أحيا منتدى "أصدقاء المقالح" بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث اليمني اليوم بصنعاء ندوة تأبينية (أربعينية) خُصصت لفقيد النقد والأدب العربي الأستاذ الدكتور/ عز الدين إسماعيل، الذي أنتقل إلى جوار ربه قبل أربعين يوماً في مصر الكنانة بعد معاناة شديدة مع المرض ،وفي الندوة التأبينية قدمت عدد من الأوراق والمداخلات شارك فيها الدكتور عادل الشجاع، الدكتور عبد الواسع الحميري، الدكتور محمد النهاري، الدكتور غيلان حيدر، الشاعر محمد عبد السلام منصور، سلطوا خلالها مداخلاتهم وأوراقهم عن انجازات الفقيد النقدية والأدبية وعطاءاته المختلفة التي أنجزها خلال مسيرته الأدبية، ورفده المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات النقدية والشعرية-الأدبية عامة. وعبر الدكتور عبد العزيز المقالح- رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني- في مستهل الندوة عن حزنه الكبير لرحيل عز الدين ناقداً وشاعراً ومفكراً ، واصفاً إياه بأنه مدرسة نقدية وأدبية متفردة. وقال المقالح: بكل ما ينطوي عليه القلب من أحزان وأشجان، وبكل ما تنطوي عليه النفس من ذكريات إنسان حي لن يستطيع الموت الذي أختطفه من أربعين يوماً أن يغيبه عن أمته بعد أن سكن وجدانها ولاعن محبيه وتلاميذه الذين امتلأت به قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم، وعاشوا معه رحلة عملية شائقة وممتعة ومقنعة، أدركوا خلالها وسيظلون يدركون أنهم كانوا سعداء ومحظوظين بالاقتراب منه والتكون والتعلم على يد رجل استثنائي قيمته الجوهرية أنه شكل بمفرده مؤسسة علمية وثقافية وفكرية وإبداعية استطاعت بصبر وإخلاص وصدق أن تنجز مشروعاً قادراً على إنارة الواقع وعلى مقاومة ظواهر سقوطه وتناقضاته. كما ألقيت عدد من المداخلات من قبل عدد من الشعراء والأدباء صبت في مجملها حول مسيرة الراحل وعطاءاته. وفي نهاية الندوة ألقى الشاعر الحارث بن الفضل بصوته مجموعة من قصائد الراحل تعبيراً عن المكانة التي يوليها الأدباء والشعراء اليمنيين لاسيما وأن أغلب المتحدثين والنقاد اليمنيين هم ممن تتلمذوا على يد الأديب الراحل وتأثروا به كمدرسة نقدية عربية متفردة وفي مقدمته الدكتور عبد العزيز المقالح والدكتور عادل الشجاع. وقد ختم الشاعر مأمون الربيعي الندوة وألقى بدوره قصيدة بصوته من قصائد الراحل أيضاً. هذا وكانت مصر العروبة والعالم العربي قد فقد في الأول من فبراير 2007 الدكتور عز الدين إسماعيل- وهو واحد من جيل العظماء المؤسسين. بدأ عطاؤه في مرحلة مبكرة من العمر، حيث بدأت مشاركته في الحركة الأدبية بكتابة المقالات الأدبية عام 1948 في مجالات: الثقافة والمجلة والأزهر والآداب البيروتية والمسرح والفنون والعربي وسواها. ومنذ دخوله الساحة الأدبية- بحسب ما أورته له من سيرة مجلة "أقلام"- أخذ يتحول إلى مؤسسة متكاملة، ظهرت بوادرها في أثناء دراسته للماجستير، حيث فاجأ المجتمع الأدبي بكتابه الرائد ( الأدب وفنونه) الذي أثار ضجة كبيرة عند صدوره عام 1954.. إذ كان صدوره إعلانا عن مولد هذه المؤسسة التي اعتمدت ركيزتين مهمتين: الركيزة الأولى: المعرفة الواعية بتيارات الأدب، والأخرى: الإدراك العميق