للأسف الشارع العربي تحركه في اغلب الاحيان العواطف اكثر من العقل بل لا تكاد ترى اثار للعقل. فالخلاف يحدث ويشتعل لاسباب تافهة وغالبا مصدرها المزاج والعاطفة و تصبح كل التصرفات تقودها العاطفة في وضع عج بالخلافات حيث تكاد لا ترى موطن للعقل. من المسلم به ان الاختلاف بين الناس حاصل في اي مجتمع. كان ذلك في علاقاتهم السياسية أوالاقتصادية أوحتى الاجتماعية على مستوى الافراد او الجماعات والاحزاب بل وربما يحدث ايضا في علاقة الحاكم والمحكوم في ظل مايسمى بمفهوم التداول السلمي للسلطة في داخل البلد الواحد. ربما يحدث الخلاف ايضا بين الدول العربية نفسها او حتى بيننا كأمة عربية ومع غيرنا من الامم والشعوب. الا ان ما يجعل اطراف هذا الخلاف يدفعون ثمنا باهظا انما هو الانسياق خلف العواطف كالتعصب للرأي والتحيز للذات مع محاولة الغاء او تقزيم الاخر مما يؤدي الى تكبير الخلاف البسيط وخلق مشكلة حقيقة. هذا الداء اليوم موجود في كثير من البلاد العربية والاسلامية وتحت مسمى الحرية اللا محدودة بحيث أصبح الكل منشغل في حسم خصوماته باسلوبه الذي يعجبه بغية تحقيق اكبر نصر على الاخر وان كان الجميع في مركب واحد. فالاخوان الفرقاء على سبيل المثال في الارض المحتلة وفي لبنان و العراق خير دليل على ذلك فهم واقعون في ذلك الخلاف ----- المودي الى حتف الجميع في ساعة نام فيها العقل وثارت فيها العاطفة ---- مع الاعتبار ان لكل دولة ظروفها المختلفة. أخيرا وعلى مستوى الامة العربية كم تكرر ركوب مطية العاطفة والهوى لحل خلافات بسيطة فكان سببا في كثير من المشاكل مما هوى بامتنا في حروب ليس لها اي مبرر او لم يكن لها اي نتيجة ايجابية ربما هذه الحروب كانت مع الاعداء حينا وربما فيما بيننا حينا اخر. من المتضح ان علاقتنا فيما بيننا في عالمنا العربي قائمة في اغلب الاحيان على لغة الخلاف حتى اصبح البعض منا يتصور ان عالمنا العربي والاسلامي اصبح بؤرة خلافات متجددة غير منتهية تحول فيها الجميع الى خصوم الجميع والبعض خصما للبعض لكن يعود المرأ ويقول انه ليس من العقل ان نثور على اساس وثوابت العلاقة التي تجمعنا و تجمع مصالحنا العليا. فمن الجهل والحمق تحول الخلافات التافهة الى ساحة قتال تجند من اجلها القوى وتحزب الاحزاب من اجل اشباع غرائز يتم بواسطتها القفز فوق ثوابت الامة ومصالحها لاجل مصالح مستعجلة وجزئية أو شخصية. على الرغم من ان عوامل الخلاف موجودة في اي بلد عربي لكن ما نعانيه هو في كيفية توظيف عوامل الخلاف تلك. فالبعض منا يجعلها اسباب لخلافات اكبر والبعض يجعلها وسيلة لاسقاط الخصوم والبعض يحاول ان يقلب السفينة باكلمها وان كان هو فيها.الا ان منطق العقل يقول دعونا نختلف من اجل مصلحة قومية او وطنية او حتى حزبية او حتى في اعمالنا اليومية نريدها خلافات يقودها العقل والمنطق بحيث لانتعدى الحدود في ذلك الخلاف بسبب تدخل عواطفنا وغرائزنا فنثور على اسس العلاقات وثوابتها وندمر كل عزيز علينا مثل القيم العليا والمصالح المشتركة التي تجمع الكل ودعونا نختلف من اجل كسر عزلة الراي والهوى الذي اعتدناهما واصبحنا اسارى وعبيد لهما اونختلف للقرب من الاخرين ولمعرفة مالديهم من مزايا فكل انسان حباه الله امكانات وخصائص تفرد بها عن الاخرين. ثقافة الخلاف أصبحت تسير كل اوضاعنا واحوالنا و ربما السبب الفعلي لذلك هو الانجرار خلف العاطفة واقصاء العقل فنحن امة تحمل عواطف جياشة رغم ان اغلب نصوص الشرع في الدين الاسلامي تحاكي العقل. اذا كان لابد من الخلاف فليكن في حدوده المعقولة بحيث يسمح للحياة معه بالاستمرار وللقافلة بالسيرللمستقبل الواعد. والامثلة حولنا كثيرة تدل على ان الخلاف العادي لايوصل الى انتهاء مسيرة الحياة. فالرجل قد يختلف مع اهل بيته لكنه لا يدمر كل شي في بيته والصاحب قد يختلف مع صاحبه لكنه في الاخير يضطر الى احترام رأي صاحبه وان كان على النقيض وقد يختلف الطالب ايضا مع استاذه ولا يعني ذلك ان الاستاذ اسلوبه ممل او ان الطالب بليد او متكبر وقد يحدث الخلاف على المستوى الجماعي فقد تختلف الاحزاب في بلادنا العربية فيما بينها لكن لا يلغي احدها الاخر وفي النهاية الجميع يحترم الثوابت الوطنية وقد تختلف بعض الاحزاب مع النظام الحاكم لسبب او لاخر لكن لا يعني ان النظام فاشل لمجرد ارتفاع اسعار بعض السلع بحيث نجعل منها مشكلة ومعيار نحكم من خلاله على صلاحية او عدم صلاحية النظام وبالتالي وجب حل تلك الخلافات بقلب النظام على الجميع والتصرف بضمير العاطفة لخلق خلاف اكبر. هذه كلها صور متكررة معنا في كل وقت وحين في واقعنا العربي والاسلامي و منطق العقل يؤكد انه ليس من الحكمة ان يحكم احد اطراف الخلاف على الاخر بفشله أو الغائه أوعدم جدوى العلاقة معه لمجرد تلك الخلافات البسيطة ---- والا لهلك الجميع ولاصبحت حياتنا بؤس وشقاء و فوضى وتحول الوضع الى مصارعة عميان في ظلام دامس الكاسب فيه خسران---- وذلك لان الثوابت الانسانية باقية بين الجميع ولان الحياة مستمرة كون والجميع في نفس الوسط المعاش موجودين وهذا ما يوصي به العقل وما تقول به الفطر السليمة.