صوت بكاء اطفاله يدوي في اذنه..زوجته بجانبه تتحدث, يرى شفتيها تتحركان ولكنه لايسمع شيئا, وهو يعرف مسبقا ما ستقوله.. يشعر بحرقة رهييبة في احشائه يعرف جيدا انها من اثر القات الذي يلوكه.. يشعر كأن النيران تحرق صدره.. هو مريض ومريض بشدة.. يعيش في هذه الحجرة هو وزوجته واولاده والجوع, الجوع هو العنوان اليومي لحياته هو وزوجته واولاده.. صراع يومي مرير للبحث عن لقمه لهذه الافواه الجائعة اما قضايا المرض الذي يفتك به وبهم فهي خارج نطاق قدرته تماما ومن الاسهل بالنسبة له ان يتحمل الام المرض على ان يفكر في علاجه.. الفقر يضغط عليه ويسحقه سحقا.. بكاء اطفاله يزيد من مرض صدره وشكوى زوجته من الاف الاشياء يزيد من رغبته في ان يلوك المزيد من القات والام معدته تجعله يصرخ في وجه اطفاله فيزدادوا بكاء.. دوامة يومية رهيبة, يفكر كثيرا وفي الاخير لا يجد الا طريقا واحدا.. يترك بيته ويودع اطفاله وهم يبكون وتودعه زوجته وهي مستمرة في الشكوى.. وبعد اسبوع يصل الى البيت الفقير مبلغ يعتبر ثروة صغيرة بالنسبة للام والاطفال.. وفي الاسبوع التالي يصل مبلغ مماثل.. وفي الاسبوع الثالث تفتح باب بيتها لتجد زوجها عند الباب.. ولكن كجثة هامدة، وصلت مع بقية جثث من كانوا مع الحوثي. يقال ان السياسة تحتوي على الكثير من التجارة وان التجارة تحتاج الى السياسة الا ان السياسة في اليمن في هذه الايام عبارة عن تجارة محضه, القضية قضية تجارة لا اكثر ولا اقل، وان كانت الشعارات والمبادئ والافكار ستزيد من نسبة الربح فبالتأكيد ان كل الفاعلين السياسيين سيطرحون ايدولوجيات كاملة ان كانت ستخدم البزنس وتزيد من رأس المال, الكثيرون يناقشون الافكار السياسية والتيارات السياسية والفكرية السائدة في هذه الايام في اليمن ويبحثون عن حلول سياسية للمشاكل الحاصلة. عن نفسي لم اجد احدا يعبر عن فكره, الجميع يعبر عن مصلحة وليس عن مصلحة شعب بل عن مصلحة شخصية ضيقة. ولم اجد احدا يطرح فكرا لكي يناقش بل هم يطرحون اسهمهم للبيع.. وفي حين ان المفروض ان يكون التفاعل السياسي بغرض ايجاد حلول للمشاكل الكبيرة التي تعاني منها اليمن مثل الفقر والجفاف ونقص الموارد والتعليم والصحة والطاقة والانفجار السكاني الوشيك.. نجد ان التفاعل السياسي يخلق مشاكلا جديدة وينصب في الاخير في البحث عن المزيد من المناصب ونصيب من السيارات المصروفة ونصيب من الكعكة.. وبدلا عن ان يناقش علماء السياسة والسياسيين المخضرمين مشاكل اليمن نجد ان رجال الاعمال هم من تدور حولهم السياسة وبالتالي فان النتيجة هي الخلطة المدمرة بين السياسي والتاجر وكنتيجة اخرى تحول مشاكل اليمن من معضلات يجب ان توجد لها حلول الى شركات تجارية رأس مالها اجنبي وارباحها دم المواطن. هل يهتم حقا السياسيون في اليمن بالحل؟؟ هل حقا هناك لديهم نيه لايجاد مخارج وحلول.. ام انهم يمارسون السياسة من اجل السياسة او بالاصح يمارسون السياسة من اجل البزنس؟ والسؤال الاهم: هل يحلم سياسي يمني بان يرى اليمن في خير حال..؟ هل يحلم بأن يراها مستقرة ولا يكون فيها صوت غير صوت مصلحة اليمنيين, وان يرى فيها خدمات الماء والكهرباء وان يلمس الناس فيها رعاية طبية حقيقية؟ هل يحلم سياسي يمني بان اليمن اصبحت خالية من القات وان فرص العمل توفرت والسياحة ازدهرت؟ هل يحلم اي مسئول يمني ان يتوقف الشباب اليمني عن اعتبار مطار صنعاء الدولي هو المحطة الرئيسية الى الحياة الكريمة..ان تتوقف الهجرة المستمرة منذ ان انفجر السد.. ان تنتهي ايام التشرد ويعود المغترب لحضن بلده, هل يحلم اي مسئول يمني ان يرى اليمن اجمل من المانيا وسويسرا..ام ان حلمه يتلخص في الذهاب الى هناك فقط ؟ مئات الشباب لا يعرفون من الشعار سوى انه راتب جيد و"مصروف", مئات اخرين لا يعرفون عن المظاهرات سوى انها تنفيس لكل الغضب والقهر ولا يعرفون عن الانفصال سوى انه قد يكون فرصة اقتصادية جيدة للاسرة.. مئات الشباب يحلمون بحياة كريمة لاسرهم اكثر الف مرة مما يحلمون بحور العين عندما يلفون حزاما ناسفا حولهم.. مئات الشباب بعثرهم الفقر في كل بقاع الارض ابعدهم عن اليمن بحثا عن فرصة عمل.. الصعوبات بعثرتهم في كل مكان وجعلت الطريق الى المطار هو الطريق الوحيد للخلاص من كل التعقيدات, الغلاء يقودك الى طريق المطار, الاهمال الصحي يقودك الى طريق المطار, الفساد يقودك الى طريق المطار, القهر على وظيفة سبقك اليها شخص له اتصالاته و الغضب من شيخ اغتصب ارضيتك الصغيرة و الرعب مما ستقود اليه سخافات السياسة والسياسيين كل هذا يقود الى طريق المطار. الفقر هو السياسي الحقيقي في اليمن، وعليكم ان تعترفوا انه الحزب الاول وهو من يدير كل المشاكل السياسية في اليمن، وهو من يسبب المشاكل والحروب، وهو من يوفر وقودها من لحم ودم اليمنيين.. الفقر هو الاحتقان السياسي، وهو الشباب الذين احبطوا في انتظار الدرجة من الخدمة المدنية والشباب الذي اصابه القهر والغضب عندما رفض في كل شركة خاصة للحصول على وظيفة بسبب عدم اجادته للغة الانجليزية وهي اللغة التي لم تدرسها له الدولة اصلا بالشكل المطلوب هؤلاء الشباب هم من دق الفقر ابواب بيوتهم واخرجهم منها ليقذف بهم في ساحات الحرب والجريمة والضياع. كل الخلاقات.. وكل المشاكل.. وكل التفاعلات.. لا تدور حول سياسة ولا فكر.. لا تدور حول من مع اليمن ومن ضدها.. ولا تدور حول ايجاد حلول لكوارث طبيعية وغير طبيعية نواجهها وستواجهها الاجيال القادمة.. كل الخلافات تدور حول من اراد ان يحصل على المال فامتهن السياسة.. كل الخلافات تلخصها العبارة الحكيمة التالي: "ما اختلف المسلمون في ربهم ولا في دينهم ولا في قرآنهم .. وانما اختلفوا على الدينار والدرهم..." [email protected]