من تقاليد الابتدائية والإعدادية أن يكتب على «السبورة» كل صباح ما سميناه حكمة اليوم... لعل جميع الذين أتيح لهم فرصة هذا التقليد يتذكر أن أكثر حكم الأيام تلك تكراراً «من جد وجد» ولا يقل عنها تكرراً «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»... لكن من «حكمة اليوم» التي لا أنساها وربما كتبها مراهق عاشق حكمة تقول «ليس معنى أن يحب شخصان بعضهما أن ينظرا معاً في الاتجاه نفسه» ووقتها كتبناها على دفاترنا قبل أن تمسح خوفاً من عصا «الأستاذ»!!. هذه مقدمة تشويقية للسؤال عن علاقة الحكمة والحكومة: وتعالوا نسمع الإجابة من الأصمعي الذي يقول إن أصل الحكومة «رد الرجل عن الظلم» ومنه وحسب الأصمعي أيضاً سميت حكمة اللجام لأنها ترد الدابة... وحُكمت الدابة أي منعت أن تضل. أما الحكمة ففيها كلام آخر: فحسب لسان العرب الحكمة معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم وثمة من يعرّف الحكمة بأنها فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي. ولعل من أكثر الأشياء التي نحتاج إليها «حكمة اليوم» لقضايا كثيرة في حياتنا اليومية...لكن ما قد يكون صالحاً وصحيحاً لحكمة اليوم قد لا يصلح الآن ...وبالتالي الحكيم من يستطيع أن يصل إلى حكمة الغد. وما يثير الدهشة أن الصعوبة تكمن في التوصل إلى حكمة الآخرين أو الاعتراف بها إذ إننا سنجد أنفسنا أمام معضلة «من الحكيم فينا» فمن يراه عمر حكيماً قد يراه زيد غير حكيم!! كما أننا ونحن نذهب في طرق الحكمة لا بد أن نجد كثيراً من الحكماء الذين قدموا حكمهم للعالم بينما وقفوا أمام مصائرهم عاجزين ولنا في سقراط مثال جيد فقد سئل سقراط لماذا اختير أحكم حكماء اليونان فقال: لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف... فهذا الحكيم لم تسعفه حكمته حتى في اختيار زوجة تسفح عليه دلو الغسيل كلما رأته جالساً ليكتفي برد طريف لمن حوله.... أرعدت ثم أمطرت!! وفيما يقول السيد المسيح عليه السلام الحكمة نور في كل قلب يضع أفلاطون الحكمة على رأس الفضائل الأربع «الحكمة- العدالة- الشجاعة- الاعتدال». وأختم بهذه القصة عن نمر وذئب وثعلب خرجت للصيد فحصلت على أرنب وغزال وحصان فقال الذئب: الغزال لي، والحصان للنمر والأرنب للثعلب فرد عليه النمر بضربة أطارت رأسه، فتطوع الثعلب بقسمة أكثر عدلاً فقال: الأرنب لفطورك سيدي... والغزال لغدائك أما الحصان فلعشائك فقال النمر: أحسنت من أين تعلمت الحكمة؟ قال: من رأس الذئب!! آخر الكلام... بعد كل هذا... فما علاقة الحكومة بالحكمة؟! حسب دروس سقراط، لا أعرف!!