إلى الآن لم يصدر اعتذار رسمي بشأن حرب 94، وحروب صعدة، ولا يجب أن يصدر قبل دراسة مختلف تداعياته المحتملة، وإلا في ظروف تكون فيها البلد مستقرة. بالتأكيد نحتاج نحن اليمنيين إلى تقديم كل طرف للآخر تنازلات تساعد على تجاوز حزازات الماضي وطي ملفات ليس من مصلحة أحد إعادة فتحها. ولا يأتي في المضمار مقترحات اللجنة الفنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني الخاصة باعتذار الأطراف المشاركة في حرب 94، وحروب صعدة. عانى اليمنيون في عدة فترات، وعلى مدى قرن من الزمن صراعات بينية بين قوى تزعمت المشهد السياسي والاجتماعي، دفع فاتورتها الشعب اليمني من دماء أبنائه، وعلى حساب طموحاتهم في استعادة أمجاد غابرة. والاعتذارات بمفهومها الأخلاقي مطلوبة على أوسع نطاق، أما فتح الباب أمام اعتذارات سياسية بدون دراسة مستفيضة فلها نتائج وخيمة لأن المجال سيكون متاحاً لأي طرف في طرح ملفاته، ولن تستطيع السلطات الرسمية الوقوف عند اعتذاراتها لقوى بعينها. ربما لا خلاف حول تبلور قضية في الجنوب ومشكلة في صعدة، ولا جدوى من إغفالهما في أي ترتيبات سياسية مقبلة. وفي الخانة الموازية لا يفيدهما ولا يخدم المصلحة الوطنية الانطلاق نحو اعتذارات سياسية في ظل ضعف عام يجتاح البلد والدولة. الصيغة التي طرحتها اللجنة التحضيرية بالنص على اعتذار الأطراف المشاركة في حرب 94، وحروب صعدة، قد تكون أتت حرصاً من اللجنة على الحيادية وعدم الانحياز لطرف، لكنها بمعنى عملي وسياسي تعني إدانة لكل الأطراف الفاعلة المفترض أن تكون أعمدة أساسية لتسويات ما بعد مؤتمر الحوار الوطني. فالمشاركون الرئيسيون في حرب 94 هم كأطراف سياسية المؤتمر والإصلاح، والاشتراكي بفصائل الحراك الجنوبي التي تفرخت منه، إضافة إلى انضمام أحزاب رسمياً لهذا الطرف أو ذاك. ولا يختلف الأمر كثيرا في مشكلة صعدة التي يتحمل وزرها الحوثيون والسلطة. وبإدانة هذه القوى عبر الاعتذارات، نتساءل بأي معنى واستناداً إلى أي شرعية سيخوضون حواراً باسم أطياف الشعب اليمني. وإذا استبعدت كأطراف مدانة فأي نتيجة سياسية ستخرج بها بقية قوى بعضها لا يمتلك في الشارع غير اسمه. وفي ملحقات الاعتذارات اقترحت اللجنة التحضيرية عدة أمور إجرائية بينها إعادة مبعدين، وإطلاق معتقلين وهما واجبان وملحان في هذه المرحلة، وأيضاً اقترحت إعادة اراضي، وتعويضات، وإعمار، وإدخال آلاف الضحايا ضمن قوام جهاز الدولة. بالتأكيد الدولة مسؤولة أخلاقياً وسياسياً عن رعاية مواطنيها وتحمل أخطاء نالت منهم، إلا أن الوقت الراهن وقبل إجراء تصحيحات إدارية ومالية شاملة يعني انتحاراً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وتحويل الدولة إلى مؤسسة ضمان اجتماعي بامتياز على حساب تنمية ستنعكس بثمارها على الجميع. وستتمكن الدولة حينها من تعويضات عادلة للضحايا. ما أوردته اللجنة التحضيرية إما أن يدرج في قائمة تبني اشتراطات مسبقة للحوار الوطني، وهذا سيعرقل انعقاد مؤتمر الحوار إلى أجل غير مسمى، كون تنفيذ بعضها يقتضي العمل على مدى سنوات. وإما أن تعتبر قضايا على طاولة مؤتمر الحوار، وبذا تكون اللجنة قد خالفت قرار تشكيلها المؤكد على عدم تدخلها في مضمون أعمال المؤتمر. صحيح أن اللجنة انبثقت من مبادرة سياسية واختيار أعضائها تم على أساس سياسي، بيد أن ارتباطها بالتسوية السياسية ليس مباشراً وطبيعة عملها فنية وأقرب إلى الطبيعة الإدارية منها إلى الطبيعة السياسية، التي هي سمة أصيلة لمؤتمر الحوار الوطني وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. عن "الأهالي"