بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    مفارقة غريبة تضع نيمار وصيفا في قائمة صناع السعادة    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الرئيس العليمي يصدر توجيهات عاجلة بخصوص أزمة الكهرباء في عدن    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    جماعة الحوثي تعلن استهداف مدمرة أمريكية وسفينة أخرى في البحر الأحمر    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    المنامة تحتضن قمة عربية    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(( وللكرامة..ثمن!))... قصة كوثر عبد الواحد
نشر في نبأ نيوز يوم 30 - 08 - 2006

نظرت إلى أكوام الغبار المكدسة أمامي. ركام و غبار و أتربة..أوراق و حبر قد جف و لم يعطي أحداً وقتاً ليكتب به...المكان كله كان ميتاً في بنيانه، و الدمار و الخراب حل عليه و كأن إعصاراً قد عصف بهذا المكان. هو إعصار ما عصف بهذا المكان، و لكنه من صنع البشر هذه المرة.. أمسكت بيده، و نظرت إلى عينيه اللتان كانتا تصارعان دمعاً يكاد يفر منهما.
لم أتعجب من تأثره! بل تعجبت من صمتي و خدر لساني. ربما بكائي في الأيام السابقة جعل دمعي يجف، فيصبح ملحاً..بلا ماء.. اختلست النظر إليه و هو مجمد لا يتحرك و كأنه تمثال.. ولكن هل تسري الدماء في عروقه؟ بالتأكيد تسري فهو ليس حجراً..! نظرت إلى الركام أمامي، ثم تركت يده.. و كان ذلك بمنتهى السهولة! فقد جعلته المفاجأة يرخي قبضة يده..وينساني..مررت على الركام، و بدأت أتفقد ما تبقى من ذكرياتي. ذكرياتي التي تناثرت و تبعثرت هنا وهناك بعد تلك الإنفجارات.
تفقدت الآثار المتبقية لما كان يسمى ب((عمارة)) من ذي قبل. رفعت إحدى أحجار أساس العمارة المتهدمة و تفحصت لونها المحترق. كان ناصع البياض..سابقاً.. حكت في بالي ذكرى في ذلك الركن الذي كان أسفل عمارتنا. يااااه! هنا كنت تلعبين يا زينب بدميتكِ بينما كنت ألعب بكرتي. كنت مزعجة و تنسجين أحاديثاً وهمية ، فأعنفكِ! كنت بعد ذلك تطلبين مني اللعب معكِ و لكنني أرفض و أقول: ((الدمى للفتيات فقط!)). بعد ذلك، كنت تتنازلين عن اللعب بالدمية لتلعبي معي بكرتي...و أتنازل لكِ الآن.. سألعب بدميتك، ولكن..عليك العودة فقط.. يا ترى..هل تسمعينني؟! أبي قال أنك تستطيعين ذلك، لأن روحك الشهيدة تطير الآن من مكان إلى آخر في الجنة.
أدرت رأسي، فوجدت دمية قد انفصل رأسها عن جسدها. أخرجتها من الغبار و قلت لنفسي: ((هل كنت تملكينها يا زينب..أم غيرك؟!)). تحسست جيبي، وأخرجت منه مسبحة كانت معطرة بعبق أمي.
لم يشم أحد ذلك العطر سواي، ففي أنفي شيء يجعلني لا أنسى رائحة أمي المميزة! دمها كان ذا رائحة جميلة أيضاً، فقد شممته و هي تساعدني أن أخرج من تحت الأنقاض. ابتسم وجهي الدامي و المتسخ يومها بعد إرهاق شديد. ذهب كل شيء من التعب و الألم حينما رأيتها تزيح عن وجهي التراب و الغبار بدأت صورتها في تلك اللحظة تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى اختفت من أمامي لتلحق بأختي زينب. ذهبنا أنا وأبي إلى المشفى ذلك اليوم، ولكن.. ممددين هذه المرة!
استيقظت من سهادي، و التفت إلى الوراء.. نظرت إليه فوجدته يخرج من حقيبتنا المتهالكة حجاب كان لأمي. وضعه على وجهه، وأراد البكاء و لكنه لم يستطع! ربما غدده الدمعية قد حبست دمعه. و لكنه كان يبكي من الداخل و دمه يغلي في عروقه. اقتربت منه، و قبلت رأسه المدفون من في الحجاب، و قلت له بهدوء: ((هل تبكي يا أبي؟!)).
رفع رأسه من الحجاب و رمى به فوق الحقيبة، ثم احتضنني بقوة و عصر عظام جسدي بضمته هذه. رفعت جسدي بعد دقائق من فوقه ونظرت إليه، فوجدته يجمع التضاد. فيبتسم..ثم يبكي! خفت عليه، و لم أدر ِ أيبكي أم يضحك؟! فضلت أن أتركه بنفسه لبعض الوقت.
مضت قدمي بلا هدف، و بدأت أنظر إلى الركام مرة أخرى. لا..لم يعجبني منظر الركام إن كنتم تتساءلون، و لكنني أحاول أن أبني تلك العمائر في عقلي، و أحيك بخيط الأمل خيالات لا فائدة منها. كان الثرى تحت الركام مصطبغاً بالحمرة. رأيت نبتة صغيرة، فتساءلت...يا ترى..هل نبتت من دم الشهداء كما يقول أبي؟! تفحصت ما بجانب النبتة، فوجدت ورقة نصف مدفونة تحت التراب.
