ساعر: واشنطن لم تبلغ تل ابيب بوقف قصفها على اليمن    السياسي الأعلى: اليمن يتموضع بقوة في المنطقة ويواصل دعم غزة    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    هيئة الرئاسة تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية محليا وإقليميا    السودان.. اندلاع حريق ضخم إثر هجوم بطائرات مسيرة في ولاية النيل الأبيض    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    صنعاء .. الافراج عن موظف في منظمة دولية اغاثية    لماذا تظل عدن حقل تجارب في خدمة الكهرباء؟!    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    قالوا : رجاءً توقفوا !    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    باجل حرق..!    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرق بين المؤامرة ونظرية المؤامرة وخطورة الخلط بينهما (7)
نشر في نشوان نيوز يوم 07 - 12 - 2013

في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها
حكمة من يريد تجنب الخطأ
ثمة فهم تبسيطي خاطئ لنظرية المؤامرة يقوم على الخلط بين ما يسمى ب Conspiracy Theory (نظرية المؤامرة) والمؤامرة ذاتها Conspiracy، مع ان ثمة فرقا كبيرا بينهما لم يمنع البعض من استعمال الاولى (نظرية المؤامرة) لاخفاء الثانية (المؤامرة) بتعمد غالبا، فالبعض يدعي ان لفت النظر الى وجود مؤامرة تنفذ فعلا يقع في صلب نظرية المؤامرة في حين ان هذه النظرية لها اركان معروفة في علم السياسة وفن السياسة، اذن: ما هو الفرق بينهما؟
للاطلاع على الحلقات السابقة
نظرية المؤامرة تقوم على نسب كل الاحداث الى وجود مخطط سابق لمتآمرين سريين يتحكمون بسير الاحداث العالمية، بحيث لا يقع حادث كبير الا وربط بتلك المؤامرة، فتصبح كل التطورات عبارة عن اجزاء في مسلسل كبير، الى هنا قد يكون منطق النظرية مقبولا الى حد ما، ولكن هذه النظرية، بالكثير من اشكالها، تقع، او توقع وحسب الحالة، في فخ المتآمرين الفعليين انفسهم حيث ان توسيعها لتصبح اعلانا لمبادئ التحول المسيطر عليه بالكامل من قبل منظمات سرية فوق الحكومات يتحول اما الى مرض نفسي هو الارتياب (بارانويا) يجعل الانسان شكاكا بكل شيء، او انه في حالة خطرة يجعله منساقا خلف تيار مخابراتي لا يعلم عن وجوده شيئا، وان علم عنه فبالامكان اقناعه عبر الاعلام وغيره بان ذلك مجرد وهم!
ومن بين ابرز أشكال نظرية المؤامرة المبالغات الفجة في قوة الماسونية واعتبار العالم كله واقعا تحت نفوذها وسطوتها، مع ان الأمر ليس كذلك، وبناء عليه تفسر كل الاحداث وفقا لمشيئة الماسونية التي لا تقهر كما كانت امريكا قوة لا تقهر قبل غزو العراق لكن مقاومة العراق قهرتها واذلتها. وباقناع بعض الناس بوهم القوة التي لا تقهر تزرع فكرة خطيرة في اذهان الناس وهي ان الفاعل الحقيقي، وهو المستعمر والغازي الاقليمي او الدولي يترك بلا متابعة بحجم دوره التدميري لانه مجرد واجهة للعصابة الخفية فنقاتل او نستسلم لقوة مجهولة ببساطة لاننا لا نستطيع توجيه ضربة لشيء لا نراه ولا نعرفه ولا نستطيع تحديد مكانه!
ويذهب البعض الى ابعد من ذلك بافتراض ان العالم كله مسير منذ ادم وحواء وحتى الان من قبل الشيطان ورديفه المسيح الدجال وحزب الشيطان الذي يضم مخلوقات احتلت الجسد البشري واصبح شكلها بشري لكنها عبارة عن مخلوقات تنتمي لجنس يشبه السحليات وهو المسيطر على الارض كلها واتى من الفضاء الخارجي لاستعمار الارض! اما عند (اعز) جيراننا وهم الفرس فقد طوروا نظرية عودة المسيح والمسيح الدجال ووضعوا المهدي المنتظر محل المسيح فخلطوا بين المسيح والمسيح الدجال والمهدي المنتظر! وحولوا الانسان الى مخلوق اسوأ من الحيوان في خضوعه لفتاوى ونظريات رجال الدين وقبوله بكل ما يصدر عنهم حتى لو كان توقع المستحيل وقلب التاريخ الانساني رأسا على عقب! وتبعا لذلك فان مصيرنا مقرر سلفا من قبل المنتظرين: المسيح والمسيح الدجال والمهدي المنتظر! لذلك علينا ان ننتظر الانقاذ من المنتظرين ونترك العمل ونمارس شتى اشكال السخافات والاعمال المقززة.
