إعلام الانتقالي: طيران حربي سعودي يقصف هضبة حضرموت وقوات النخبة تسيطر على المنطقة    احياء مناسبة جمعة رجب في مسجد الإمام الهادي بصعدة    مقتل 6 وإصابة نحو 20 بانفجار داخل مسجد في حمص    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ونصائح للمزارعين ومربي الماشية والنحل والدواجن    مفتاح: جمعة رجب محطة إيمانية تجسد هوية الأنصار وجاهزية اليمن للجولات القادمة    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    كاتب حضرمي يطالب بحسم الفوضى وترسيخ النظام ومعاقبة المتمردين    بافقيه: تحالفات صنعاء ضد الجنوب تؤكد أننا شعبان ودولتان مختلفتان    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسييس المقدس وتقديس المسيس
نشر في نشوان نيوز يوم 20 - 03 - 2014

‘تسييس المقدس; مصطلح يشير إلى جعله وسيلة لتحقيق غرض سياسي ينحصر غالباً في احراز السلطة والثروة، وبالمقابل فإن ‘تقديس المسيس، مصطلح يعني رفع السياسي إلى مرتبة لا تجوز معها مساءلته عما يفعل، وإعطاءه حصانة ضد المساءلة القانونية، وجعله فوق القانون، وبالمجمل فإن هذا التعاطي يضر بالمقدس بوضعه في خانة التسييس، في وقت ينفع فيه المسيس برفعه إلى خانة التقديس.
والمصطلحان كلاهما يسيران متساوقين لخدمة الهدف النهائي المتمثل في الوصول عن طريق الدين إلى الثروة والسلطة، ومن ثم تحصين الواصلين إليهما ضد المساءلة حال أساؤوا التصرف فيهما.
وفي عبارة منسوبة للخليفة العباسي المنصور، يقول فيها: ‘أنا سلطان الله في أرضه وأنا حارسه على ماله'، إشارة واضحة إلى التوظيف النفعي للدين من أجل الوصول إلى السلطة/ سلطان الله، والثروة/ مال الله، اللتين جعل المنصور نفسه مسؤولاً عنهما. وبتفكيك العبارة المذكورة، نجد أنها تحوي مضمون ‘تسييس المقدس;، وذلك بادراج لفظ الجلالة المقدس ‘الله' مرتين في العبارة، ليغدو المنصور منسوباً بشكل مباشر إلى الله في عبارتي ‘سلطان الله' و'حارس مال الله'، كما أن في العبارة مضمون مصطلح ‘تقديس المسيس;، وهو في هذه الحال الخليفة المنصور، وذلك بكونه سلطان الله، وبكونه حارس مال الله.
ولأن العباسيين في نظر العلويين غصبوا الملك الذي هو ‘حقهم من الله'، فإن العلويين بالغوا بشكل كبير في تكريس مفهوم الإمامة بمعناها الديني والسياسي، كما أضفوا على أئمتهم هالة أسطورية، انتشرت في ما بعد في فضاءات الفكر السياسي الشيعي، في تسييس للمقدس وتقديس للمسيس على المستوى النظري بصورة واضحة، وبشكل أكبر مما فعل العباسيون.
وقبل العباسيين والعلويين، يحكي القرآن والعهد القديم قصة فرعون، الذي يعد تجسيداً حقيقياً لفكرة التسييس والتقديس، فعندما أحس فرعون أن النبي موسى عليه السلام يحاول هدم شرعيته السياسية لجأ إلى الدين مستعيناً به في وجه النبي في حيلة عجيبة هدفت إلى ضرب النبي بالدين، وذلك باستدعاء الجماهير للدفاع عن دينها ضد النبي وإظهار فرعون في مظهر المدافع عن الدين، كما في الآية ‘إني أخاف أن يبدل دينكم'.
هي إذن القصة القديمة التي دأب عليها المغامرون السياسيون والانتهازيون الماليون للحصول على السلطة والثروة، قصة ‘الدين النفعي'، الذي يستغل كوسيلة لتحقيق المنفعة الخاصة، في مقابل ‘الدين الوظيفي'، الذي يوظف لتحقيق ‘المصلحة العامة'، أو لنقل إنها قصة ‘تسييس المقدس;، بمعنى جعل الدين وسيلة لتحقيق ‘مصلحة'، بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق ‘قيمة'، والمصلحة هي ‘المنفعة الخاصة'، في حين أن القيمة هي مرادف ‘المصلحة العامة'.
وبعبارة أخرى جاء الدين ليصل به المتدينون إلى مستوى روحي/قيمي يؤهلهم للوصول إلى الله بتحقيق القيمة، غير أنهم – أو كثيرا منهم – اتخذوه وسيلة وصلوا بها إلى تحقيق المصلحة، وهذه المصلحة لا تعدو كونها مصلحة في ثروة أو سلطة أو فيهما معاً، مع أن الوصول إلى الله يرمز في الدين الى التحرر من سيطرة السلطة والثروة، لأن مصطلح ‘حق الله' في القرآن ينصرف في جزء كبير منه إلى ‘حق المجتمع; الذي لا يتعارض مع ‘مصلحة الفرد'، فمال الله هو مال المجتمع، لأن الله ليس في حاجة إليه، وسلطان الله مفوض إلى المجتمع الذي يختار من يحققه عن طريق الشورى.
