التاريخ في أحد تعريفاته الممكنة هو دراسة للموتى يقوم بها الأحياء..! ولكن التاريخ في ثقافتنا هو تاريخ موتى يتحكمون بالأحياء..! كلما تذكرنا خيبتنا المعاصرة استحضرنا ماضينا «الزاهر».. أليست حكاية التاجر المفلس الذي يبحث في أوراقه القديمة..! الأمم تدرس تاريخها بعين فاحصة ناقدة بهدف أن تتعلم أجمل ما فيه، وتحاول أن تتجنب تكرار أخطاء الماضي. ونحن أمة لا يتجرأ أحياؤها على نقد أمواتهم..! تاريخنا كما نتخيله ونحلم به ونتلبسه هو ثوب أبيض بلا شوائب. هو بحيرة سحرية فإذا أردنا النهوض فعلينا أن نغرف من تلك البحيرة التي نسميها التاريخ..! هل المشكلة في تاريخ الذين ماتوا، أم في عقلية الأحياء الذين يدرسونهم؟ هل المشكلة في المادة المدروسة أم هي في عقل القارئ ؟! هل التاريخ كائن حي. هل هو طرف في حياتنا المعاصرة أم هو محايد ؟ هل الأمة التي لديها تاريخ طويل زاخر هي أمة تحمل على ظهرها حملا ثقيلا يمنعها من الحركة ؟ أم أن التاريخ الطويل الزاخر هو قوة دافعة للتقدم؟ وكيف نفسر أن أمة بلا تاريخ، بالمعنى الحرفي للكلمة، مثل أميركا، هي دولة عظمى، وأن أمة لها تاريخ طويل مثل اليابان هي دولة عظمى أيضا. وهل ينفعنا في شيء ترديد مقولة إن لنا تاريخا يمتد ثلاثة آلاف سنة ؟ لماذا يعجز التاريخ الذي بنى الأهرام عن بناء عمارة جديدة معاصرة ؟ ولماذا لدينا القدرة لتحطيم المركز التجاري العالمي في نيويورك، والانتحار بطائرات البوينغ العملاقة، وليست لدينا القدرة على بناء طائرة صغيرة..؟! وليس لدينا مركز تجارة عالمي في عواصمنا. عندما كنا صغارا كان المعلم يقول لنا إننا كنا «أمة عظيمة» عندما كانت أوروبا تغط في سبات عميق، وكان يغضب عندما نسأله لماذا صحت أوروبا النائمة. ولماذا نامت أمتنا التي كانت صاحية..؟ هل بنينا صورة متخيلة عظيمة لتاريخنا ووضعناها في متحف في كهف تحت الأرض، وعشنا في ذلك المتحف ومنعنا ذلك الكهف من رؤية فضاء الحياة الرحب ؟ هل منعنا ذلك من معرفة أن هناك فضاءات أرحب، وآفاقا أكثر جمالا، وحياة ملونة مزركشة كألوان أجنحة الفراشات..؟! هل يمنعنا الكهف من رؤية الدنيا. هل يمنعنا الشجر من رؤية الغابة..! لست أدري..!