ليت ان وضعنا العربي يمثل وسطا بين شعوب الارض قاطبة كون موقعنا العربي في وسط العالم في الخارطة العالمية. لكن للأسف يوم ان كان العالم شرقا شرقنا وعندما اصبح غربي الاتجاه غربنا. فاين نحن وكيف نحقق مصالحنا؟ عملية التحول من الانظمة الشمولية الى الانظمة الديقراطية أفرزت تغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ألقت بظلالها على كثير من الدول العربية على المستوى الفردي والجماعي. فقد اظهر هذا التحول السريع والمفاجئ للكثير من الأنظمة العربية مخرجات كثيرة منها ما هو ايجابي والكثير منها سلبي وخاصة على المدى الطويل. ومن التحول في المجال الاقتصادي إن اقتصاديات الدول العربية تحولت إلى الاقتصاد الرأسمالي الحر والذي من مفرداته الاهتمام بتنمية المجتمع المدني وبناء مؤسساته وما يتبع ذلك من تمويل مشاريع تشجع بناء القدرات الذاتية الفردية والجماعية في المجتمع. وذلك للتحول إلى مشاريع خاصة وهو مكسب رائع يهدف إلى إنعاش الفرد والمجتمع معا هذا إذا فعلا كان المجتمع مع مؤسساته مهيأ لاستثمار كل ذلك. لكن للأسف العالم الثالث اثبت انه غير مهيأ لاستغلال ذلك التمويل والاستفادة منه وخاصة حسب شروط مصدر التمويل. والمجتمع العربي جزء مهم من ذلك العالم الثالث. كل هذا جعل ذلك التمويل يتحول إلى ديون مستقبلية مع فوائدها المتراكمة. وعلى مستوى الاقتصاد عموما ومع بريق وزخرف هذا التغيير قد تنشغل الحكومات فتنسى دورها في الاهتمام بمؤسسات الدولة العامة مثل الصحة والتعليم والمواصلات... وما سواه من خدمات تقدم ولو بأسعار رمزية. هذا التجاهل يرمي إلى خصخصة تلك المؤسسات العامة مستقبلا والذي بدوره يزيد في أعباء المجتمع ويقصي الحكومة عن تحمل أعبائها تجاه المجتمع وحقوقه. وعلى المستوى السياسي شاركت المعارضة في العمل السياسي وذلك بغرض التداول السلمي للسلطة. وللأسف ولقلة المعرفة والخبرة ولكون التجربة جديدة وغريبة بكل ما تعني الكلمة تحول الناس إلى جماعات وأحزاب الغرض منها في الأصل خدمة الوطن والإسهام إيجابا في تفعيل كل إمكانات وفعاليات المجتمع بأكمله بما يصب في مصلحة الوطن لكن ونتيجة للجهل تحول العمل السياسي إلى تراشق واتهامات وسباب وشتام، بل وتطور الأمر إلى أن يعبث بمقدرات المجتمع ومكاسبه ومصالحه العامة. العمل السياسي في ظل وضع كهذا تحول إلى تعبئة الأفراد بأفكار خاطئة وضيقة بل وغرس ولاءات لا تخدم الوطن. كوادر الأحزاب زج بها في تعصبات لا تخدم لا من قريب ولا من بعيد جوهر العملية السياسية فأصبحت كل الأحزاب وسيلتها غايتها وغايتها وسيلتها فهي تقريبا تخدم التعصب أكثر من الأهداف والأسباب التي أنشئت من اجلها وهي التسريع في تنمية وخدمة الوطن إيجابا. اجتماعيا تحول اغلب الناس إلى أشباه أتباع يسبقها الفقر ويلحقها التعصب الممقوت في ظل الولاءات الضيقة واتساع ساحة الفراغ لديهم. حتى كبار القوم ومن كانوا يمثلوا واجهات اجتماعية ومرجعيات وطنية أصابهم مرض التخصص الحزبي فتقزموا وتشرذموا إلا القلة القليلة والتي تدور حيثما دارت المصالح العامة للمجتمع والتي ما يزال الناس يؤملوا فيها الخير كونهم يحملوا هموم الجميع. فقد كانت اجتماعيا تسود بين الناس علاقة الحب القائمة على قاعدة حب الدين والوطن وكانت هناك قواسم عميقة ومشتركة تجمع الجميع. أتت رياح التغيير وحاولت إضعاف هذه القواسم فأصبحت علاقة الناس تحكمها مصالح زائفة وضيقة ومتغيرة بتغير الأفق الحزبي الضيق والولاء المصلحي فأصبح الحزب وطن وثقافته ثقافة يغذى بها الأفراد ولو أدت إلى غرس مفاهيم تسقط ثقافة الوطن والتي تمثل قواسم مشتركة تجمع مصالح الجميع. لاشك إن ما يحدث من تغير قد يراه البعض طبيعيا كون التجربة جديدة وغريبة فانه لابد أن تلحقها فاتورة فيها تكلفة سياسية واجتماعية واقتصادية. لكن على الحكومات العربية أن تدرك تلك التكلفة وحدودها بحيث لا تسمح لها أن تتجاوز الخطوط الحمراء مثل الثوابت الوطنية والمصالح المشتركة فنشوة العمل الحزبي في ظل الجهل المخيم وغرابة التجربة وتبني مفهوم نحن على حق وغيرنا خطأ، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة قد ينحرف العمل السياسي عن مساره بقصد أو بغير قصد مما يعني إضعاف الدولة وتشجيع الخاص على العام، وتقديم الجزء على الكل وتحطيم البناء وتدمير مكاسب المجتمعات لترميم الزخم الحزبي الضيق. إن التحول التدريجي من العام إلى الخاص أو العكس والمصبوغ بصبغة عربية يكاد يكون مفقود سياسيا واقتصاديا إلا في حدود ضيقة قد لا تبدو في ظل تلك الأجواء الغائمة، مما يجعل الجميع يتساءل أين نحن من كل ما يحدث؟