكومية، والدولية ومنظمات المجتمع المدني، ومتطوعين يتنقلون من منزل الى منزل لتوعية المواطنين بأهمية تنظيم أسرهم. ويقول أيضاً: " اليمن تشهد انفجارا سكانياً من خلال ارتفاع نسب الولادات فيه بمعدلات عالية جداً أخذت تنعكس سلبياً على فاعلية دور الأسرة في المجتمع، والجانب النوعي التربوي لأفرادها، علاوة على أن إبقاء الباب مفتوحاً أمام هذه الزيادة من شأنه تكريس حالة الفقر، وإفشال كل برامج وخطط مكافحة الفقر – سواء المبذولة من قبل الحكومة أو جهات دولية مختلفة خاصة في ظل الموارد المحدودة التي لدى اليمن". في الثانوية ولا يعرف من أين تلد المرأة لكن الدكتورة جميلة أحمد أبو أصبع – مديرة المؤسسة التنموية للمرأة والطفل- تطمح "لأن تكون هناك توعية كاملة أولا في برامج المدارس .. يعني أنا ما اقدر أوعي واحد عمره (40 – 50) سنة بالصحة الإنجابية، فمن الضروري أن يكون ضمن البرنامج المدرسي ما يسمونه بالصحة الجنسية أو الإنجابية يدخل ضمن برامج الثانوية أو الجامعات، لأنه أنت تؤهل الجيل للمستقبل.. عندنا بدايات لكن ليس لدينا الطاقم المؤهل لإلقاء البرنامج- يعني تفهمه أن الجنس ينطلق عن طريق كذا وكذا وضروري نتفادى كذا وكذا وأنه فيه أمراض الآن أصبحت منتشرة في العالم وتفهمهم كيف يتركب الجهاز التناسلي ، فبعض الأطفال يوصل للثانوية وما يعرف من أين تلد المرأة!" وتحدد الدكتورة أبو أصبع أحد جوانب المشكلة السكانية بقولها : " في اليمن يزوجوا الطفل وعمره 18 سنة ويزوجوا البنت وعمرها 15 سنة ..أسرة شابة ولا تمتلك الموارد المادية لإعالة الأسرة، ولا وعي كيف يربوا الأطفال الجدد ، ففي هذه الأعمار يصبحوا مع مولودهم عالة على رب الأسرة ولهذا نحن عندنا ارتفاع كبير بالخصوبة لأن الطفلة بمجرد أن بلغت يمكن تحمل، وكذلك لا يوجد عندنا مسئولية ولادية ‘ فالطفل عمره 18 سنة نحمله مسئولية وما أن يبلغ 25 سنة حتى يصبح عنده 4-5 أطفال و- طفش- من الحياة ، لذلك نسبة كبيرة من الذين يبلغوا 30-35 سنة نجدهم قد ملوا من الزوجة الأولى فيذهب يبحث عن زوجة ثانية." وتؤكد:" كلما كبرت الأسرة كلما ضاقت فرص الإبداع ومساعدة الآخرين .. هذه مشكلة كبيرة خاصة عندنا في اليمن.. يخلف ثمانية أطفال وتنشغل المرأة بأكلهم وطبخهم ونظافتهم ومدارسهن وزواجاتهم فيظل الهم الرئيسي للأم والأب هو هذا.. هذه من القضايا المهمة التي نحب التوعية بها". الأكوع : حذار من التطرف والإرهاب الأخ عبد الرحمن الأكوع- وزير الشباب والرياضة- تحدث في إطار استعراضه للتحديات أمام الشباب، عن المشكلة السكانية ، فأشار الى أن نسبة النمو في اليمن بلغت 3.2% وهي نسبة كبيرة جداً ، وأم معدل الخصوبة يقدر ب 6.2 مولود لكل امرأة، فيما نوه الى أن تقديرات رسمية تقول أن سكان اليمن في عام 2025 من المتوقع أن يصلوا الى حوالي 35 مليون نسمة، في نفس الوقت الذي أشار فيه الى أن أعداد الشباب من الفئة العمرية (15-24) عاماً يقدرون حالياً بحوالي خمسة ملايين نسمة.. وحذر من أن تجاهل الشباب وعدم رعايتهم قد يقود الى تحولهم الى فريسة للتطرف والإرهاب والغلو ، والعملة غير الشرعية، ناهيكم عن الفقر والبطالة وغيرها من المشاكل. نريد حلاً.. ما السبيل !؟ بحثنا عن الحلول في كل مكان ، وعدنا الى مركز العلفي لنسأل الدكتور زهير الإرياني، فأشار علينا بتنظيم الأسرة، وقال : "الدولة وفرت وسائل تنظيم الأسرة بأسعار رمزية، ودعمتها إلاّ أن ذلك وحده لا يكفي إطلاقاً لمواجهة مشكلة الزيادة السكانية الهائلة، بل على الدولة أن تتبني حملة وطنية شاملة لتنظيم الأسرة، ونشر هذه الثقافة من خلال حشد جهود الجامعات، والمدارس، والجوامع، ووسائل الإعلام المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الطبية الأهلية، ودوائر المرأة ومؤسساتها المختلفة، وكل المؤهلين للقيام بحملات التوعية". وأشار الدكتور الإرياني الى أن "الخطة الخمسية لم تستطع استيعاب أعداد العاطلين عن العمل، ولو ازدادت المواليد على مدى الخمس سنوات القادمة بنفس الوتيرة ستكون كارثة، لأن الأمر مثلما وصفه الأخ الرئيس علي عبد الله صالح " أي زيادة في موارد هذا البلد