في حوار أجرته معي إذاعة "مونتيكارلو" الفرنسية خلال رمضان سألني المذيع: هل تتوقعين أن الرئيس علي عبد الله صالح جاد هذه المرة في الحرب على الفساد!؟ فوجدت نفسي أجيب إجابة الواثقة مليون بالمائة حتى أن المحاور دهش لقوة التأكيد، فصار يبحث عن مصدر كل هذه الثقة بأن الرئيس صالح سيكافح الفساد فعلاً، ولم يكن الأمر مجرد خطاب انتخابي، أو تسويف للوقت..! بالتأكيد أنني لم ألتق الرئيس لأسأله أو آخذ منه عهداً بالمضي في الحرب على الفساد، لكن كل ما في الأمر أن العارف بسياسة الرئيس علي عبد الله صالح، وطريقته في الحكم، والمتتبع لعهده السياسي – بأدق تفاصيله- يستطيع أن يستوحي بعض الحقائق التي تحدد مدى جدية الرئيس فيما وعد اليمنيين به في القضاء على الفساد، والمفسدين.. لو نزلنا الشارع وسألنا الناس: هل أن الرئيس صالح من النوع الصادق أم من أصحاب الشعارات التي يخدرون بها الشعب!؟ أعتقد أن النتيجة هي إجماع على أنه رجل صادق، ويفعل ما يقول، وليس من وعد قطعه على نفسه ثم أخلفه.. وهذا هو أول الحجج التي نستمد منها ثقتنا بالرئيس. المسألة الثانية هي أن الرئيس علي عبد الله صالح يحكم اليمن منذ حوالي (28) عاماً، وخلال هذه السنوات حقق لليمن إنجازات هائلة، سواء على صعيد السياسة الداخلية أم الخارجية، فجنى من كل ذلك السمعة التي تتحدث عنها مختلف القنوات السياسية في المجتمع الدولي ، ووسائل الإعلام، والشارع اليمني أيضاً.. وهو بعد انتخابات العشرين من سبتمبر بلغ ذروة المجد ، والسمو الذي يمكن لرئيس دولة أن يحلم به.. وبالتالي فإن من غير المنطق ابداً أن نتوقع أن الرئيس يمكن أن يفرط بكل هذه السمعة التي جناها خلال عهده بالتقاعس عن مكافحة الفساد، والوفاء بوعوده التي قطعها لشعبه والتي هي مطلب أساسي للجميع في هذه المرحلة بالذات. الرئيس علي عبد الله صالح رجل قادر على شن الحرب على الفساد، وقادر على الانتصار على المفسدين من الصولة الأولى؛ لكن البعض ينظر إلى الحرب على الفساد مثل نظرته لمعارك الجيوش التي تتطلب رجال وسلاح وحسب، لذلك فهم يتوقعون أن المسألة لا تتعدى حدود اتخاذ القرار السياسي بذلك – وهذا هو الخطأ بعينه! علي عبد الله صالح لم يتقاعس في مكافحة الفساد فيما مضى من عهده، لكنه كان طوال تلك الفترة يحضر الميدان الآمن لشن حرب مضمونة النتائج على الفساد.. فكيف له أن يخوض حرب على سرطان مخيف مثل الفساد دون أن يحل مشاكله الحدودية، ويقضي على الإرهاب، ويصلح خلافات الجبهة الداخلية، ويعزز الوحدة الوطنية، ويرفع وعي الناس، ويأخذ بيد الاقتصاد حتى يقف على قدميه، ويرتب البيت الداخلي اليمني، مثلما يرتب ساحة علاقات بلاده الخارجية.. !؟ وإلاّ فإن التجاهل لأي ظرف من تلك الظروف قد يكون البيئة التي يستفيد منها الفساد والمفسدون في حماية أنفسهم، وزج البلاد في فتن، وصراعات، ومشاكل لا هدف منها سوى إشغال قيادة اليمن عن معركتها مع الفساد! الآن لم تعد أمام الرئيس علي عبد الله صالح مسئوليات أكبر من النهوض بالاقتصاد الوطني اليمني بعد أن فرغ من كل التحديات التي كانت تواجه الدولة.. وهذه المهمة لا يمكن إنجازها بدون مكافحة الفساد ما دام الفساد جزء من الواقع الذي يعيق حركة التنمية الاقتصادية.. من ينظر إلى عهد الرئيس صالح سيجده مقسماً إلى مراحل تكاملية: أي أن هناك مرحلة لتعزيز الوحدة الوطنية، ومرحلة لترسيخ الأمن، وأخرى لتوثيق العلاقات الخارجية والانفتاح الخارجي، ورابعة لتنمية الديمقراطية، وخامسة للقضايا الإقليمية... وهكذا حتى نصل بعهده إلى هذه المرحلة التي تقطف ثمار كل المراحل السابقة، وتشذب البناء والإنجاز الذي تحقق بمزيد من التطوير للتشريعات، والنظم المؤسسية، والإصلاحات السياسية، والتوسع ببعض القطاعات أو الممارسات – وأيضاً- مكافحة الفساد! فقضية مكافحة الفساد تأتي كاستحقاق مرحلي حان أوانه، ويستحيل لأي نظام سياسي أن يخطو خطوة واحدة للأمام في هذه الفترة ما لم يزيح الفساد عن طريقه أولاً.. الرئيس صالح وصل إلى هذه النقطة.. وهو أشبه بمن قطع طريق طويل ليصل إلى مكان يقصده، ولم يعد بينه وبين هذا المكان سوى حاجز يمتلك القدرة على إزاحته.. فلماذا لا يزيحه وهو قادر على فعل ذلك، وليس بوسعه العودة إلى نقطة البداية (الصفر)!؟ بالتأكيد أن الرئيس علي عبد الله صالح ليس من النوع الذي سيقبل التفريط بكل إنجازاته وسمعته الوطنية، في الوقت الذي هو أجدر الناس على عبور التحدي، والبلوغ باليمن إلى بر الأمان..! هذا هو المنطق الذي يجعلنا واثقون مليون بالمائة بأن الرئيس صالح سيمضي قدماً في المعركة ضد الفساد، وسيكسبها بإذن الله تعالى لأن كل اليمنيين الشرفاء معه، وكل الشعب ملتف حول قيادته.. مادام هو يتحسس آلامهم ويقف معهم في ردع الفساد، واجتثاثه من كل القطاعات... فاليمنيون ينتظرون بفارغ الصبر أن يسمعوا أنباء إحالة مسئولين معروفين للقاصي والداني بفسادهم الى القضاء .. ويومها سيرى الأخ الرئيس لوناً من التهليل والتمجيد لشخصه الكريم لم يعرفه رئيس من قبله.. فهذا الشعب طيب ، ولن يتوانى عن التضحية بدمه لأجل زعيم نصره على الظلم .. قال تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".