* أعرف إلى حد اليقين أنه ما من يمنيًّ على وجه هذه الأرض إلا ويتمنى أن يغمض عينه ثم يفتحها فلا يجد في وطنه أي فساد، ولا يرى في مجتمعه أي فاسد.. ولكن الأماني وحدها لا تفيد، والجهد الرسمي بمفرده لا يكفي.. فها هي الدولة تعمل على إصدار قانون لمكافحة الفساد وتحلم بالنجاح، وهاهي المعارضة تتخذ من الحديث عن الفساد سُلَّماً للوصول إلى الكرسي غير أن أخطبوط الفساد في دول العالم الثالث أصبح عصياً على أي قانون، ولابد له من علاج جماعي طويل المدى يقتلعه من جذوره. * وفي قناعتي أن الجدية الراهنة في بلادنا ضد الفساد تحتاج إلى حاضنة حكومية قادرة على استثمار تلك الجدية وترجمتها إلى إجراءات تنفيذية صارمة تبدأ بتصحيح أوضاع وزارتي (التربية) و(العدل) تصحيحاً عميقاً لايقتصر على القشور بل يصل إلى الجذور، ففي صلاح هاتين الوزارتين تصلح الحكومة ويصلح المجتمع. * والخطوة الأولى في الإصلاح التربوي تبدأ بالبحث عن التمويل الكافي لتنفيذ خطة طموحة على صعيد الانتقال من الكم إلى الكيف، ولا سيما في قطاع التعليم (الأساسي) بحيث يتم أولاً تأهيل المباني المدرسية بالمستلزمات التعليمية والتربوية اللازمة، فلا تبقى مدرسة بلا مكتبات، ولا معامل، ولا ملاعب، ولا وسائل تقنية، على أن يواكب هذا التطور النوعي جهد متواصل لدعم النشاط التربوي بالندوات والمحاضرات والجرعات القيمية للطلاب نظرياً وعملياً. * إننا نريد تعليماً رشيداً يبني لنا جيلاً يمنياً (مستقيماً) لا يضعف أمام الصعاب، ولا ينحني أمام العقبات ولا يستسلم للأهواء والشهوات أياً كان مصدرها، وحينئذ سوف لن نجد موظفاً يرتشي ولا مسؤولاً يستهتر، ولا طبيباً يتهاون، ولا مهندساً يغش، فتصبح الفضيلة (خبزنا وملحنا) وتصبح الوساطة والمحسوبية والرشوة في سلة المهملات. * وبما أن (المدينة الفاضلة) لم تخلق بعد فلا بد أن يوجد في أي مجتمع رشيد بعض الاستثناءات والمخالفات النادرة، وهنا يأتي دور الوزارة الأخرى المسؤولة عن تطبيق شرع الله بالعدل والإنصاف.. وهي الوزارة التي قلنا أنها سوف تحظى أيضاً بالتصحيح والتطوير المتزامن مع تصحيح أوضاع وزارة التربية والتعليم، ومن لم ينفع فيه التعليم وتفيده التربية فليس له إلا القضاء النزيه الذي يعيده إلى صوابه ويدله على معالم الطريق. * وحينئذ سوف يستند مجتمعنا الجديد على عكازين ويطير بجناحين ويخوض غمار معركة التنمية بكفاءة وإخلاص، ويقضي على (الفساد) من جذوره.. ويصبح لكل مواطن في بلادنا (رقابة ذاتية) تحول بينه وبين أي خطأ متعمد أوغير متعمد، فيتحسن اقتصادنا، ويتطور مجتمعنا ويتضاعف إنتاجنا وترتقي أخلاقنا بفضل الجهود التي نبذلها هذه الأيام للجمع بين السياسة والأخلاق. القضاء الإداري * نشكو دائماً من الاختلالات الإدارية، ولكننا لا نفتش عن أسبابها، ولا نحاول علاجها.. وما يتردد عن تصاعد نسبة العمال والموظفين (المتعاقدين) في الجهاز الإداري يدل على أننا نعرف الأسباب ثم نتجاهلها.. ولكم أن تتصوروا نفسية الموظف الذي يعمل في الوزارة - أي وزارة- منذ عشر سنوات وهو معلق على سنارة (التعاقد) بلا حقوق ولا علاوات ولا ترقيات.. ولا حتى ضمانات تؤمن له مستقبله ومستقبل أكثر من خمسة عشر ألف (متعاقد) على نفس (السنارة) .. ألا يؤدي ذلك إلى تصاعد الاختلالات الإدارية، وهل من حقنا في هذه الحالة أن نطالب بسرعة إنجاز (القضاء الإداري)؟!. الفتنة الفائزة!! * لبنان هذه الأيام يقف على مفترق طرق تحت ضغط التجاذب العربي والدولي.. فهل سينتصر خيار (المقاومة) أو سيتغلب خيار (التطبيع)؟؟ والخوف كل الخوف أن تصبح (الفتنة العمياء) هي: الفائزة!!. أين الرقابة؟! ذهب صديق مع والده المريض إلى أحد المستشفيات (الاستثمارية) فقيل له - بعد إجراء الفحوصات اللازمة- أن المريض مصاب بالتصاق الأمعاء، ولا بد من إدخال قصبة من الأنف إلى المعدة لإنقاذه من الموت.. فشرد من ذلك المستشفى هروباً من (القصبة) ولما ساءت حالته أسعفوه إلى أقرب مستشفى حكومي، فاتضح أنه لم يكن مصاباً بالالتصاق المزعوم وتم علاجه!! فأين هي الرقابة على تلك المستشفيات الاستثمارية؟؟. [email protected] ص.ب (4841)