ألقى الأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، ورئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير المملكة العربية السعودية سابقاً لدى المتحدتين، المملكة البريطانية ثم الولاياتالمتحدة الأميركية، محاضرة في جامعة هارفارد بالولاياتالمتحدة الأميركية تناولت إحدى فقراتها الشأن اليمني، فتداولته بعض وسائل الإعلام الدولي وتناقلته وسائل إعلام عربية ثم تلقفته وسائل محلية، أبرزت تعليقات ساخنة لبعض القراء اليمنيين سابقة لصدور استغراب مصدر يمني مسؤول من تعبيرات الأمير عن أحوال اليمن: تنامي نفوذ القاعدة، وحالة تمزق، وعدم استقرار الوضع يمثل تهديداً لأمن المملكة، وأن المملكة تقدم ما بوسعها لمساعدة اليمن، وحماية نفسها أيضاً. قد يجوز القول إن ما ورد في محاضرة رئيس مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية في الوسط الأكاديمي الأميركي أفاد أكثر مما ضر -بقصد أو بغيره- إذ أسدى خدمة غير مباشرة لليمن بتسليط الضوء على تنامي نفوذ القاعدة، ما يحتاج دعماً للحد منه، ومساعدة السعودية لليمن ما يتطلب تضافر جهود مساعدة دولية مسانِدة لجهود اليمن الذاتية. وتشاء الصدفة أن يصدر بالأمس القريب في أعقاب تلك المحاضرة عن مسؤولين بالجيش الأميركي تصريح أن القاعدة في اليمن خطر على أميركا، مع إشارات سابقة متكررة بشأن مساعدة اليمن لمواجهة الإرهاب بدون تدخل مباشر، ما يعزز اتجاه دعم استقلال البلد قبل استقراره. لذا لا تصب تصريحات "ابن الفيصل" في خانة حزازات نفوس، أو عقد جديدة أو حساسيات قديمة أو نظرة ساخطة كما يحلو التفسير والقراءة لدى بعض المجتهدين، بل في خانة التعبير عن وجهة نظره الشخصية لا عن موقف المملكة حسب المصدر اليمني المسؤول، فأجاز تناوله لشأني اليمن والقاعدة أن يقول فيه معتقداً بصواب ما يقوله، وإن ظل "أسلوب التناول والتعاطي نابعاً من (أو محكوماً ب) تراث عملي معين" كما نوه في الجزء الثاني من حواره مع تركي الدخيل ببرنامج إضاءات قناة العربية: 26 أكتوبر – تشرين أول 2005م، عن ما تخلل عمله السابق: "كرئيس للاستخبارات كان يجب أن أكون أوعى مما كنت في ذلك الحين بما يحدق بنا من مخاطر"، وأرجع هذا الأمر إلى "أسلوب تعامل نابع من تراث عملي معين"!. فهو، وكل المحيط السعودي الشقيق، يعي تماماً من تراث العمل ومعطيات الواقع أن الإرهاب المُهَدِّد للسعودية مهدِّدٌ اليمن أيضاً من حيثما انطلق أو نبع أو تسلل ماضياً وحاضراً، ولئن تبرأ أحد من مسؤولية نشوء أي خطر هنا أو هناك فلا يتبرأ أحد من المشاركة في تحمل جزء من المسؤولية الجماعية لصد هذا الخطر ومنع تفشيه. فالإرهاب هم مشترك وخطر مشترك، "وما أمسى بجارك أصبح بدارك"، فلا ينبغي السير في اتجاه تأمين منفصل لجهة ما، وترك الجهة الأخرى في العراء، وإلا لما ساعدت المملكة العربية السعودية الجمهورية اليمنية كما أشار الأمير بنفسه، بإثارته المباشرة للمسألة اليمنية وأوحى بشكل غير مباشر إلى الأصدقاء بضرورة المساعدة. مساعدة اليمن ضرورية لإجلاء الجوانب المضيئة من صورته العامة لا الجوانب السوداوية، لا سيما ومعاناته تلتقي عند هذه النقطة مع معاناة جاره الشقيق السعودي من تضخيم الإعلام الغربي وتوقفه عند الحالات الإرهابية السعودية، وتغييبه لجهود إبطالها!. اليمن والسعودية في هم الارهاب شرق، كما يقال، والتعليق والقراءة بعيني (ولسان) السخط والرضا، لا تلبي إلحاح الحاجة إلى الطرح العقلاني والواقعي ومن ثم هدوء وتبصر القراءة والتحليل بحيث يمكن الإنصاف والموضوعية. [email protected]