هل تريدين شيئاً من الحلمِ؟"إن لك الآن ما تشتهين"فمدى يديكِ"العناقيدُ جاهزة للقطافِ"المروج تموج بما يحمل الطل"ليس سوى حفنة من بكاء لدي"وبعض اشتياق"وعين ترى .. لا تري،"وفؤاد كظيم! هكذا يقول الشاعر فاروق شوشة في قصيدة "وحيد كحبة رمل" التي تضمنها ديوانه الجديد "أحبك حتى البكاء" الصادر أخيراً في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية. تأتى لغة الشاعر في قصائد ديوانه حاملة مزيجاً من لواعج الشوق ومرارة الفراق وأرق الغربة وفرحة الحُلم، ويتحول العشق إلى حالة وجدانية خاصة جداً، إذ يدفع العشقُ العاشق إلى ذرف دموعه، لتصير الدموع هي أغلى كلمات العشق وأصدقها. يقول فاروق شوشة في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان: أحبك حتى البكاء"وأعلم أن الذي بيننا"ليس نزواً"ولا هو محض اشتهاء"ولكن معناه فيك، ومنك"وفى لحظة جمعت تائهين"على رفرف من خيوط السد يم"فكان انجذاب، وكان ارتواء . أهدى فاروق شوشة ديوانه إلى محبو بته قائلاً لها: إلى التي أوصلني حبها إلى الحد الأقصى، فأصبح البكاء فرحاً بزمن قادم . ويشتمل الديوان الذي يقع في مئة واثنتي عشرة صفحة من القطع المتوسط على عشر قصائد هي: لغة، أحبك حتى البكاء، يُتم، ثلاثة وجوه لثلاث نساء، وحيد كحبة رمال، شجون عام جديد، رهان، شبيه الزمان، خدم، كلهم يعرف نفسه. وتبدو لغة العشق في كافة النصوص غير ناحية منحى عادياً، بل إنها هنا تتخذ من البكاء حدها الأقصى الذي يحمل دلالة وبشرى وفرحة بزمان قادم، تصفو فيه عين العاشق حين تخلو مآقيه من الدموع في الزمان الماضي، ويصبح أكثر قدرة واستطاعة على رؤية حاضره ومستقبله بإدراك أكثر وعياً وشفافية وعمقاً، فيترسم خطاه نحو عشقه ومكمن عواطفه في يقين وثقة. إن مفردات الحب والعشق لدى الشاعر فاروق شوشة تتجاوز مستوياتها الدلالية المباشرة، من حيث الاكتفاء بالإعلان عن حالة الوجد واليُتم والوحدة والشجن التي تكتنفه، عبر رحلة التصريح بهذا العشق الذي يملك عليه كل أمره، إلى دلالات أعمق وأبعد في النفس البشرية، حيث تغدو الحالة قيثارة حب تعزف للبشر، وتهتم بهموم البشر كلهم، فيعبر الشاعر بسلاسة من حدود الحالة الفردية الضيقة إلى رحاب الإنسانية الواسعة الباحثة عما يروى ظمأها من نهر الحب الصافي، والساعية سعيا حثيثا إلى أن تترسم آفاق حياتها، في عالم يسوده الوئام والوفاق، لا النفاق والارتزاق، آملة أن يتحول الحب من رهان غير محتمل الحدوث إلى حالة قابلة للوجود. يقول شوشة في قصيدته "ثلاثة وجوه لثلاث نساء": أنت حرفان رائعان"وكنز أنت"فبروزة من النور"ضوأت زماني"فانهل فيض من السحر"ودنيا من البشارات تتري"بالحرفين، عندما امتزجا فاحا"فكانا العبير والصفو والأنس"وكانا البهاء والبِشر والطهر"وكانا حلول نفس بأخرى!"أنت أستاذة الحياة"تتيحين برفق مشاتل لبذور الحب"تسقين نبتها بالحنان السمح"تلقين شوكها بابتسام . والشاعر فاروق شوشة واحد من الشعراء البارزين من جيل الستينيات في حركة الشعر المصري، ولد في قرية الشعراء بمحافظة دمياط في عام 1936، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأتم دراسته في دمياط، ثم التحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها في عام 1956، وتخرج في كلية التربية بجامعة عين شمس في عام 1957. وعمل شوشة مدرساً في عام 1957، ولكنه ترك التدريس والتحق بالإذاعة في عام 1957، وتدرج في عمله الوظيفي حتى أصبح رئيساً للإذاعة في عام 1994. ويعمل حالياً أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأمريكية، وله مقال أسبوعي بصحيفة "الأهرام" المصرية. ومن أهم برامجه الإذاعية برنامج "لغتنا الجميلة" الذي يقدمه منذ عام 1967حتى اليوم، ومن أهم برامجه التليفزيونية برنامج "أمسية ثقافية" الذي يقدمه منذ عام 1977. وهو عضو في لجنتي النصوص بالإذاعة والتليفزيون، وعضو في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو في لجنة المؤلفين والملحنين، وفى اتحاد الكتاب. وقد حصل فاروق شوشة على جائزة الدولة في الشعر في عام 1986، وجائزة حسن فقي، وجائزة الدولة التقديرية، ومن دواوينه: إلى مسافرة "1966"، العيون المحترقة "1972"، لؤلؤة في القلب "1973"، في انتظار ما لا يجيء "1979"، الدائرة المحكمة "1983"، لغة من دم العاشقين "1986"، يقول الدم العربي "1988"، هنئت لك "1992"، سيدة الماء "1995"، وقت لاقتناص الوقت "1997"، وجه أبنوسي "1999"، وغيرها. ومن مؤلفاته الأخرى: لغتنا الجميلة، أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي، أحلى 20 قصيدة حب في الحب الإلهي، العلاج بالشعر، عذابات العمر الجميل "سيرة شعرية".