وأخيراً انتهى مؤتمر المانحين واستطاعت اليمن جمع مبلغ 4 مليار و723 مليون دولار من الدول والمؤسسات التمويلية المانحة. وبالرغم من "نجاح" المؤتمر والوصول إلى نتيجة شبه مرضية من حيث حجم الدعم لليمن إلا أن هناك تساؤلات يطرحها الكثير من المهتمين والمتابعين لما جرى في المؤتمر عن غياب دور بعض الدول الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي أو مساهمتها التي لا ترقى إلى تطلعات الحكومة والشعب اليمني. بالطبع فإن كل دولة لها الحق بالدعم من عدمه لكن هناك علامات استفهام حول موقف كل من مملكة البحرين ودولة الكويت الذي خيب آمال الكثير. هل هناك بالفعل نية حقيقية من هاتين الدولتين لدعم اليمن كي تستطيع النهوض باقتصادها مما يمكنها من دخول مجلس التعاون الخليجي أم مازال هناك شيء في النفوس تجاه اليمن؟ فليقولوها علانية ليريحوا أنفسهم وشعوبهم. من خلال متابعة الأحداث على الساحة الكويتية منذ التحضير لمؤتمر المانحين لليمن يتضح جلياً أن الحكومة الكويتية وجدت نفسها في موقف محرج بين تيارين ذا رأيين متناقضين فيما يخص دعم اليمن. التيار الأول هو التيار الذي يرى في اليمن جزء لا يتجزأ من الشعب العربي في شبه الجزيرة والخليج ولذا يجب مساعدته لتخطى العوائق التي يواجهها بما يسمح له الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. وهذا التيار يضم نخبة مثقفة وسياسية ترتقي بفكرها وبسياستها من نطاق الأنا إلى نطاق أوسع مستلهمة أفكارها وسياساتها من وحدة الدين واللغة والهوية والنطاق الجغرافي وغير ذلك من القواسم المشتركة. وهذه النخبة هي التي تقف إلى جانب اليمن في الظروف الصعبة وتنسجم وسياسات بقية دول معظم بقية دول الخليج في الضرورة لانضمام اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي. التيار الآخر هو تيار معاكس تماماً، لا يريد مد يد العون لليمن لأسباب سياسية تعود إلى حرب الخليج الثانية. فالضغينة والحقد مازالت راسخة في قلوب أفراد هذا التيار الأخير ويعملون على تكريسها في عقول الشعب الكويتي الطيب الذي تربطه باليمن واليمنيين علاقات أخوية منذ زمن طويل. فالنظرة العدائية لليمن والتشفي من وضعه الاقتصادي ما زل بعنفوانه مع أنه قد مضى على زمن الغزو العراقي للكويت 16 عاماً وانتهى صدام ودُمر العراق الذي أصبح يرزح حالياً تحت وطأت الاستعمار من ناحية والمجازر اليومية من ناحية ثانية. لكن تلك العقلية الحاقدة ما زالت وللأسف موجودة لدى بعض الساسة في الكويت وظهرت مؤخراً بسبب أصداء مؤتمر المانحين لليمن الذي انعقد في عاصمة الضباب (لندن). وتظهر نماذج من هذا التيار العدائي لليمن في المعركة الكلامية التي حدثت بين الوزير بدر الحميضي والنائب ضيف الله بورمية الذي قال مخاطباً الوزير حسب صحيفة الوطن الكويتية الصادرة بتاريخ 11 نوفمبر 2006 "أين دموعك يا الحميضي على المال الكويتي وأنت توزعه على اليمن وفلسطين ولبنان"؟ ومن مناصري هذا التيار نجد النائب مسلم البراك الذي تحدث لصحيفة الأنباء الكويتية الصادرة بتاريخ 17 نوفمبر 2006 بقوله: " نحن مؤمنون بأن وزير الخارجية يعرف تماما الأدوار التي لعبتها اليمن ضد الكويت وشعبها لكنه سعى «لطمطمة» تلك المواقف خشية أن تسبب له الحرج." وأضاف البراك قائلاً: " اليمن وجهت لنا لطمات كثيرة يفترض أنها كفتنا لإغلاق الباب في وجهها". وأنظم إلى هؤلاء النواب النائب حسين مزيد عندما وصف سياسة الحكومة الكويتية في دعمها لليمن بأنها "عمياء ودليل على استمرار عدم وجود الرؤية الواضحة"، كما أعاب على الحكومة أن يكون لها مواقف "أكثر إيجابية مع الدول التي كانت لها مواقف سلبية ومشينة تجاه الكويت وشعبها وتحديدا أثناء الاحتلال العراقي". فما هي تلك الأدوار التي لعبتها اليمن ضد الكويت؟ وما هي تلك اللطمات؟ كل هذا الضوضاء حدث بسبب ال200 مليون التي أعلن عنها الدكتور الشيخ محمد الصباح وزير الخارجية بأن الحكومة الكويتية ستقدمها دعم لليمن ك"قروض ميسرة". بينما لم يحدث ذلك عندما قامت الحكومة الكويتية بالتبرع – وليس قروض ميسرة- بمبلغ 500 مليون دولار لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في العام الماضي بعد أحداث كاترينا، في الوقت التي صَرَفَت الولاياتالمتحدة 1500 مليار دولار في حربها على العراق. أما مملكة البحرين الشقيقة فكان موقفها مخيب للآمال حيث لم تعلن – حسب علمي- عن أي مساهمات أو قروض لليمن بالرغم من مشاركتها في التحضير للمؤتمر في صنعاء وحضور وزيري الخارجية والمالية في المؤتمر الذي أقيم في لندن خلال يومي 16 و 17 نوفمبر 2006. صحيح بأن السخاء من شيمة العرب، لكن لماذا تظهر الخلافات والحقد والضغينة عندما يكون المستفيد من هذه المساعدات شعب عربي مسلم كاليمن!!؟ وهل الأمريكان أكثر حاجة بالسخاء من اليمن؟ -------------------------------------------------------------------------------- [*] - كاتب وباحث يمني باريس