بين الإدعاء والممارسة، مسافات صحراوية كبيرة، لا يغطيها إلا من آمن بقضية مصيرية تصب في صالح الوطن استراتيجياً، وليس في صالح خطاب آني، أو مزاد مؤقت. للأسف أفرزت لنا الأحداث المتوالية الأخيرة من أساءوا استخدام الديمقراطية بانتهازية لتحقيق مآرب صغيرة، أو منافع مادية اصغر، ومارسوا الاغتصاب على كل ما هو مبدأ وحرية وديمقراطية، ووصل بهم الحال إلى أن جردوا الوطن من قيمه وتاريخه وتجربته، هؤلاء أنتجوا فكرا ً سياسيا ً متطرفا في الساحة اليمنية بدأ يملأ الفراغ الهائل في ساحة الفكر السياسي المتزن يريدون به أن يعيدوا اليمن مرة أخرى إلى قبضة التسلط والاستبداد والوصاية الفكرية والسياسية والشعارات الفضفاضة– وأحيانا المثالية والخيالية- والمعارك الطائشة التي تضر بمصالحنا الوطنية العليا ولنجد قوى متطرفة ومتعسفة مجتمعه تبحر بالوطن في بحار المغامرات والأوهام الطوباوية والمشاريع الفردية والبطولات الوهمية بعيدا ً عن بر العقل وبر الاتزان بل وبعيدا ً عن بر الوطن وبر الأمان!!؟؟ بل ان هذا الفكر وصل إلى حالة من الإفلاس الحقيقي الواضح والفاضح على الرغم من أن أصحابه وحماته ورعاته لا يزالون يكابروا ويرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة الكبيرة الواضحة. ان مخاطر الاندفاعات غير المحسوبة التي تقود هؤلاء بقصد أو بدون قصد، إلى التصرف خارج نطاق المسؤولية عبر الانقياد لأهوائهم الضارة، أكان ذلك عن طريق الخطاب المأزوم الذي يثير الفرقة وبواعث القلق والاحتقان، ويعمل على تسميم أجواء الأمن والاستقرار أو من خلال اللجوء إلى أساليب المناكفة والمكايدات السياسية والحزبية، واستغلال مناخات الديمقراطية في مغالطة الحقائق والتحريض على ثقافة الكراهيه،والخروج عن الدستور والقانون دون إدراك للعواقب الوخيمة المترتبة على مثل هذه الممارسات، والتي يتسلل منها ذلك المرض الخبيث والمدمر والمتمثل بثقافة الكراهية إلى النفوس، فيحجب عنها الصواب ومنطق العقل والرؤية المتبصرة وطابع الاتزان والتوازن ليحل بدلا عن كل ذلك الأوهام والهواجس وسوء الظن ونوازع التعصب التي تتولد عنها الضغائن والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد. إن الإسفاف والإسقاط بقدر ما هما سفاهات وتفاهات مؤلمة بقدر ما يكون اللجوء إليهما أساليب نمامة ومخزية تنزل صاحبها منازل الجبناء من ضعاف النفوس الذين تنقصهم شجاعة المحارب وإرادته ورجولته.. لكن المشكلة تكمن في ممارسة أولئك المعتدين الذين يستبدلون رحمة الاختلاف بلعنة الكراهية والحقد من الذين يصفهم البعض بالمتطفلين على الحرية والديمقراطية، الذين يقدمون ما لديهم من الأهواء والرغبات والمصالح الأنانية اللا مشروعة على المصالح المشروعة للأمة، فيحاولون الاصطياد في المياه الفوارة. أن تبنى ديمقراطية بأهداف واضحة كالشمس، أمر ليس سهلاً في تفاعله مع الواقع والإنسان. لكن ان تذكر بعدميته أو إعدامه في إدراج أصحاب ثقافة الفراغ الكبير، واجب مطلوب. ولن نسمح في مخاض التجربة ان تستبيح الإنتهازية الحكاية ليفلت زمام الأمور ونعود لنقطة الصفر؟ طبعا لا لإنه الوطن الذي يحبه أبناءه، وليس وطن الذين يتاجرون به برغبات فردية منمقة، وتكتيكاً نمطياً أكثر من معقد. إنه الوطن الجميل، وليس مزرعة مصالح الغرباء أو أصحاب الجيوب الفارغة الباحثين عن الارتزاق فقط. إنه الوطن ..أن حب الوطن من الإيمان ، والذود عنه من أعلى مراتب الشرف والإباء. فبينما الوطن الجريح يترنح من أزمة إلى أخرى نرى من يصر على لعب دور الدناءة في أقبح صورها وأكثرها بشاعة ، مستمتعين بالرقص على جراح الوطن وآلامه، منتقصين من الشرفاء والمدافعين عن حياضه.. وهذا يذكرني بقصة عجيبة إذا ما أسقطناها على الكثيرين من أصحاب النفوس المسمومة الذين يمتطون صهوة الخيانة متقيئين غثائهم العفن في وجوهنا كل يوم، لاتضحت صورتهم الحقيقية وانكشفت بشاعتها في أسوء معانيها وامسخ أطوراها.. تقول القصة: التقى ثلاثة رجال من أدنئ الناس, وأخذوا يتفاخرون بدناءتهم, ويختلفون على أياً منهم هو أقذر وأدنئ من الآخر!!! فقرروا عمل مسابقة، وإذ بامرأة تمر من أمامهم، وتكاد تسقط من تعبها ومن جور الزمان عليها... فانتهز الدنئ الأول الفرصة ليثبت انه أقذر من عليها.. فذهب إلى تلك المرأة ورماها أرضاً وضربها ضرباً مبرحاً حتى أدماها!!!! ووقف بفخر، يطلب من رفيقيه الاعتراف بأنه أقذرهم وادنئهم... فما لبث الآخر إلا أن ذهب إلى المرأة وجردها من كل ثيابها, وتركها عارية كما خلقها الله!! بينما وقف الثالث يصيح ويصفق بحرارة لصاحبيه ثم قال لهما أن صياحي وتصفيقي لكما لهو أحقر وأقذر وأدنىء من فعلتيكما، فهذه المرأة هي أمي!!!!!!!!!!!!! أن الوطن اليوم يكاد أن يكون كهذه المرأة المثخنة بالجراح، وقد أسقطها الهرم وجار عليها الزمن، وأسوأ الدناءة من أبنائه هم أولئك الذين ارتضوا أن يلعبوا دور المصفقين، الصائحين، المبررين، لكل من يسلخ في جسد هذا الوطن.