ماذا تكون؟! قربت منها بدافع الفضول، و أخرجتها بلطف خوفاً من تلفها. كانت متسخة جداً، ذات لون باهت قضى على لونها الأصلي. كل شيء هنا يتغير، و لكن الناس يبقون كما هم في مكاننا هذا، يتشبثون بجلودهم الإنسانية بكلما أوتوا من قوة. نظرت إليها، و استطعت قراءة الكلمات بصعوبة. ((من..)) تهجأت أول كلمة. تابعت بعينين متشنجتين: ((من..أجل..سلامت..سلامتكم..)).
بلعت ريقي و بدأت أقرأ ما تبقى: ((اتجه..اتجهوا ..إلى صيدا..)). لم أفهم شيئاً! كيف نتجه إلى هناك و قد قصف الكثيرون من النازحين في طريقهم إلى هناك؟! و لماذا يضعون كلمة ((سلامتكم))؟! و هل تهمهم سلامتنا و قد ودعت أمي بين الأنقاض و خضبت يدي بدمها حتى يمتصه جلدي فيسري في عروقي؟! كيف يريدون ((سلامتنا)) و أنا أبحث عن زينب و هي تبكي بحرقة أخافتني، وحين وجدتها، توقفت عن البكاء لتبتسم، وتمضي روحها إلى الجنة بين هزاتي لجسدها الفارغ من الروح؟!
تذكرت جارنا الذي وقعت عليه مثل هذه الورقة، فقطعها بعنف، ثم وضعها تحت قدمه و داس عليها باستنكار. كان يكرر دائماً: ((ينسجون الحرب بأيديهم ، ثم يقيمون جلسات نفسية لمداواة أطفالنا من آثار الحروب!!)). يا ترى.. تحت أي من الأنقاض هو؟!
تحسست كتفي.. وخزة من البرودة. كانت يد أبي الباردة، رغم دفء المشاعر التي لم تكفِ لتدفئة يديه. أخذني بين أحضانه، و أخذ يدمع مرة أخرى. رفعت نفسي، و مسحت دموعه بيدي. قلت له باستغراب: ((لم تبكي؟! ألم تقل بأن أمي و زينب في الجنة؟!)). هز رأسه و أجاب بابتسامة مرتعشة: ((بلى..)).
هززت كتفيه بكفيّ و قلت و قد بدأت أشعر باختلاط الملح في عيني بالماء: ((إذن..لم تبكي؟!)). لم يجب، و لكن بكاءه و ابتساماته ازدادت! اختلطت دموعي المسنكبة بدموعه على سطح كفي. أي الدمعين أكثر ملوحة ..لا أدري! قلت له متسائلاً: ((لعلك تبكي لأننا من دون منزل؟)). نظرت إلى النباتات الصغيرة المنتشرة و قلت أستعرض كلامه: ((لا تبكِ على ذلك فأنت قلت لي بأننا كالشجرة، رغم أنهم يجتثونها من جذورها تستطيع التكيف عند تربة جديدة..)). أجابني و هو يمسح دموعه بقميصه: ((لا مكان للتكيف يا ولدي..إلا في حالة واحدة!)). قلت له و قد اختلطت دموعي بكلماتي:
- في أية حالة؟!
-أن تكون مياه العزة و الكرامة تروينا، ثم نزدهر في أي مكان!
ابتسم بعدها و قال و هو ينهض نحو الأنقاض: ((أتعلم يا علي..أتعلم أن منزلنا أجمل مم كان قبل الحرب؟! إنه يتلألأ و كأنه شاهد على العزة و الإباء و الصمود..إنه شاهد على حب الله أكثر من الدنيا..)).
دنا والتقف حفنة من تراب الركام. سكبه على يدي ثم قال: ((ليكن هذا التراب يا علي، أعز على نفسك من الطعام و الروح والمال..هذا التراب الذي تشرب بدماء الشهداء، و الذي تعطر به ليفيح في سماء العزة و الكرامة..لا تكن ممَن رأوا الظلام نوراً، والنور ظلام..العزة كدر، و المهانة شعار!)).
احتضنت أبي باكياً و قد انتثر التراب عليه، و قلت له بنحيب: ((و لكنني اشتقت إلى أمي ..و زينب..)). أجابني بحنو و هو يداري حزنه: ((ستقابلهم..ولكن..لتفهم أن هذا فراق مؤقت..سر على نهج الأبطال و أحب الله أكثر من زينب..و أمك ..و مني.. و ستراهم في مكان اخر..لا حرب فيه و لا حزن ..لا دمار..و لا دموع..)).
قلت له و قد بدأ بكائي يخمد: ((و هل سألعب مع زينب؟؟)). فمسح بعض دمعي وقال بابتسامة جعلت وجهه يشرق: ((ستلعب معها.. و ستلقاها في أحسن حال..!)). مسحت دموعي بقميصي، و تركت الشمس الحارة التي لفحت وجهي تجفف بقيتها. مسحت العرق الذي ملأ وجهي من الحرارة، ثم مضيت إلى الأنقاض. تأملتها و حملقت فيها...بالفعل.. كانت جميلة جداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.