لنظرية الأدب، وقد قدم لهاتين الركيزتين بالقراءة المنصفة للتراث النقدي والأدبي العربي التي تجلت في كتابه المبكر( الأسس الجمالية في النقد العربي). كانت له نظرته الشمولية المنفتحة علي معظم الفنون القولية، والتي لم تكن تكرارا لمن سبقه أو عاصره، بل كانت نظرة متفردة ومتكاملة علي صعيد واحد, وذلك علي الرغم من تعدد روافده التراثية والحداثية، وكل ذلك ساعد في تكوين هذه المؤسسة وصعد بها في مدارجها الثقافية من ناحية، والوظيفية من ناحية أخري، حيث تولي عمادة كلية الآداب جامعة عين شمس، ثم رئاسة مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب, ثم رئاسة أكاديمية الفنون. ومن بين هذه الوظائف كانت رئاسته لتحرير مجلة (فصول) ثورة في حركة النقد المعاصر، حيث استطاع من خلالها أن ينقل النقد العربي علي مستوي التنظير والتطبيق إلى أفق الحداثة العالمية، وأن يفتح الطريق أمام كوكبة النقاد الحداثيين الذين يحتلون القمة في هذا الزمن. وقد تحركت جهود عز الدين إسماعيل من الحدود الرسمية إلى الواقع العام، فأنشأ (الجمعية المصرية للنقد الأدبي) عام 1988، التي كانت امتدادا (للجمعية الأدبية المصرية) التي تأسست عام 1952، وكان من أبرز أعضائها مع الدكتور عز الدين: فاروق خورشيد، وصلاح عبد الصبور، وعبد الرحمن فهمي، وأحمد كمال زكي، وعبد الغفار مكاوي، وحسين نصار. إن قراءة جهد هذا الرائد العظيم تلحظ إن الشعر قد نال منه اهتماما كبيرا- سواء في ذلك الشعر العربي القديم والشعر الحديث والحداثي، وقدم في هذا السياق كثيرا من المؤلفات، مثل (في الشعر العباسي) و(الشعر المعاصر في اليمن) و(الشعر القومي في السودان) و(الشعر في إطار العصر الثوري) و(التفسير النفسي للأدب) وتوجها بكتابه الرائد (الشعر العربي المعاصر) عام1967. ولم تنحصر جهوده في الشعر، بل امتدت إلى مجمل الفنون القولية في القصة والرواية والمسرح، وهو في ذلك كله كان معنيا بالتوفيق بين ما عنده من التراث، وما وفد من المنجز الغربي, والتوفيق بين التنظيرات الوافدة والإجراءات التطبيقية علي النص العربي، معتمدا ما قدمته نظرية الأدب من ناحية، وما قدمته نظرية المجال من ناحية أخري. وبجانب ذلك كله كان عز الدين إسماعيل شاعرا مبدعا، بدأ بكتابة الشعر في اواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، برغم إن النقد أخذه من الشعر، فقد كتب مسرحية شعرية هي( محاكمة رجل مجهول) و(أوبرا السلطان الحائر) المأخوذة من مسرحية توفيق الحكيم (السلطان الحائر) وديوان( دمعة للأسي .. دمعة للفرح) عام2000. أما ديوانه الأخير بعنوان( هوامش في القلب) فقد صدر يوم وفاته دون أن يراه. وتتسع جهود هذا الفقيد علي كل مصري وعربي، فيترجم بعض المسرحيات العالمية، وبعض الكتب النقدية التي تتعلق ب(نظرية التلقي) و(نظرية الخطاب). وقد عرفت له الأمة العربية فضله، فمنحته أرفع جوائزها: جائزة التقدم العلمي من الكويت, وجائزة النقد من العراق، وجائزة فيصل العالمية، ومنحته مصر جائزتها التقديرية عام1985. والفقيد حاصل علي درجة الليسانس في قسم اللغة العربية وآدابها عام1951 ثم أكمل دراسته العليا في جامعة عين شمس, وحصل علي درجتي ( الماجستير والدكتوراه) 1954 1959.