لا توجد مدينة في اليمن أو في غير اليمن إلا وفيها شوارع رئيسية وأخرى فرعية تسهل حركة الناس وتنقلاتهم، وقد لا يبعد الشارع الفرعي عن الآخر أكثر من مائتين إلى ثلاثمائة متراً تقريبا، إلا إن الحال في مدينة "دمت" مختلف تماما.. فهذه الحسناء المستلقية على أكتاف فوهات البراكين لم يعد لليمن منها غير اسمها، فيما كل شيء آخر صادرته طواغير الفساد..! فهل سمعتم بجبل بركاني يفور بالمياه الكبريتية الساخنة يؤجر بمائة ألف ريال سنوياً، ولمدة (15) عاماً..!؟ ابتسم فأنت في "دمت"- مدينة السياحة، والبراكين، ومنتجع الاستشفاء بالمياه الكبريتية.. "دمت" التي يتشاطر كل ما فيها رجلان فقط..! مدينة دمت التي تمتص اكبر قدر من البطالة من بين المدن اليمنية الثانوية، هي المدينة التي تسير فيها النهضة العمرانية سيراً جنونياً، وتكثر فيها أعمال التجارة بشكل كبير.. وهي المدينة السياحية العلاجية الأولى في اليمن ان لم يكن في الشرق الأوسط - حسب بعض الباحثين- ونتيجة لحيويتها وموقعها المتوسط كثر فيها البناء والعمران وتسابق على أراضيها الكثيرين من مسئولين وتجار ونافذين ومستثمرين ومغتربين ومعظمهم ليسوا من أبناء المديرية.. فهذه الجنة أربابها الأثرياء، وأهلها الأشقياء..! النهضة العمرانية في مدينة "حمام دمت"، أشعلت أسواق العقارات.. فقد وصلت أسعار الأراضي فيها إلى أرقام خيالية قد توازي أسعار الأراضي في بعض العواصم الأوروبية- إن لم تزيد- خاصة إذا علمنا أن سعر الذراع الواحد في بعض المواقع قد يزيد على خمسة آلاف دولار أمريكي، علماً أن الذراع يعادل (45) سنتمتراً تقريبا. لما سبق وغيره تهافت مسئولوها على بيع أراضي الدولة، وباع الكثير من المواطنين أراضيهم، وأصبح ملاك الأراضي أثرى الأثرياء بين عشية وضحاها، بل أن بعضهم ومن شدة طمعه يبيع الأرض الواحدة لأكثر من شخص غير مبالٍ لما يحدث غداً .. وفي الآونة الأخيرة أصبحت السلطة المحلية تعجز حتى عن إيجاد قطعة أرض لبناء مدرسة أو مستشفى أو غير ذلك من المصالح العامة، الأمر الذي انعكس سلباً في حرمان "دمت" من المشاريع، وبات أبناؤها يكابدون..! المسئولون في المكاتب التنفيذية لم يترددوا لحظة في انتهاز الفرصة الذهبية للثراء، فبادروا إلى السطو على الشوارع، ومن ثم إغلاقها، وتحويلها إلى أراضي تعرض في المزادات، فتصرفوا فيها، وتحول الكثير من المسئولين إلى سماسرة أراضي بتنسيق مع أشخاص يحترفون لعبة النهب والسطو.. فوظيفتهم هي تحرير أراضي الدولة من أيدي الدولة، وتحويلها ملك شخصي، وما عليك أيها المسئول "الأمين" سوى استكمال إجراءات التوثيق الروتينية، ومن ثم لك أن تبيعها لمن شئت.. فأنى نقلت وجهك تجد سمساراً، ولصاً محترفاً، وأحد سرطانات الشبكة العنكبوتية لناهبي أراضي الدولة الذين أصبحوا كما عصابات المافيا الايطالية.. تتوزع الأدوار بين مسئول يغير في المخططات، وآخر يجيز ما فعله الذي قبله، وثالث يمنح رخصة البناء، ورابع يشتري من المالك الوهمي شراءً صورياً حتى تتثبت الأرض، وخامس يفرض نفسه كوسيط، وفرقة أخرى من السعاة، وفي الأخير تكتشف أنهم جميعاً فرقة واحدة، فيما الضحية هو المالك الأصلي والدولة المغلوبة على أمرها التي لم يبرّ بها أبنائها..! ليس شارع، ولا اثنان، ولا ثلاثة، هي التي جرى بيعها في دمت، بل أن دمت بكاملها جرى بيعها، والسعاة من أبنائها، والضحية أجيال قادمة لن تجد متراً تشيد عليه روضة أطفال، أو مركز إسعافي.. آخر تلك المهازل هي محاولات الالتفاف على الشارع المسمى (24)، وهو المنفذ الوحيد في