- بقلم: لؤي يحيى عبد الرحمن الارياني - كان في إحدى الغابات نمر مستبد وكان يخرج كل شروره على خيل مسكين لا حول له ولا قوة, كان يسأله في كل مرة يراه: أين أضعت الكوفية؟ وعندما لا يعرف الخيل بماذا يجيب وعن أي كوفية يتكلم يقوم النمر بضربه بكل وحشية, وعندما كثر حديث أهل الغابة عن اضطهاد النمر وعن قصة الكوفية الغير مفهومة كمبرر لضرب الثعلب ذهب الثعلب إلى النمر ونصحه بأن يأتي بسبب منطقي لضرب الخيل كأن يطلب منه إن يأتي له بتفاح فأن احضر له تفاح احمر ضربه وقال له انه يريد الأصفر وان احضر اصفر ضربه وقال انه يريد الأحمر, اقتنع النمر بنصيحة الثعلب واحضر في طلب الخيل وعندما مثل أمامه قال له النمر اذهب لتحضر لي تفاحا فسأله الخيل فورا: احمر أم اصفر؟ فما كان من النمر إلا إن قام وصاح به بغضب وهو يلطمه : أين أضعت الكوفية؟؟!! و كما ترون فمهما فعل الخيل ومهما تعاون مع النمر فأن النمر سيجد المبرر حتى وان كان غير منطقي للنيل من الخيل. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحسن دائما إيجاد المبررات لتدخلاتها وبسط نفوذها على الدول الاخرى وتحقيق أهدافها ومهما كانت تلك المبررات تبدو نبيلة ومنطقية إلا أنها تضل مجرد مبررات ليس لها أي قيمة لدى إدارة الولاياتالمتحدة غير أنها طريق أو مدخل لتحقيق الأهداف في تلك الدول, ففي العراق كان هناك أسلحة الدمار الشامل التي كانت في البداية تبدو منطقية إلا انه عندما أصبحت مبررا غير واقعي ولا يقنع أحدا ذهبت الولاياتالمتحدة لضرب العراق دون أي مبرر منطقي أمام العالم ( سوى مصالحها), ذهبت وهي تقول للعراق: أين أضعت الكوفية!! لقد كانت جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري مبررا قويا ومنطقيا لتصعيد الضغوطات الدولية على سوريا والتي بدأت تتصاعد منذ القرار 1559 الذي طالب سوريا بالانسحاب من لبنان, فعند وقوع هذه الجريمة تحرك المجتمع الدولي بحماس كبير ودعا إلى التحقيق في الحادثة و معاقبة المتورطين, تم هذا التحرك النشط والسريع من قبل المجتمع الدولي وهو يشير إلى سوريا بأصبع الاتهام بأنها وراء اغتيال الشهيد رفيق الحريري ( رئيس الوزراء اللبناني الذي كان يمتلك بيتا في دمشق كان يقضي فيه اوقاتا كثيرة) , وبرغم وجود جهات كثيرة من مصلحتها اغتيال الحريري إلا أن سوريا كانت هي المتهم الوحيد برغم إن سوريا وبالنظر إلى ما تواجهه الان ليست مستفيدة من هذا العمل والقاعدة البوليسية تقول ( ابحث دائما عن المستفيد). وشكلت بالفعل لجنة التحقيق الدولية وبدأت الضغوطات تتصاعد بشكل مدروس وبدا واضحا أين سيصب مجرى التحقيق حيث جاء في تقرير ميلس الرئيس السابق للجنة التحقيق حول عملية الاغتيال والذي بدأه بنتيجة يفترض إن تكون محصلة نهائية للأدلة التي سيوردها في التحقيق حيث جاء في القرة الثامنة من التقرير ما نصه(..ولما كانت أجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية العاملة معا متغلغلة في المؤسسات والمجتمع في لبنان, فأنه "يصعب تخيل" إن يكون هذا الاغتيال المعقد قد ارتكب من دون معرفتها) وقضية انه يصعب عليه التخيل شيء وان يقدم حقيقة مدعمة بأدلة يستطيع إن يتهم بها جهة معينة شيء اخر تماما. وأعقب هذا التقرير قرار مجلس الأمن رقم 1636 والمستند على الباب السابع من ميثاق الأممالمتحدة ( باب العقوبات) ويفرض هذا القرار على سوريا التعاون التام مع لجنة التحقيق وإلا فأن القرار يتيح لمجلس الأمن فرض عقوبات دولية على سوريا إذا لم تثبت تعاونها مع اللجنة, وبرغم المحاولات السورية لإبداء التعاون والليونة ( في إطار السيادة) إلا إن على ما يبدو