إن ميلاد يوم الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ليس ميلاد أمة فحسب، بل وميلاد تاريخ مشرق بأنوار الهداية والسلام والعدل والمساواة وكل القيم النبيلة التي جاء التشريع الإلهي ليؤكدها من خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة التي جسَّدها رسول الله إلى العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله المضيئة وأفعاله المنيرة التي رسمت سبلاً واضحة نحو الوصول إلى الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة. وقد كانت هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من مكةالمكرمة مهبط الوحي والرسالة الى المدينةالمنورة حاضنة دين الاسلام الحنيف بعد تعنت وجبروت قوى الكفر والضلال.. نقطة تحول عظيمة في تاريخ نشر الدين الاسلامي الذي بدأ غريباً في مكةالمكرمة حاله حال رسول الهداية الذي لم تثنِه تلك الغربة التي عاناها وهو يعيش بين ظهراني قومه وعشيرته عن إبلاغ دين الله الى الناس برغم كل العروض المغرية من مال وجاه وسلطان معلناً أمام الجميع: «والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ماتركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، تلك الغربة التي فرضها الطواغيت على مدى ثلاث عشرة سنة من عمر الرسالة العظيمة والدين الحنيف آن الأوان لها أن تنجلي عن يوم عظيم له منزلة عظيمة في قلوب المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها ، إنه يوم الهجرة، ذلك اليوم الذي ودع فيه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وطنه مكةالمكرمة ومن قبله أصحابه نحو وطن جديد شيدوه بصدق الأقوال وأمانة الأفعال وكريم الصفات ومحامد الأخلاق، ليستقر به المقام في طيبة -المدينةالمنورة- التي أضاءت جنباتها واستبشر أهلها خيراً منذ أن بدت طلعته البهية تلوح لهم من مشارف ثنيات الوداع. إنه الشوق الجارف يدفعهم نحو لقائه الكريم والمثول أمام حضرته العظيمة، إنه العطش المستساغ قبيل لحظات التقرب الى وجهه الوضاء والاقتباس من شمائله العظيمة والارتواء من منهل الدين الاسلامي الحنيف الذي جاء به عن خالقه وخالقهم وخالق الأكوان جميعاً ليخرجهم من الظلمات الى النور.. إنهم الأنصار والمهاجرون اجتمعوا على صعيد واحد، يرسلون أبصارهم نحو هدف واحد ظل يقترب شيئاً فشيئاً من تلك القلوب التي يسكن بين شغافها المليئة بالتقدير والاحترام له، وتعزف أناشيدها التي تعترف بإله واحد لاشريك له، وعندها وصل الرسول عليه الصلاة والسلام الى حيث أمره الله تعالى، الى يثرب، المدينةالمنورة التي احتفلت أشجارها ونخيلها وبيوتها وكل أرجائها بمقدمه الكريم مثلها مثل كافة المسلمين الذين ضاقت الدنيا على أن تتسع لفرحتهم الغامرة بوجوده بينهم. ياله من يوم سيظل في قلوب المسلمين على مر الأزمان، ففيه كانت البداية لوضع اللبنات الأولى التي على أساسها بنيت الدولة الاسلامية التي لا تزال أركانها شامخة وستظل كذلك الى يوم الدين بإذن الله، وفي يوم الهجرة النبوية الشريفة وما تلاه أسس النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مسجد قباء كأول مسجد أسس على التقوى ثم مسجده الشريف في المدينةالمنورة قبل أن يستقر به المقام فيها، يالها من روعة في التخطيط قبل البناء السليم وحنكة في القيادة وتلاحم وتماسك بين الرعية تجاه قائدهم ومعلمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل باكورة أعماله في عاصمة دولته بناء بيت لله يؤمه المسلمون للعبادة والشورى والتفقه في أمور الدين والدنيا، ومنه أنطلقت أنوار الهداية والرشاد الى كل بقاع الدنيا. في ذكرى هذا اليوم العظيم-يوم الهجرة النبوية الشريفة- سيكون احتفالنا بهيجاً، سنجدد عهدنا لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على التمسك بتعاليم الدين الحنيف والاقتداء بالسنة النبوية المطهرة، ولن يكون احتفالنا إلا من خلال اتباع هديه والتعرف على سيرته العطرة ونشر مبادئها السامية على مسامع وأنظار القاصي والداني ليعلم الجميع بأن لنا قائداً عظيماً عجزت كل النساء أن يلدن مثله، وختاماً اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. الجمهورية