مع بزوغ فجر كل يوم يسارع (محمد) للبقاء منتظرا في إحدى جولات المرور بمدينة تعز متأبطا منشفته وقربة ماء، ملوحا تارة، وماسحا زجاج سيارة فارهة تارة أخرى، فيما (نسرين) التي تعاني من بعض إعاقة في رجلها تعتلي باب السيارة فتلح علي صاحبها بأن يشفق عليها بما تيسر.. لكن وحده (سرحان) يدس بيدك اليمنى كتيبات دينية مستوردة بقيمة عشرة ريالات لترد له بضاعته وقيمتها بيدك اليمنى أيضا.. القائمة طويلة لأطفال الشوارع في اليمن الذين يكابدون من اجل البقاء على قيد الحياة بطرق مختلفة غير عابئين بما يكتب عنهم في الصحف أو من يمثلهم من منظمات وجمعيات تملأ البلد وتتاجر باسمهم في أحايين كثيرة..! .. في كل مكان تجدهم، يجوبون شوارع المدينة ليل نهار، غدوة وريحة, تسول- بيع- مسح- نداءات- ونزاعات من كل نوع, لكن هؤلاء جميعا الذين يعيشون في ظل ظروف صعبة يستحقون الحياة والحلم مثلهم مثل غيرهم من الأطفال. "والدي الذي يعمل حارس عمارة يجبرني على العمل..!" قالها احمد بابتسامة طفولية بريئة، ثم ذهب ليعرض بضاعته على العائلات التي تفترش تحت شجرة وارفة الظلال في احدي الحدائق العامة.. حاولت أن اسحبه للحديث معي لأعرف منه حلمه الذي يطارده في هذه الحياة التي كشرت بأنيابها في وجهة , يقول: إنا ادرس في الصف السادس وعمري 10 سنوات، وكل يوم آتي إلى هنا لا بيع البيض من اجل مساعدة الأسرة.. غاية حلم احمد ان يصبح مهندس كمبيوتر في المستقبل. ويحمل من جانبه رهيب- 12 سنة- سلة (التين) على كتفه الأيمن ويطوف بأماكن تواجد العائلات.. ينادي رهيب بأعلى صوته: "تين.. تين.. تين.. من يشتي تين؟" اقتربت منه فإذا بثلاثة أطفال بمثل عمره يحلقون حولي الأول يبع بيض والثاني آيسكريم والثالث بيده ميزان. سألت رهيب: تدرس؟ • رد بخجل : أيوه صف سادس . • كم تكسب في اليوم ؟ • 200ريال. • تساعد أسرتك ؟ • أيوه. • كم عددهم؟ • 12، أخواني 10 وأمي وأبي • هل والدك يعمل؟ • أيوه. • بماذا تحلم يا رهيب ان تكون في المستقبل ؟ • مهندس سيارات، علشان اكسب فلوس كثير..! أما عبد الخالق– 12 سنة فيقول انه جاء إلى الحديقة لبيع الآيسكريم للعائلات المتواجدة هنا, سألته: • كم تكسب؟ • 250 ريال. • هل تصرفها على نفسك أم على أسرتك؟ • رد بسرعة: على أسرتي .. • هل تلعب في الحديقة ؟ • لا أبيع فقط واروح يحلم عبد الخالق الذي يعود إلى منزله مع غروب الشمس بان يصبح طيارا يحلق في الهواء كما تحلق الطيور متمنيا من الله ان يوفقه لتحقيق حلمه. أما رشاد مهدي بائع الايسكريم - 12 سنة- فيمكن معرفة تواجده بقربك من خلال سماع صوت منبه الايسكريم الذي يضغط عليه بين الحين والأخر , أبوه العامل في القطاع الخاص لا يكفي راتبه لمتطلبات احتياجات الأسرة المكونة من 10 أفراد. وجد رشاد نفسه في مواجهة مع ظروف صعبة مضحيا بآماله وأحلامه وحقه في الحياة واللعب. سالت رشاد: ما هي أحلامك يا رشاد ؟ رد باقتضاب: دكتور. أمين- 13 سنة- بضاعته ليست شرابا ولا طعاما ولا حلويات هي من نوع آخر تماما. (آلة ميزان) .. بعشرة ريال لوزن الشخص الواحد السمين والنحيف.. وبأسلوب جذاب يكسب أمينٍ زبائنه بسرعة فائقة فلديه مهارة وقدرة على الإقناع حتى النساء تجامله في وزن نفسها بميزانه الذي يضعه في أرضية مستوية ويطلق ابتسامته دون ان يكلف نفسه عناء الكلام . أمين الذي يعمل والده في الجيش براتب محدود يقول أن أحلامه التي يتمنى من الله ان يحققها له لو استطاع مواصلة تعليمه هي الانتساب للجيش مثل والده وكما يقال (ابن الوز عوام)!
كوكب– 14 سنة- التي تعمل في مهنة بيع البيض لا تسلم من المضايقات في كل مكان تذهب إليه حتى من أطفال الشوارع أنفسهم الذين يدخلون في منافسة ضد بعضهم البعض أثناء العمل في الحديقة فالسوق لا يرحم احد والرهان فقط على الإحسان والرحمة والشفقة في التعامل مع هؤلاء الذين معظمهم من الأيتام والمشردين وضحايا العنف الأسري والمجتمعي. وكان احدث تقرير حكومي قد أشار إلى ان أطفال الشوارع في اليمن يربون على 30 ألف طفل يتعرض معظمهم لشتى أنواع التحقير والإهانة والاستغلال والحرمان والمتاجرة والاعتداءات الجسدية والنفسية والتحرش الجنسي سواء في المدرسة أو المنزل أو المجتمع. فيما حذر تقرير صادر عن المركز الإخباري التابع للأمم المتحدة من مخاطر شيوع ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن، الذين يُدفعون إلى احتراف مهن هامشية، داعيا إلى إيلاء قضية أطفال الشوارع في اليمن أهمية اكبر , خاصة وأن العديد منهم عرضة لشتى صنوف الاستغلال والمتاجرة والعنف..!