يُقال إن البحث عن مواطن الاتفاق تقودنا إلى اكتشاف مواطن الاختلاف, فهل يجهل القادة السياسيون قاعدة هامة كهذه؟! ويُقال إن استخدام القوة يعتبر دليلا أوليا على إفلاس أصحابها فهل أصبح (الطفر) عدوى كغيره من الأمراض؟!! وهل تنجح ثورة الكل فيها (طفران) من قمة نظامها إلى قاعدة معارضتها؟!! هل وصل الجوع عندنا حد اشتهاء الهواء؟!.. لم يصبح أصحاب القرار اليوم بحاجة إلى التعبير عن مشاعرهم في خطب ومؤتمرات ودعوات حوار, فمنذ أن أصبح الليل مرتعا لضجيج البارود أصبحت العلاقة العاطفية بين القمة والقاعدة واضحة إلى أقصى حد والى درجة عدم الحاجة إلى الالتصاق الحميم الذي يحدث تلقائيا كل ليلة بيننا وبين آلة الحرب التي لا ترحم. أتعجب ممن يقول: نحن نستطيع تحديد أهدافنا الحربية بدقة ثم تكون العشوائية أداته الوحيدة لتحقيق هذا الهدف الحزبي وليس الحربي. أصبحت صدورنا أهدافا وظهورنا متارس ورؤوسنا دواليب تسير عليها عربات الديمقراطية في موكبها الدموي الأخير قبل أن تعود بنا إلى عصر الإمامة من جديد! حتى أصابعنا التي ترصد أحداث الوطن في صورة معبرة أو سطر شامخ لا ينكسر لم تسلم من القصف فلحدتها راحتنا شهيدة في خدمة الوطن! أين هو الحوار الذي نبحث عنه في ظل مبدأ (حبتي وإلا الديك)؟! وأين هو الاستقلال في البرامج الحزبية إذا كان الجميع يستخدم الأساليب ذاتها في الوصول إلى ما تريده كتلته دون الاهتمام لأمر الكادحين الذين تعلقوا بقصاصات انتخابية جرداء داخل صناديق صماء عمياء بكماء لا تطعم خبزا ولا تسقي شربة ماء! كنا نعتقد أن الكل متفقون على حقن الدماء وان الوطن ملك للجميع وان التنازلات في وقتنا الحالي ليس من الضروري أن تكون مدروسة, لأن أي تنازلات مهما كانت صغيرة سيعدها التاريخ مشاريع استثمارية ناجحة, لها رأسمالها الشعبي الذي لا يقبل المرابحة أبدا. لكن للأسف أصبحت الحرب والحوار وجهين لعملة سياسية واحدة, ففي حين تفرحنا تصريحات السياسيين نهارا تصعقنا تصريحات الدبابات ليلا, فكيف ليد واحدة أن تصفع وترتب معا؟! وكيف لشفاه واحدة أن تعض وتقبل في آن ؟! كيف نعتقد أن أول درس يجب أن نتعلمه مما مضى أن اليمن فوق الجميع وإذا بنا نخرج بقاعدة عامة (أنا فوق الجميع).. فما الجدوى من الحديث عن اقتراع انتخابي أو (اختراع انتخابي) ما دام الجميع يرى أن لا صوت يعلو على صوته؟!.. يا لهذا الشعب المسكين الذي مل الصبر من صبره واحتار الزمن في أمره! شعب يسير في اتجاه الريح وعكسها, يركب الموج ويطوي الصحراء, ينحت الصخر ويرسم على وجه الهواء ويلون الأثير وينمنم أطراف أمنياته بالأمل كما ينمنم دواوين دوره بنقوش التراث الخصب الجميل, شعب أبي, كلما اشتدت النيران حول خاصرته ظهر معدنه النظيف واشتد بريقه اللافت لأنظار الشعوب, شعب من ذهب حتى وإن ذهب! كم هو محظوظ ذلك المرء الذي ترفعه أقداره مكانا عليا ليحكم شعبا بهذه البساطة والتضحية والسمو برغم الجوع والحاجة والألم, لماذا لا يعرف الحكام قيمة شعوبهم؟!! هذا الأمر يشبه تماما قصة الجواهر التي تبقى أسيرة لأيدي الفحامين أو تلك النساء الشامخات بين يدي رجال سقطوا سهوا عن صهوة الخلق الكريم! أتساءل دائما: متى سيحب حكامنا شعوبهم؟! صحيفة "اليمن"