إن المرونة ليست هي المطلوبة من سوريا بل المطلوب حصرها في زاوية ضيقة تنعدم معها قدرتها على المناورة وترضخ بالتالي لهذه الضغوطات فمن المهم استيعاب إن القضية ليست قضية نخوة الولاياتالمتحدةالأمريكية والمجتمع الدولي ورغبتها في الثأر لدم رفيق بهاء الدين الحريري اللبناني العربي المسلم بل القضية هي إيجاد أدوات للضغط تحقق الأهداف الأمريكية في المنطقة واستيعاب إن علينا دراسة القضية من جهة المصالح الأمريكية في المنطقة والاستراتيجيات السورية لمواجهتها وليس عن طريق دراسة تقارير اللجنة الدولية للتحقيق وردود سوريا عليه. إن هناك عدة أسئلة من شأن الإجابة عليها فهم الأزمة في العلاقات بين سوريا والمجتمع الدولي , وأول سؤال هو: لماذا هذه الضغوطات على سوريا؟؟ لاشك إن المواقف والسياسات السورية في المنطقة لا تنال استحسان قطب العالم الأوحد الولاياتالمتحدةالأمريكيةفسوريا موضوعة في القائمة السوداء ومطلوبة للإدارة الأمريكية ويعبر عن هذا المصطلح الشهير للرئيس الأمريكي بوش ( محور الشر) الذي تشكل سوريا احد أضلاعه, فمن الواضح إن سوريا تشكل هدفا للولايات المتحدةالأمريكية لعدة أسباب منها:- - تصلب سوريا في مسيرة السلام مع إسرائيل ورفضها القاطع للتطبيع والتفاوض حول الجولان وإعلانها تلازم المسارين السوري واللبناني في عملية السلام مع إسرائيل. - كما إن المطلوب من سوريا التنازل عن حقها في بحيرة طبرية والجولان وهذا ما ترفض سورية مناقشته والتنازل عن هذه الحقوق كمدخل لإقامة السلام مع إسرائيل. - دعم سوريا للمقاومة اللبنانية والفصائل الفلسطينيةواللبنانية في لبنان وبالتحديد حزب الله والمطلوب من سوريا ليس فقط وقف الدعم بل والعمل على نزع سلاح هذه الفصائل . - لا يسر الولاياتالمتحدة أبدا العلاقة المميزة والتحالف بين سورياوإيران ( ضلع اخر لمحور الشر) وتشكل هذه العلاقة المميزة مع دولة نووية ولها مشاكلها هي أيضا مع الولاياتالمتحدة ولها الكثير من الأهداف المشتركة ونفس الأعداء أيضا مصدر قلق للولايات المتحدة . - التأثيرات السورية في الساحة العراقية ودعم سوريا غير المباشر للمقاومة في العراق وتسلل المجاهدين إلى الأراضي العراقية عبر الحدود مع سوريا واحتضان سوريا لقيادات سابقة لحزب البعث العراقي المطلوبين لأمريكا. - تشكل سوريا ثقب اسود لكل الجهود المبذولة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتطبيع العلاقات بشكل كامل ( وان كانت إسرائيل تبذل جهودا اكبر لإبقاء الصراع مشتعل) والمطلوب من سوريا العودة للمفاوضات مع إسرائيل وتقديم تنازلات توصل الطرفين لتوقيع اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات . - مطلوب من سوريا إقامة إصلاحات داخلية في نواحي تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير واقتصاد السوق الحر. - الهدف الرئيسي والاهم هو تحقيق وضع معين في سوريا يضمن عدم تهديد إسرائيل وسلامتها وعدم الوقوف أمام أهدافها بل ويحقق لها أهدافها في هذه الجبهة . كما نرى فأن جميع هذه الأسباب تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية للضغط على سوريا لتصل إلى هدف واحد محدد عن طريق أكثر من وسيلة, اما الهدف فهو تطويع وتدجين النظام في سوريا ليقوم بتنفيذ أو السماح بتنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة و أما الوسيلة فهي عن طريق عزل النظام وفرض العقوبات عليه واستمرار الضغوطات بحيث يرضخ النظام في النهاية للمطالب الأمريكية أو يسقط ويحل محله نظام يقبل بتمرير هذه المطالب( وهي الوسيلة التي تدعمها الوزيرة رايس) أو عن طريق التدخل