تم بتاريخ 25/3/1957 في روما التوقيع على اتفاقيتين حول تأسيس "المجموعة الاقتصادية الأوروبية" وكذلك "مجموعة الطاقة الذرية الأوروبية"، ولكن لماذا تم اعتماد توقيع هاتين الاتفاقيتين كأساس لتأسيس ما يعرف اليوم ب "الإتحاد الأوروبي"؟ "لا يمكن خلق أوروبا الموحدة بغمضة عين، و لا بخطة أحادية" لقد صدقت تلك الرؤية التي أطلقها روبرت شومان عام 1950. فقد تنبأ وزير الخارجية الفرنسي بأنه سوف تكون هناك حاجة لعقد مشاورات ومؤتمرات واتفاقات لا حصر لها لأنشاء مثل هذا الاتحاد الذي نشهده اليوم. لم يساهم رأي أو خطة بعينها لتجاوز التباين الثقافي والاجتماعي لمكونات الشعوب الأوروبية والمحافظة على خصوصية كل منها. أن "اتفاقيات روما" لم تنص على تأسيس ما يسمى ب "الولاياتالمتحدة الأوروبية" كما اقترح آنذاك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "وينستون تشرشل" عام 1946، ولم تكن تلك الاتفاقيات أول اتفاقيات مؤسسية أوروبية، فقد اعقبتها في عام 1952 اتفاقية تأسيس "مجموعة الفولاذ والفحم الأوروبية"، وفي عام 1954 طرحت فكرة تأسيس "مجموعة الدفاع الأوروبية"، إلا أن هذه الأخيرة سقطت ضحية التحفظات التي كانت قائمة بين كل من ألمانياوفرنسا التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتلاشى بذلك أمل نسيان الماضي والوصول إلى مصالحة أوروبية. وأخيراً، تم في العام 1957 تأسيس "المجموعة الإقتصادية الأوروبية" التي أعطت دفعة جديدة للعمل الموحد وحققت طموع الدول الرائدة التي كانت تطمح لتوحيد أوروبا قادرة على نسيان آلام الحرب. ويمكن القول أن تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية هو من حدد مستقبل أوروبا. الدول الستة الأعضاء المؤسسة هي في الوقت نفسه أكبر أسواق في العالم! اتفقت الدول الستة الأعضاء المؤسسة، وهي كل من بلجيكاوفرنساوألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا، على تأسيس منطقة اقتصادية كبرى توفر انتاجاً وافراً، وتسمح في الوقت نفسه بالتوسع، وتزيد من آفاق الاستقرار والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الاعضاء، كما يقول وزير الخارجية البلجيكي الأسبق "باول هنري سباك" في هذا السياق. وعلى الرغم من التركيز على الاهداف الاقتصادية، فلم يتم الوصول الى تلك الاهداف الا من خلال وجود إرادة وأدوات سياسية. فقد كانت فرنسا وهولندا ولوكسمبورج وليشتنشتاين (ابرز ضحايا الغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية) مهتمة على وجه الخصوص بفكرة انشاء اتحاد يرسي قواعد السلام والاستقرار من خلال الروابط الاقتصادية. لقد وضعت اتفاقيات روما هدفاً اسمى للاتحاد الاقتصادي يتمثل في تحقيق الازدهار الاقتصادي من خلال التنافس في السوق دون فرض قيود داخلية. وقد افرز تأسيس "المجموعة الأوروبية" عام 1967 من خلال اندماج مؤسسات المجموعة الأخرى معاً، أفرز اتحاداً جمركياً عام 1968 شجع العديد من الدول الأخرى للانضمام الى المجموعة، ففي عام 1973 انضمت كل من الدنمارك وايرلندا، مما اعطى دفعاً مضافاً للمجموعة الاوروبية، كما ابدت دول أخرى رغبتها في الانضمام. اضف إلى ذلك، مهد اعتماد عملة موحدة للمجموعة عام 1979 ومن ثم التوقيع على اتفاقية "الشينجن" عام 1985 الطريق الى توحيد السوق الاوروبية، وعلى الأخص فيما يتعلق بحرية تنقل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال وكذلك حرية تنقل مواطني أوروبا، وهو العامل الأهم بالنسبة لمواطني أوروبا. تطور الإتحاد من مجموعة اقتصادية إلى إتحاد سياسي: في الوقت الذي حددت فيه اتفاقية روما العديد من الأهداف الاقتصادية، فقد مثلت في الوقت نفسه الأساس لنشوء مؤسسات سياسية مشتركة، على سبيل المثال "المفوضية الأوروبية" و "الجمعية الأوروبية" (التي تحولت فيما بعد إلى البرلمان الأوروبي) و "محكمة العدل الاوروبية" و "اللجنة الاجتماعية والاقتصادية"، ومن هنا ترجمت نبوءة الوزير الفرنسي شومان إلى أرض الواقع. في عام 1979، دعيت الشعوب الأوروبية لاول مرة لانتخاب ممثليهم في البرلمان الأوروبي، ومن خلال معاهدة ماسترخت (معاهدة انشاء الاتحاد الاوروبي) عام 1992، اتفقت الدول الإثنا عشر الاعضاء على تعميق الاواصر الاقتصادية وتوحيد العملة من خلال اعتماد عملة جديدة مشتركة هي "اليورو". وقد توسعت الروابط الاوروبية الاجتماعية والاقتصادية، حيث تم الاتفاق على وضع سياسية امنية وخارجية مشتركة للدول الاعضاء، كما شمل ذلك وضع سياسة قانونية داخلية. ومنذ ذلك الحين، فقد شكلت اتفاقيتا امستردام (1997) و نيس (2000) تكاملا للمؤسسات يهدف الى الاستعداد لقبول اعضاء جدد. في العام 2002 استبدلت العملات الوطنية باليورو لاثني عشرة دولة من مجموع خمس عشرة دول من الدول الاعضاء (باستثناء الدنمارك والسويد والمملكة المتحدة)، وبعد عامين قام رؤساء الدول الأوروبية بالتوقيع على اتفاقية "اقامة دستور أوروربي موحد"، الا ان تطبيق الدستور لم يدخل حيز التنفيذ لحد الان بسبب رفض كل من فرنسا وهولندا التصويت لصالحه. لقد تنامت المجموعة الاقتصادية الاوروبية التي تأسست عام 1957 لتصبح فيما بعد اتحاداً اوروبيا يتألف اليوم من 27 دولة أوروبية توحد الان معظم القارة الاوروبية بعد سنوات مريرة من الحرب والمعاناة لضمان ازدهار واستقرار القارة. يحتفل مواطنو الاتحاد الاوروبي اليوم في 27 دولة ب "عيد أوروبا" وهو اليوم الذي بدأ فيه تطور اوروبا الموحدة. ندعو كافة الاصدقاء اليمنيين لمشاركتنا هذا الاحتفال.