يبتلعها السكان". ونوّه أيضاً الى أن المنظمات الحقوقية النسوية معنية بدرجة كبيرة في الدفاع عن حقوق المرأة في هذا الجانب، حيث أن الزواج المبكر له آثاره السلبية جداً على المرأة، إذ أنها تحمل في وقت مبكر بين (13 – 18) عاماً ، وتبقى في حالة ولادات متكررة، وما أن تبلغ سن (30) عاماً تكون صحتها قد أنهكت، واستهلكت نضارة شبابها، وقدرتها على أن تحيا بسلامة صحية أو بحيوية أسوة بغيرها من نساء العالم؛ وهذا ما ينبغي أن تعطيه المنظمات الحقوقية المدافعة عن المرأة أولوية في القضايا التي تبحثها. وأكد أن من مخاطر الانفجار السكاني في بلد ضعيف الموارد الاقتصادية هو انخفاض الجانب النوعي للمواليد لعدم قدرة الأسرة على كفايتهم من احتياجاتهم الأساسية كالتغذية، والتهذيب السلوكي، والتعليم وغير ذلك من الأمور التي يؤدي الافتقار إليها الى ارتفاع معدلات الفساد والجريمة في المجتمع ، وبالتالي تفاقم مشاكل المجتمع وتعقيدها. وقال الدكتور زهير الإرياني- مدير مركز العلفي لرعاية الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة بأمانة العاصمة- أن مركز العلفي ينفذ برنامج توعوي منتظم بمعدل (3) مرات أسبوعياً يتم خلاله جمع النساء- برفقة أزواجهن- وتثقيفهن بشئون تنظيم الأسرة، من خلال محاضرات تلقيها الطبيبة المتخصصة في عيادة تنظيم الأسرة بالمركز، وأن هناك إقبال كثيف ورغبة متزايدة من قبل الأزواج وزوجاتهم في طلب المساعدة بتنظيم أسرهم، خاصة من قبل الفئات العمرية الواقعة مابين (30 – 35) عاماً. ظلت المساجد تقول للناس تكاثروا! حاولنا أيضاً الوقوف على حقيقة الأمر من الدكتورة جميلة العنسي – المسئولة في مركز العلفي عن الأسرة – فأكدت العنسي : أن إقبال سكان الأرياف أكبر من سكان المدن على طلب المساعدة من قبل المركز في تنظيم أسرهم ، كما أن الكثير من الأزواج يأتون الى المركز مع زوجاتهم ، ويستمعون للمحاضرات التي نقيمها بشكل منتظم، أو الى الاستشارات التي نقدمها الى زوجاتهم، ويتفهمون الحالة جيداً. وأشارت الى أن الغالبية العظمى ممن يرتادون مركز تنظيم الأسرة هم من فئة (30 – 35) عاماً، بعد أن دب التعب فيهم ، وضاقوا ذرعاً بالوضع الذي آلت إليه أسرهم جراء الولادات المتكررة. سألناها عن الإشكالية في رسوخ ثقافة التوالد عند المجتمع، فقالت: أنه جزء من موروث ديني أحياناً ظلت المساجد تقول للناس تكاثروا.. تكاثروا.. دونما اهتمام بالجانب النوعي التربوي الذي يكون موضع التفاخر الحقيقي للرسول صلى الله عليه وسلم بتكاثر الأمة ، فالرسول لا يباهي بالعاطل، أو الجاهل الذي عجز والديه من منحه القدر الكافي من التربية والتعليم والرعاية..الخ ، فبعض رجال الدين لا يفرقون بين قطع النسل وبين تنظيمه.. فنحن لا ندعو الناس الى عدم التناسل بل الى أن تكون الفترة الفاصلة بين مولود وآخر لا تقل عن عامين ، وهذا جزء من شرع الله الذي حدد فترة الرضاعة والفصام بحولين كاملين. نخاف المتشددين وحول إمكانية نشر الثقافة الإنجابية في مدارس الثانويات للبنات، قالت الدكتورة العنسي: البنات يمكن أن يتقبلن الثقافة الأسرية برحابة صدر وسهولة ، ولكن المشكلة في بعض المتشددين الذين سيفسرون الأمر على أننا نعلمهن أمور جنسية غير شرعية. وتقول أيضاً: أن مراكز تنظيم الأسرة لا تعطي المرأة وسائل التنظيم إلاّ بعد فحصها، وتحديد الوسيلة التي تلائمها، ومراقبتها بصورة دورية، وهذه الوسائل ابتداءً من اللولب الى الحبوب وغيرها موجودة لدينا في المراكز بأسعار مدعومة من قبل الدولة أو مجانية. من جهتها قالت الدكتورة جميلة أبو أصبع أن اليمن تطمح الآن أن تكون لكل أم خمسة أطفال ، مشيرة الى أن 36.5 من الأسر اليمنية أصبحت اليوم تستخدم وسائل تنظيم الأسرة.. لكنها تعود للتأكيد بأن المشكلة جذرية ولا يمكن تطوير الصحة الإنجابية بدون تطوير التعليم، ورفع الوعي بأهمية تنظيم الأسرة. وهكذا تسير عجلة الحياة اليمنية على نفس الوتيرة، والعارفون بالأمر وحدهم يحذرون بينما الجميع يهم العودة للبيوت بحثاً عن فراش دافئ، وجنس ناعم ، ولذة لا يهم بعدها إنجاب كتيبة أطفال.. فللمخلوق رب يتولاه في كل حين!