عفا الرئيس في بيانه السياسي الأخير عن المحتجزين من متمردي صعدة، ومشاغبي الحراك، وأسقط التهم والأحكام في صبيحة اليوم التالي عن الصحفيين المحكومين أو من هم في طور المحاكمة في ما يتعلق بالحق العام. وسمعنا الكثير من القبول والقليل من الرفض لهذه الخطوة، فرأى فيها البعض تسامحاً وتسامياً كبيرين، ورأى فيها البعض سذاجة وطيبة زائدتين. وأنا أجزم هنا أن الرأي في هذا الموضوع هو رأي واحد لا ثاني له، وقد عبر عنه الشاعر المبدع أبو الطيب المتنبي ببيتين قلة من يعرفون أولهما، بينما انتشر الثاني بشدة بين الناس حتى كاد أن يصير مثلاً سائداً، إلا أن البيت الأول يوضح المعنى بشكل أدق، والبيتان هما: وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا هذا هو الرأي الذي لا يقبل النقاش في معناه وإنما النقاش يكون في تعريف من عفا عنهم فخامة الرئيس، هل هم (الأحرار) الذين يحفظون اليد فتملكهم، أم هم من اللئام المتمردين؟ سأتناول بادئ ذي بدء العفو عن الصحفيين، فهم كما يقولون في علم الحديث (متفق عليهم) إلا أن في عفو الرئيس عنهم نقطة بالغة الأهمية احترمت فيها رأي الرئيس، حيث تم إسقاط الحق العام في تهم الصحفيين، فالرئيس لا يملك الحق في إسقاط التهم التي تتناول الحق الخاص وهذا أمر بيد المدعي فقط، إلا أن المدعي إذا كان مسؤولا أو فلنقل بشكل أوضح (محافظاً) فلا شك أن فخامة الرئيس سيطلب منه إسقاط التهمة والتنازل عن حقه. أما بالنسبة لمحتجزي الحراك، فهم 3 أنواع، فمنهم (المؤمن بعدالة قضيته) وهؤلاء قلة وهم من محدودي التفكير، إذ أن كل ذي عقل لا شك سيكون معهم في رفع الظلم، وإعادة الحقوق، ونشر الأمن والعدل، أما أن يطالبوا بالانفصال فهذا هو الجنون بعينه. أما النوع الثاني، فهم لا يرغبون بالانفصال حقاً، لكنهم وجدوا في تأييدهم للانفصال الطريقة الوحيدة لإعلان رفضهم للظلم وسوء المعيشة، وهؤلاء سيقدرون عفو الرئيس شريطة أن يرتبط ذلك بإصلاحات حقيقية لا يحتاج الرئيس لمن يوضحها له. أما النوع الثالث فهو الأشد خطورة، فهذا نوع مرتزق أصبحت المطالبة بالنسبة له (لقمة عيش)، يستفيد منها مادياً عبر الدعم المالي من بعض الدول (الحقيرة) وبعض رجال الأعمال، وهؤلاء لن يتراجعوا عما يطالبون به ليس لإيمانهم بما يطالبون ولكن لأن (المخرج عاوز كده). أما بالنسبة لمتمردي صعدة، فالعفو عنهم الآن جريمة كبرى، لأن معظم هؤلاء عقائديون، يؤمنون بما يقاتلون من أجله صواباً كان أم خطأ، ضلالاً كان أم هدىًً، حقيقة كان أم زيفاً، حقاً كان أم باطلاً، فهم ليسوا (أحراراً) كما قال المتنبي بل هم عبيد أفكار ظلامية كهنوتية، وتذكر يا فخامة الرئيس أن من عفوت عنهم من متمردي صعدة اليوم سيكونون في الصفوف القتالية الأولى غداً، وكان الأحرى العفو عنهم بعد مدة من الزمن وبعد أن تتم توعيتهم دينياً لأن في عقولهم أفكار شيطانية غريبة لا يقبلها الله ولا رسوله ومن السهل مسح هذه الأفكار من عقولهم بالحوار، على العكس من متشددي القاعدة، فإذا كان هنالك من يدعي بأن الحوار مع متطرفي القاعدة آتى أكله، فهؤلاء أولى بالحوار منهم، وإلا فهم قنابل موقوتة تنتظر الزمن المناسب. إن العفو والتسامح لا شك من شيم الكرام إلا أن تقديم العفو عند الحاجة إلى القوة خطأ، كما أن استخدام القوة عند الحاجة إلى العفو خطأ، واختم ببيت للمتنبي من نفس القصيدة التي بدأت فيها إذ يقول: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر، كوضع السيف في موضع الندى [email protected]