وعوداَ على تسييس المقدس، سنأخذ على سبيل المثال لفظ الجلالة ‘الله'، وهو ‘قدس الأقداس; في الأديان. حيث تعرض هذا اللفظ المقدس للاستهلاك النفعي (سياسياً واقتصادياً) بشكل واسع، وفي أزمان وأماكن وأديان مختلفة. وقد دخلت الكلمة في ألقاب وشعارات سياسية، وأسماء لأحزاب ومنظمات سياسية ومليشياوية عسكرية في الماضي والحاضر.
وقد عرف تاريخ الإسلام ملوكاً ظالمين حادوا عن تعاليمه، ومع ذلك فقد وظفوا المقدس في ألقابهم لإضفاء هالة من القداسة على ذواتهم، بعد أن تلقبوا بألقاب ‘المعتضد بالله، والمعتمد على الله، والحاكم بأمر الله والمتوكل على الله، والناصر لدين الله، والمعز لدين الله، والمنصور بالله'، وغيرها. وفي العصر الحديث تسمت منظمات ومليشيات مقاتلة بأسماء وظفت لفظ الجلالة بالطريقة ذاتها، من مثل ‘حزب الله وثأر الله، وبقيت الله (تكتب هذه الجماعة اسمها بالتاء المفتوحة على الخط الفارسي لأنها إيرانية المنشأ) وأنصار الله'، وجميع هذه الجماعات المذكورة حركات تمارس عملية تسييس واضحة للمقدس للوصول إلى أهداف سياسية طائفية في مجملها.
والملاحظ أن ما ذكر من حركات تدور في فلك النظام في إيران الذي يقوم أساساٍ على مجموعة من الأفكار التي هي أقرب إلى الثيوقراطيا والدولة الدينية القائمة على مشروعية ‘ولاية الفقيه' التي طورها الراحل الخميني، والتي تتمحور حول فكرة أن الزعيم الإيراني الأعلى هو ولي المسلمين وفقيههم، وهو نائب الإمام المستور المهدي الذي يتلقى منه ‘الولي الفقيه' مباشرة توجيهاته في ما يخص الشأن العام.
والملاحظ أن لفظ الجلالة ‘الله' يدخل كذلك في ألقاب الزعماء الدينيين والسياسيين الإيرانيين كما في ألقاب ‘آية الله، وآية الله العظمى وروح الله، وسر الله'، وغير تلك من الألقاب التي يبدو أنها انعكاس لتسرب أفكار هندو – فارسية قديمة في ما يخص نظريات الحق الإلهي التي انتقلت في ما بعد إلى أوروبا في العصور الوسطى، وتأثر بها الفكر السياسي الشيعي إلى حد كبير. الأمر الذي يضفي ضرباً من التقديس على قيادات سياسية في حقيقتها، غير أنها توظف المقدس في ألقابها لتؤسس لمشروعية سلطتها على أساس ديني، تماماً كما كان فعل الخلفاء العباسيون في الماضي.
وإذا وجد ‘تسييس المقدس; فلا بد أن يلازمه ‘تقديس المسيس;، الذي يرتفع إلى مستوى التقديس، وقد جعل الخميني نفسه فوق القانون لأن لديه سلطة تغييره.
والحقيقة أن ثنائيتي التقديس والتسييس دخلتا ضمن أدبيات وشعارات الكثير من الحركات الإسلامية، وكتبت الآيات على كثير من الرايات والأعلام لغرض التحشيد الجماهيري في معارك السباقات الانتخابية، بل والعسكرية القتالية. نقرأ على راية حزب الله على سبيل المثال – ‘فإن حزب الله هم الغالبون'، في محاولة من تلك المجموعة لإسقاط أوصاف ‘حزب الله' المذكور في القرآن على الجماعة التنظيمية في لبنان.
وتأتي خطورة ذلك من أن كتابة الآية على الراية تعني أن هذه الجماعة الغيبية في شقها الديني ترى أنها هي التفسير الحقيقي والعملي للقرآن، والترجمة الوحيدة للآية على أرض الواقع، وهذه مجازفة أقرب إلى الادعاء منها إلى الحقيقة، لأن مصطلح ‘حزب الله' في الآية لا يمكن الجزم بإسقاطه على مجموعة بعينها أو فرقة بعينها، ناهيك عن جماعة يقول عنها القريبون منها أنها بعيدة أصلاً عن روح التدين والحفاظ على الشعائر
.
وضمن سياسة ‘تقديس المسيس; دأب حزب الله على تجريم وتحريم التعاطي مع قيادته أو سلاحه، وأضفى عليهما (القيادة والسلاح) ضرباً من القداسة بشكل يجعل القيادة فوق النقد، ويجعل السلاح فوق التفاوض عليه في لبنان، حتى بعد أن أوغل في دماء السوريين وأدار ظهره لفلسطين.
ومع كل ما ذكر فليس حزب الله ولا إيران وحدهما في السير على منوال سياسات التسييس والتقديس، ولكن هناك جماعات إسلامية أخرى تكتب آيات قرآنية على راياتها، وتحاول إضفاء التقديس على زعاماتها، وهذا في مجمله بعيد عن مقاصد الإسلام الذي كان من أول مهام نبيه إعلان الحرب على رجال الدين من الكهان والأحبار والرهبان، الذين كانت لهم سلطات واسعة وثروات طائلة، بل إن الإسلام ألغى أصلاً طبقة رجال الدين لتكون العلاقة مباشرة بين الإنسان وخالقه من دون وساطة من أحد، ولكي لا تتاح الفرصة لتسييس المقدس وتقديس المسيس، حينما يغدو الدين مجرد حلف غير مقدس بين دور العبادة وقصور الملك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.