العسكري في سوريا على غرار ما حدث في العراق وتغيير النظام عن طريق العمل العسكري( وهي الوسيلة التي يدعمها صقور الإدارة الأمريكية) ومن الواضح إن الولاياتالمتحدةالأمريكية اعتمدت ( ولو في الوقت الراهن ) على إستراتيجية الضغوطات على النظام. وبشكل عام تستمر الضغوطات على سوريا وسط صمت عربي لم يكسره إلا فخامة الرئيس علي عبد الله صالح في مباحثاته مع الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي حول الوضع السوري, وتحد هذه الضغوطات من قدرة سوريا على المناورة مما دفع الرئيس السوري للقول في خطابه في جامعة دمشق ( مهما قمنا بأعمال ومهما تعاونا ستكون النتيجة بعد شهر إن سوريا لم تتعاون... سوريا مستهدفة) وبالفعل مهما تعاونت سوريا مع اللجنة فأن الضغوطات والاتهامات ستستمر لان القضية وكما أسلفنا ليست دم الحريري بل قضية الوصول إلى تطويع النظام( أو حتى تغييره) لتحقيق أهداف الولاياتالمتحدة وإنهاء مصدر من مصادر الإزعاج لها في المنطقة. تجدر الإشارة هنا إلى إن سوريا تمتلك بعض أوراق اللعب القوية ( حزب الله, التحالف مع إيران, حماس,...الخ) إلا إن هذه الأوراق لن تسمح لسوريا إلا بمناورات محدودة و قصيرة ومن المعروف إن الخطط الأمريكية تتمتع بالنفس الطويل فعلى سوريا إن تتعامل مع هذه الضغوط بواقعية شديدة تضع في حسابها القدرات الكبيرة للخصم دون إن يؤدي هذا بسوريا إلى التعامل مع الوضع بتشنج ناتج عن اليأس أو عن اقتناع بحتمية وقوع الضرر. ويؤدي هذا إلى طرح سؤال اخر: كيف يجب إن تتعامل سوريا مع هذه الضغوطات الدولي؟ لا شك إن هناك عدة مسارات يجب إن تسلكها سوريا مثل محاولة تحسين صورتها لدى المجتمع الدولي والاهم من هذا إن هناك ضرورة ( الان وقبل أي وقت اخر) للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهناك ضرورة قوية لقطع أشواط كبيرة وبأزمنة قياسية في مجالات الديمقراطية والحريات وفي المجال الاقتصادي, كما إن على سوريا التحرك الدبلوماسي النشط لإيجاد حليف ونصير في المحيط العربي والدولي لكسر المحاولات الأمريكية لعزل سوريا عن محيطها العربي والدولي. إن من المعروف إن نجاح الأمم في التغلب على الأزمات ينبع من قرأتها للتاريخ والاستفادة منه فعلى سوريا أن تجد في ما حدث في العراق مرجعا خصبا لفهم معرفة الاستراتيجيات الأمريكية ومعرفة مكامن الخطاء في التعامل معها وفي ردود الفعل كما إن على سوريا إظهار شيء من الليونة على الأقل لكسب الوقت حتى إيجاد صيغة تسوية معينة أو كسب ورقة ضغط قوية تشكل حاجزا رادعا لأي ضربة محتملة, كما إن حشد الجبهة الداخلية وتلاحم فئات وطوائف المجتمع السوري ووقوفه بكل فئاته خلف قيادته ومحاولة هذه القيادة التصالح والتلاحم مع هذه الفئات. ومابين التفاحة والكوفية تمتد المبررات الأمريكية لتنفيذ ما تريده ففي رأيي الشخصي إن سوريا بريئة من دم الشهيد رفيق الحريري برأت الذئب من دم بن يعقوب بل واذهب إلى ابعد من هذا وأقول إن المسئول عن دم الحريري هم أحفاد بني يعقوب أنفسهم, فهم فعلا من "يصعب تخيل" اغتيال الحريري بدون تورطهم, إن الوضع العربي اليوم يذكرني بالحكمة المعروفة التي أوردها الإمام علي كرم الله وجهه( إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض) فهي أكثر وصف يطابق الواقع العربي فهاهي سوريا اليوم تستهدف بعد ان سقطت فلسطينوالعراق وهانحن ننتظر إن تتضامن الجهود العربية كي تحمي بعضها البعض وان يقدم العرب دعمهم للشقيقة سوريا, فهل ينهض العرب قبل إن نردد كلنا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض هل ينهض العرب .. قبل ان ينفرط العقد؟!