ليس ثمة ما يحد من انتشار جلسات «القات» في المجتمع السعودي سوى أنه مادة محظورة تدخل صحياً وأمنياً في قائمة «المخدر». التواصل الحميمي بين الأصدقاء وأجواء النشوة التي يخلفها مضغ «القات» أفسحا الطريق لاتساع رقعة المتعاطين في السعودية، خصوصاً في مناطق الجنوب الساحلي والحجاز التي أسهم أبناؤها ممن عايشوا ثقافة اجتماعية متقاربة مع المجتمع اليمني في هذا الاكتساح «القاتي». السعودي (م ح 55 عاماً) الذي يسكن محافظة جدة أحد المهمومين ب «القات» وجلساته منذ أكثر من 20 عاماً، كانت بداية علاقته بالقات من طريق صديق ينتمي في الأصل إلى منطقة جازان، ويقول «جلست معه أول جلسة «تخزين» وكانت الجلسة رائعة وحميمية للغاية, ومع الوقت وجدت نفسي واحداً من أهم أعضاء تلك الجلسة وصديقاً للقات». ويعترف هذا الرجل الذي تعود جذوره إلى قبيلة بدوية من قبائل الحجاز لا ترتبط بأي ثقافة مع اليمن أو الساحل, أن جلسات القات مكلفة ومضيعة للوقت كونها ترتبط بموعد شبه يومي لا يتغير، ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي عشقه لهذه النبتة «السحرية»، وقدرتها على التأثير في مزاجه اليومي، بما يمكنه من ممارسة طقوسه وهواياته المحببة بكل هدوء. ويؤكد أن جلسات القات الجداوية التي يحرص على حضورها عادةً ما تجمع نخبة من المثقفين والأدباء السعوديين واليمنيين ممن يثرون الجلسة بقراءة النصوص والأشعار والغناء، وتجاذب أطراف الحديث عن الهموم الأدبية والإنسانية لساعات طويلة، مشيراً إلى أن خبرته الممتدة في هذا الشأن خرجت به والكثير من رفقاء القات في السعودية إلى قناعة تؤكد أن «تعاطي القات عادة أكثر منه إدماناً»، ويستشهد بأسفاره المتتابعة وبقائه خارج البلاد لأشهر من دون التفكير في «قوت القلوب» بحسب وصفه للقات. وحول أنواع القات المتسرب إلى جدة يقول «توجد أنواع عدة متوافرة في مناطق الحجاز كالمراني، والشامي، وأبو كلاب، وبقمة، وشماخ، وأبو جفرة وهذه الأنواع مشهورة عند أبناء منطقة جازان, إلا أن الأكثر شهرة والأفضل نوعية هو «الفقاري» الذي يجلب من جبال فيفا, وهو مثير جنسياً خصوصاً عندما يكون طازجاً, ويعتبر من أغلى أنواع القات، إذ يصل سعر «القرف» منه خارج مناطق زراعته إلى ألف ريال»، ويشير إلى أن»القرف» يحتوي على لفافتين من هذه النبتة بحجم ربطة البقدونس. ويصطلح متعاطو القات في اليمن والمناطق الحدودية السعودية على تسمية جلسة القات للرجال ب»المقيل», ولا يقتصر تخزين القات على الفئة الذكورية فالنساء لهن نصيب أيضاً، وتأخذ جلساتهن لهذا الغرض مسمى «التفريطة». «القات» كظاهرة يمنية اجتاحت عدداً من دول الجوار، وهو نبات معروف ينمو على مرتفعات بعض المناطق في اليمن والحبشة والصومال، ويزرع في شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية, وتعرف أوراقه برائحتها العطرة. وأدرجت منظمة الصحة العالمية هذه النبتة ضمن قائمة المواد المخدرة منذ عام 1973م بعدما أثبتت الأبحاث احتواءه على مادتي «كاثنيون» و»امفيتامين» التي ترسل الإشارات الكيماوية للدماغ لتثيره، ويشعر المتعاطون له بنوع من النشوة والنشاط والحماس. ومن أهم تأثيرات القات على جسم الإنسان تنشيط الجهاز العصبي، وما يصاحبه من شعور بتحسن المزاج وارتفاع القدرة البدنية, إلى جانب عمله على إبطاء نشاط الأمعاء وفتح الشهية للأكل. ولكن المهتمين بالصحة يحذرون من آثاره الجانبية التي يمكن حصرها في حالات الشرود الذهني والتوتر والقلق التي تنتاب المتعاطي على المدى البعيد, إلى جانب أضراره الفسيولوجية كصعوبة التبول والإفرازات المنوية اللاإرادية حتى أثناء المضغ, وتأثيره على البروستات والحويصلة المنوية وما قد يخلف من احتقان وتقلص, إلى جانب تأثيره في زيادة نسبة السكر في الدم ما يجعل متعاطي القات أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري. ولم يكتف أبناء اليمن بتصدير هذه الثقافة إلى البلاد العربية, فبريطانيا التي تعج بنسبة كبيرة من المهاجرين العرب والأفارقة تدرس حالياً قرار منع دخول القات إلى أراضيها ومعاقبة مروجيه، بعد أن وجد طريقه إلى شارع «ادجوار رود» اللندني كسلعة تتداولها هذه الجاليات يومياً وفي العلن. .............................. الحياة