صعدت الأحزاب السياسية اليمنية من وتيرة حربها الإعلامية التي أشتعل فتيلها الأول أبان إعلان الرئيس علي عبد الله صالح استجابته لمطلب المسيرات المليونية بالعدول عن قرار عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي أعقبتها تصريحات إعلامية ساخنة من قبل أحزاب اللقاء المشترك كانت كفيلة بجر أقدام الحزب الحاكم إلى خنادق الحرب الإعلامية. ففي الوقت الذي اتهمت أحزاب اللقاء المشترك الحزب الحاكم بخرق وثيقة الاتفاق التي رعاها رئيس الجمهورية، وقالت أن الحزب الحاكم استخدم وسائل الإعلام الرسمية والمال العام لصالح حملة انتخابية مبكرة للرئيس صالح، فإن تصريحات لعدد من قياداتها لوحت بورقة إعادة النظر بمشاركتها في الانتخابات الرئاسية والمحلية. من جهته اعتبر الحزب الحاكم التلويح بهذه الورقة في غضون دقائق من خطاب الرئيس صالح أمام المسيرات المليونية بأنه ينم عن "مرارة إحساس بالهزيمة"، وعجز عن تقديم مرشح للإنتخابات الرئاسية بوسعه مجاراة شعبية الرئيس.. وهو الأمر الذي استفز المشترك ودفع أحزابه إلى تكثيف اجتماعاتها للوصول إلى تسوية للإشكاليات الدائرة حول مرشحها الرئاسي. ورغم أن المراقبين قرأوا في وقت مبكر أن أحزاب اللقاء المشترك انتابها الإرباك والقلق من قوة حركة الشارع اليمني مع الرئيس في وقت كانت جميع قيادات المؤتمر العليا والوسطية بعيدة عنه ومشغولة في مؤتمرها الاستثنائي، ورجحوا بأنها ستسعى لتصعيد الموقف باتجاه مقاطعة الانتخابات، إلاّ أن أحداً لم يتوقع أن تنجح المعارضة في جر أقدام الحزب الحاكم إلى خنادق معركة إعلامية مفضوحة. فقد انتقل اللقاء المشترك إلى عدة وسائل لجر الحزب الحاكم إلى الميدان الذي يريده أن يكون فيه، بدءً من استطلاع صحيفة "الناس" التابعة لحزب الإصلاح- التي منحت الشيخ حميد الأحمر صدارة المرشحين المنافسين للرئيس، ثم تصريحات الأحمر نفسه فيما أسماه بمبادرة إنقاذ الحزب الحاكم التي اقترح فيها حرمان أعداد كبيرة من الرموز السياسية من حق الترشيح وأولهم رئيس الجمهورية ومعظم الرموز البارزة في حاشد، ثم استطلاع آخر للصحوة نت يصب في نفس اتجاه الاستطلاع السابق، ناهيكم عن التصريحات النارية التي أطلقتها قيادات المشترك. وعلى إثر ذلك خرج الحزب الحاكم أخيراً عن هدوئه ليرد على الاستطلاع بالتكذيب، ويسخر من حميد الأحمر بقوله:" أما حميد الأحمر فيبدو شعبياً لا قيمة له ولا أثر وهو المستهجن لدى كل أوساط الشعب وبه يلتقي المنحوس مع خائب الرجاء" ، ثم تحدى أحزاب اللقاء المشترك أن ترشحه للرئاسة باسمها مستدلاً بذلك على أنه بلا شعبية ولا يحظى بثقة ولو (1%) . وتساءل الحزب الحاكم بسخرية متناهية "لم لا يرشحه المشترك الذي لا زال حتى اللحظة يعيش أزمته ويتجرع مرارة هزيمته باحثاً عن مرشح للرئاسة بالتعاقد أو بالأجر اليومي"- وهي المرة الأولى التي يرد فيها الحزب الحاكم على معارضيه بهذه اللهجة الحادة. لعل اشتعال الخطاب الإعلامي السياسي على النحو الذي كشفت فيه جميع الأطراف عن مخالبها ، وساعدتها وسائل الإعلام على شحن الموقف بالأخبار والتحليلات الاستفزازية هي في نظر كثير من المراقبين الأزمة الأكثر تعقيداً التي من المتوقع أن تفجر خلال الساعات القادمة مواقفاً أكثر تشنجاً تطرح بين خياراتها مقاطعة الانتخابات القادمة- خاصة وأن مشاكلاً داخلية بين تنظيمات اللقاء المشترك ما زالت تحول دون الاتفاق على شخص بعينه. وهكذا فإن اليمن تقفز إلى خنادق أزمة سياسية أحد طرفيها تتمالكه نشوة الإحساس بالنصر وغرور اللحظة، وثانيهما تصعقه مفاجأة الشارع الذي راهن بالأمس على تحريكه فيما يجده اليوم هائجاً في الصف المناوئ له.