حق تقرير المصير يعد من الحقوق الأساسية "الأصلية" للشعوب لا يمكن التنازل عنه، وهو حق لا يعنى فقط بإستقلال الشعوب الخاضعة تحت نيل المستعمرين، وإنما يعني أيضا حق الشعوب الخاضعة تحت سلطة الأنظمة القمعية والقهرية في أن تتحرر من هذه السلطة، وتختار نظام الحكم الذي يحقق لها آمالها وطموحاتها الوطنية من خلال التعبير الحر عن رأي المواطنين دون ضغط ودون إكراه وقهر سواء من سلطة عسكرية أو سلطة مدنية إستبدادية تستأثر بالحكم وبمقدرات الشعب وثرواته رغما عن إرادته. ف «إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم» كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 21، والتي تركز على "حق تقرير المصير لكل الشعوب" وعبارة كل الشعوب لا تستثني شعبا من حقه في تقرير مصيره إذ تتابع القول «وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي» فإذا كان الشعب يفتقد لنظام الحكم الديمقراطي بسبب إحتكار سلطة ما أو بسبب الإستئثار للسلطة بالقوة فمن حق هذا الشعب أن يقرر مصيره بتحرره من هذا النظام كما تحرر الشعوب نفسها من السلطة الإستعمارية. وتذهب هذه المادة إلى أن: 1 - لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يتم إختيارهم بحرية. 2 - لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده. 3 - إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم حيث تتجلى هذه الإرادة من خلال إنتخابات نزيهة تجري دوريا بالإقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري الذي يضمن حرية التعبير الحر عن إرادة الناخبين. وتؤكد على ذلك المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 م، وبالتأمل في هذه المواد مع سائر مواد حقوق الإنسان الخاصة بحرية الرأي والتعبير وحرية الإجتماع وتشكيل الجمعيات والأحزاب، ووقوف الأنظمة السياسية ضدها ومجابهتها، يعد خرقا واضحا لحق الشعوب وفيه مصادرة لحقوق المواطنين وظلمهم وقمع إرادتهم وحريتهم، وفي هذه الحالة تكون السلطات على رأس المعوقات لحق الشعوب في تقرير مصيرها.. وهذا أيضا ما أكد عليه القانون الدولي الذي لا يسوغ إنتهاك هذا الحق أو إختراقه حتى لا يكون الطرف المعتدي سواء السلطة أو النظام قد دخل دائرة اللاشرعية الدولية والوطنية، فهو يعتبر حق تقرير المصير من القواعد القانونية الآمرة والذي بالتعدي عليها يعتبر جريمة نكراء بحق الشعوب وبحق إنسانيتها، وبكون أن الحق ينتزع ولا يعطى الأمر الذي يستدعي القيام بالثورات الوطنية والإنتفاضات الشعبية للمقاومة والحصول على هذا الحق. إن ماحدث في تونس ومصر لخير دليل على ذلك، حيث إنتصرت إرادة الشعوب على قوة الطغيان والظلم بالثورات الشعبية التي تحققت وشهدناها خلال الأيام الماضية والتي كشفت عن معدن هذه المجتمعات في وعي رجالاتها وحنكة شيوخها وطاقة شبابها التي عملت على تحديد مصيرها بعيدا عن الإذلال والخوف والجبن، وضربت لنا أروع الأمثلة في الشجاعة والصبر والصمود والتحدي في مجابهة المستبد. إنها ثورات من أجل نيل المطالب والحقوق الوطنية والإنسانية من أجل الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية، إنها ثورات من أجل الحياة والوجود والمستقبل إنها عنوان الشعوب المقهورة في أن تكون أو لا تكون، وليست ثورات جياع كما نسبها البعض، فقدمت التضحيات من أرواحها ودمائها وشهدائها وكل غاليا ونفيس كي تتمتع بإستقلالها وحريتها التي تحفل بها اليوم وتبتهج بمعطياتها، وهانحن نعايش تأثير هذه الثورات وإمتدادها ليس على مستوى الوطن العربي فحسب، يل هاهي شعوب المنطقة الخليجية الغنية بنفطها وخيراتها تئن لتقتلع جذور الفساد والإستبداد والظلم، فكم من محروم يعاني من ضيق المعيشة، وكم من أسير يقبع في غياهب السجون، وكم هم شباب في عمر الورود عاطلين عن العمل، وكم من بائس يعيش الإحباط والذل وكم وكم وكم...... الخ. هانحن نراها تهب وتثور بكل قواها السلمية وتحرص على نيل مطالبها بالإصلاح والتغيير. إن ما يجري في البحرين اليوم من أحداث دامية بحق شعبها الطيب وشبابها الأبي لهو مؤسف حقا، فقد رأينا كيف وزع عدد من المتظاهرين الورود الطبيعية والصناعية بينهم خلال تجمعهم بمنطقة - السنابس - قبل فتح الطريق أمامهم لدوار اللؤلؤة بعد انسحاب قوات الأمن، وذلك في لفتة لتأكيد سلمية التظاهرات والاعتصامات والمطالب. وكبف قدمت فتاتان قبل ظهر ألأمس عدداً من الزهور الحمراء لقوات مكافحة الشغب، في خطوة لتأكيد عدم رغبة المتظاهرين في الاصطدام مع القوات الأمنية أو التعرض لهم بأي ضرر. ورأينا في المقابل كيف تعاملت القبضة الأمنية بوحشستها القاسية مع المتظاهرين لم تراعي حرمة لنسائهم وأطفالهم وضعفائهم مما أدى إلى تضاعف عدد الشهداء والجرحى. حتى مطالبهم الإصلاحية التي تقدموا بها تعد مطالب إنسانية وطنية مشروعة وهي محط أنظار شعوب المنطقة وتطلعات شبابها وهكدا مطالب لايمكن مصادرتها من أي شعب حتى لو تحالفت قوى الإنس والجن أو لم تحقق الثورة أهدافها، لقد عاش شباب البحرين وشعبها مناضلا ومكافحا ومجاهدا من أجل حقوقه ووجوده ومن حقه اليوم إختيار مستقبله في المشاركة وعملية الإصلاح والبناء كماهو حق الشعوب الأخرى أن تقرر مصيرها وتتطلع لمستقبلها وبناء أوطانها بشرف وإخلاص وأمانه. وفي ظل التطورات والتغيرات السريعة على الأنظمة السياسية أن تواكب عصرها وأن تدرك اليوم أن إحتكار السلطة لم يعد مجديا فهي بحاجة لإحتضان شبابها والحفاظ عليه ومشاركة شعوبها يدا بيد حماية لمصالح الوطن.