مسافة بنيان متلاصق تصل إلى ألف متر تقريبا، وقد حضرت "نبأ نيوز" الواقعة، وصورت الحدث، واكتشفت أن المخطط الرسمي يقول: "أن هذا شارع بعرض 24 ومسقط على المخطط رسميا"، مما دفع المجلس المحلي وبدعوة من كتلة المؤتمر إلى طلب إحضار المخطط، وإصدار قرار نهائي بشأن الشارع، وخاصة وان تسريبات تقول أن هناك استهداف له . تم إحضار المخطط بمعية مدير الإسكان، وأُقر أمام المجلس بان هذا شارع 24، وأكد ذلك للمجلس، فقام المجلس بدوره بإقرار ذلك رسميا وإدراجه ضمن قرارات وتوصيات المجلس في اجتماعه الاعتيادي الأول لعام 2010م.. وبعد أن تم ذلك اتضح أن مدعي الملكية المدعو "جحيش" قد باع ل"الاسدي" رغم علمه بأنه حسب المخطط شارع ظناً منه أن "الاسدي" قد يستطيع يخارج الأمور أكثر منه لأنه مواطن مسكين، إلا أن الاسدي وعند شعوره بالخطر قام بالبيع لتاجر ذهب يدعى "الخطيب" بمبلغ 24 مليون ريال- علمت "نبأ نيوز" أن منها ستة مليون موزعة بين السعاة، وأكد جحيش أن بينهم أعضاء في المجلس المحلي عندما غضب وصاح في وجهنا "ما يصلحش يشلوا حقهم ويقرروا انه شارع"، وهذا كلام واضح إلا أن كتلة الحزب الحاكم أثبتت عيانا أن لا احد منها له علاقة بذلك لان مدعي الملكية قد صرح بالأسماء- ونحتفظ بذلك كخصوصية من حق الموقع. مدعي الملكية بعد أن شعر بالجدية تحول للمطالبة بأن يكون الشارع 12 بدلا من 24 إلا أن المجلس مصر على أن يكون الشارع 24 كما هو في المخطط.. ملاسنات كلامية حدثت أمامنا اعترف فيها احد المسئولين على شكل مماحكات لعضو محلي المحافظة "مثنى الوقزة" بأنه اخذ مقابل التنازل عن الشارع، بعد أن اتهمه "الوقزة" وبنبرة حادة بأنه سارق. ما لم يكن يتوقعه مدير الإسكان "علي الدمتي" هو أن يحضر "الاسدي" ترخيص رسمي موثق بالبناء على نفس الأرض، صادر من مكتب الإسكان بدمت عن طريق المدير الذي كان قبله "طاهر عباد".. ورغم أن مثل هذه التراخيص فيها إجراءات قانونية تنقضها ومطبوعة رسميا من الجهات العليا على ظهر أي ترخيص تقول: "أن للسلطة المحلية حق سحب أو إلغاء هذا الترخيص إذا دعت المصلحة العامة ذلك"، ولكن كيف أصدرت جهة رسمية ترخيص في حين أنها تملك أصل المخطط الذي يؤكد أن الأرض هي شارع رسمي..!؟ هذا ما ظلّ سراً لحد الآن. المجلس المحلي وبحسب الجدية التي رأيناها من الأعضاء "محمد مقبل الصيادي" و"احمد الخطيب" و"هشام الغرباني" و"عبده طاهر الميدمة" عضو الهيئة الإدارية بالاشتراكي، والذي اتصل بنا من صنعاء ليؤكد لنا موقفه بأنه مع سريان المخطط باعتبار الأرض شارع ولم يكن اقل حماسا من سواه، وكذلك أمين عام المجلس "عبد الاله النجار"، الذي أكد أيضا سريان المخطط وبقاء الشارع.. ومن خلال التواصل مع أربعة آخرين من أعضاء المجلس تبين لنا أنهم مع المخطط، وان الخطيب والغرباني والصيادي يعبرون بلسانهم، وأثمر تواصلنا بان أغلبية المجلس مع سير الشارع. بعد كل ما ذكر فان الكرة أصبحت في ملعب المجلس المحلي ليثبت ما إذا كان يعنيه أمر الشارع أو أن الأمر مجرد ثورة غضب لان البائع لم يضمهم إلى قائمة السعاة ليحصل كل منهم على حقه.. وما سيكون دور المحافظة خاصة بعد ما أبداه عضو محلي المحافظة مثنى الوقزة من تشدد واضح حول ضرورة سير المخطط وبقاء الشارع..
ونظل نحن كغيرنا نترقب من الأقوى سلطة المال أو سلطة القانون في مدينة استطاع المال فيها أن يجرد القانون من ملابسه، وان يقاعد شباب من وظائفهم، وان يعين مسئولين، ويقصي آخرين، وان يسد شوارع، وان يرفع من هم في الحضيض على حساب من ألفوا الرفعة..!