اما الاقل غرابة من نظريات المنتظرين فهو نظرية ايريش فون دينكين السويسري الذي روج لنظرية ان الانسان عبارة عن مخلوق نتج عن تزاوج البشر الذين كانوا اغبياء مع مخلوقات هبطت من السماء وتتمتع ذكاء خارق فانجب هؤلاء من يسمون ب(ابناء الالهة) في الاساطير القديمة! وطبقا لهذه النظرية فان الانسان والكرة الارضية عبارة عن مختبر كبير لتجربة المخلوقات فيها وتشرف على تلك الاختبارات اجناس بالغة الذكاء يصفها دينيكن باننا بالنسبة لها مثل النمل بالنسبة لنا! وكتابه (عربات الالهة) هو احد اهم مصادر هذه النظرية.
نظرية المؤامرة هذه هي المؤامرة الحقيقية لانها تتآمر على وعي الانسان السليم بتشويهه وتعطيل رده واجباره على انتظار المهدي او المسيح لينقذه!، كما انها تآمر على حرية الانسان وكرامته الانسانية ومصيره وجعل تطبيق العدالة بعيدا وحلما اسطوريا، فمن يروجها ربما لا يعلم نتائجها وابرزها استبعاد الانسان وتسييره كعبد لا عقل له ولا إرادة وهكذا تستمر العصابة الفعلية باستغلال العالم وهي عصابة اوغاد الرأسمالية العالمية دون تحميلها المسؤولية كاملة عما يقع من مظالم. وتقوم هوليوود بدور حاسم في تنفيذ تلك الخطة الجهنمية لاستعباد البشر بغسل ادمغتهم وزرع افكار خيالية تسلبهم القدرة على النضال من اجل حياة حرة كريمة، ومن يتذكر الافلام والمسلسلات الامريكية حول الفضاء والخيال العلمي يدرك مانقصده مثل فيلم (لقاء من النوع الثالث) ومسلسل (ستارترك) وما يروج منذ بضع سنوات خصوصا في الانترنت حول (القادمون) لغزو العالم من الفضاء الخارجي!!
نظرية المؤامرة اذن عمل منظم، مخابراتي غالبا، لتسيير الانسان وسلبه حرية العمل والمبادرة بجعله يظن انه لا يستطيع التحرر من قوى جبارة تتحكم به وبمصيره وان عليه فقط ان يستسلم! فهل تطابق هذه النظرية مفهوم المؤامرة؟ ان مفهوم المؤامرة شيء اخر مختلف وان تشابهت الاسماء وهذا هو احد اسباب خلط مثقفين بين نظرية المؤامرة ومفهوم المؤامرة، فالمؤامرة كل عمل يوضع لتغيير حالة او لإلحاق الضرر بشخص او جماعة او دولة، وسميت مؤامرة لانها تقوم على السرية غالبا لاجل تضليل الضحية وجعله لا يفهم ما يجري حوله لاجل ضمان تصفيته، او اذا انتبه وفهم يضلل باكثر من طريقة لإبقائه غافلا عما يعد له.
ولذلك فمفهوم المؤامرة هو عمل بشري وليس له صلة بقوى خارقة لا يمكن قهرها سواء كانت عصابة بشرية متفوقة او مخلوقات غريبة، وهو بسبب بشريته قديم قدم صراعات البشر واتخذ اشكالا مختلفة ومارسه كل الحكام وربما بعض الناس على مستوى فردي، فالذي يريد الاستيلاء على مال غيره يخطط للقيام بذلك بسرية ويتظاهر بالورع والتدين غالبا – تذكروا ان اخطر ادوات احتلال العراق هم رجال الدين سنة وشيعة – لاجل خداع الضحية وضمان الثقة به وعندها ينفذ مؤامرته، وتلك هي المؤامرة بعينها، انها حالة واقعية ومألوفة في التاريخ، وهي من ثمرات المجتمع البشري المنقسم والمفتقر للعدالة بشقيها القانوني والاجتماعي.
اما على المستوى السياسي فان المؤامرة تقترن غالبا باسقاط انظمة بخطط سرية، او احتلال اراضي دول اخرى او احتلال دول بكاملها، كما حصل للعراق في عام 2003، او احتلال فلسطين بعد قرار المؤتمر الصهيوني الاول باعتبارها وطنا قوميا لليهود فوضعت خطة طويلة المدى تصل لاكثر من مائة عام لتنفيذها على مراحل متعاقبة. وفعلت النخب القومية الفارسية نفس الشيء بوضع خطة خمسينية بخمسة مراحل كل مرحلة عشر سنوات هدفها اقامة امبراطورية فارسية مسيطرة على العالم الاسلامي كله تحت غطاء نشر التشيع الصفوي. اما النخب الرأسمالية خصوصا الامريكية فانها الاكثر تأمرا على الدول والبشر ولذلك فانها تضع خططا لنصف قرن لاجل تحقيق السيطرة على موارد الكرة الارضية كلها.
