دعا الباحث الفرنسي الإنثروبولوجي المتخصص بالتراث اليمني - جان لاومبير- الجهات المعنية لتبني إستراتيجية وطنية شاملة تبادر إلى جمع وتدوين الثقافة اليمنية وتبني إستراتيجية وطنية للحافظ على التراث الشفوي اليمني غير المكتوب وتدوينه بمنهجية مدروسة، سيما وإنها ثقافة غنية وثرية إلا أنها بقت محدودة الاهتمام. وأشار لامبير إلى إن ما يطرحه في هذا الجانب ليست إستراتيجية بقدر ما هي تكتيك يحتاج إلى مساهمة كل الأطراف التي تدرك أهمية تدوين كل جوانب الثقافة الشفوية، موضحاً أنها تحتوي على معان قيمة أخلاقية وتربوية ساهمت في التنشئة الاجتماعية والتربوية النفسية للفرد، وانه يمكن بها تدارك انجذاب الطفل اليمني إلى كل منتج أجنبي وافد، خاصة في الرسوم المتحركة، ووضع ثقافة تربوية تنطلق من الموروث الثقافي الذي يحمل معان كبيرة للتنشئة والتكوين التربوي. واعتبر لامبير نجاح هذه الإستراتيجية منوط بتفاعل القطاع الحكومي إلى جانب المجتمع المدني وان هذه الأخيرة بدأت تنشط في جمع وتوثيق الكثير من المعطيات الثقافة. وقال لامبير في محاضرة ألقاها صباح اليوم الاثنين بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية: إن التراث الثقافي اليمني يحوي قائمة كبيرة وثرية من التراث المحكي لكنه يتعرض للاندثار والانقراض بسبب عدم الاهتمام بهذا الجانب، مشيراً إلى أن المجالات الغنية بهذه الثقافة متداخلة ومترابطة ببعضها البعض، موضحا أن الغناء يرتبط بمناحي متعددة في الحياة اليومية كالشعر والرقص والأهازيج والمقيل والسمر وبالحكاية والرواية وأن جميعها مجالات خصبة لتحديد معالم أي ثقافة. وعبر لامبير عن خشيته من أن يؤدي التسابق المتسارع على الفن الحديث وعلى المنتجات والمصنفات الفنية العصرية بدوافع تجارية واقتصادية إلى الانفصال عن ذلك الموروث الغني والزاخر. وحول ملامح الإستراتيجية التي يدعو لها، قال المحاضر أنها مشروع يهدف إلى تكوين ذاكرة ثقافية بالوسائل الحديثة المكتوبة والمصورة تبدأ من المسح، فالتقصي والتحقق من كل جوانب الثقافة الشفوية التي تشمل الشعر الزجل، الأمثال، الحكي، أشعار وأقوال الأمومة والطفولة، وكل ما يندرج ضمن الإرث الثقافي الذي يؤطر تلك الذاكرة، ثم وضع قاعدة بيانات تصنيف كل الفنون من غناء وشعر واحجيات ولعب أطفال، مشيراً في هذا السياق إلى انه تمكن منذ أن اشتغل على هذه المسألة من إدراج الغناء الصنعاني ضمن قائمة التراث الفني العالمي في اليونسكو عام 2003م، وانه قام بتوثيق وحفظ 350 لحناً غنائياً صنعانيا وان هذا المشروع يحظى باهتمام دولي باعتباره تراث إنساني يهم كل المجتمعات. يشار إلى إن الباحث جان لامبير كرس اهتمامه على مدار السنوات الماضية على الغناء الصعناني وقام بجهد توثيقي غير مسبوق ويتجه حاليا إلى استكمال مشروعه هذا والاشتغال بمشاريع أوسع تشمل الأشعار والأمثال الشعبية، ألعاب الأطفال التقليدية، والأهازيج والأغاني التي يرددها الأطفال من المهد إلى مراحل متقدمة من سن المراهقة.