نحن نرى كل ذلك ونحن نعاني من كوارثه يوميا ولا نتخيل او نتوهم بوجود شيء غير موجود! والانكار هو حالة مرضية سببها تشوش الوعي وهو ما يقوم به الاعلام، او انه عمل هدفه اخفاء المؤامرة وتسهيل تطبيق خطواتها فهل ما نراه منذ قرن او اكثر مجرد اوهام نظرية المؤامرة؟ ام انها المؤامرة ذاتها وهي تطبق على مراحل متتابعة ومتكاملة؟
اذن نحن بإزاء مفهومين مختلفين المفهوم الاول هو نظرية المؤامرة وهدفها الاول والاهم هو اخفاء المؤامرة الحقيقية بغسل ادمغة البشر وزرع معلومات مضللة او نصف حقيقية فيها لاجل جعلهم ينفذون خططاً او يقبلون بها رغم انها ضد مصالحهم! ومن الضروري الانتباه الى حقيقة جوهرية في نظرية المؤامرة وهي انها تستمد قوتها ليس من ادواتها فعلا بل من قدرتها على اقناع الناس بان تحت تصرفها قوة لا تقهر ولا تقاوم ولذلك يجب الاستسلام لها كليا! وهكذا لا تواجه العصابة المتآمرة اي مقاومة ويستسلم الناس لها بلا اجبارها على تقديم ثمن باهظ يجردها من كل مظاهر القوة المرسومة دعائيا لها، مثلما حصل لامريكا في العراق بعد الغزو حيث ثبت انها نمر من ورق ولو ان شعب العراق وطليعته البطلة المقاومة العراقية صدقا قصة ان امريكا لا تقهر لحصل الغزو وتمكنت امريكا من البقاء في العراق ليس نصف قرن، كما وعد قادتها، بل قرونا طويلة! الخطر الاكبر لنظرية المؤامرة هو انها تسلب الانسان حرية المبادرة والنضال وتجعله مضطرا للاستسلام للعدو الغامض بدون قتال تماما كما سلم حافظ اسد الجولان لإسرائيل بلا قتال!
اما المفهوم الثاني فهو مفهوم المؤامرة وهو مفهوم عادي ينسجم مع انماط حياة وصراعات البشر وحنكتهم او لؤمهم واطماعهم او اهدافهم النبيلة وحسب الناس، فلكي يصل فرد او جماعة لاهدافها في بيئة لا تسمح بذلك سواء كانت بيئة ديمقراطية كامريكا واوروبا الغربية، او في بيئة استبدادية كما هو حال الشرق، فان اللجوء الى العمل التآمري امر طبيعي. والمؤامرة هنا لا تقتصر على الغزو بل ان عمادها الاقوى هو التضليل، فمن يستخدم في تحقيق اهداف المؤامرة يجب اولا ان يقتنع بصواب ما يقال، وعلى العالم، او بعضه على الاقل، ان يكون مقتنعا بان الغزو ضروري لان الغازي صاحب حق قديم وما يقوم هو استرجاع الحق كما قالت الصهيونية عند احتلالها لفلسطين.
وعلى مستوى العالم فان القوة الاعظم التي تصورت، وصورت نفسها، انها سيدة القرن الجديد وان مصير العالم قد تقرر نهائيا بانتصار الرأسمالية الامريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي – كما روج فوكوياما – كانت تعرف انها عاجزة عن السيطرة على العالم لانها لا تملك الامكانيات المطلوبة لتحقيقه – وهذا ما اعترف به وحذر منه بريجنسكي – لهذا كان ضروريا اللجوء لوضع خطط تآمرية متعددة تقنع العالم بان امريكا لا تقهر وبان مواجهتها انتحار حتى من قبل القوى العظمى الأخرى. وروجت لهذا الغرض معلومات عن اسلحة سرية لم يعلن عنها بعد وعن تكنولوجيات تحسم اي حرب لصالح امريكا، وقلل كثيرا من شأن الازمة البنيوية في النظام الرأسمالي الامريكي وروج كثيرون لنظرية بائسة تقول بان الرأسمالية قادرة على التكيف وتطوير نفسها لحل اي مشكلة! وتولت هوليوود المهمة الاكبر في غسل ادمغة الامريكيين اولا والعالم ثانيا بان امريكا هي سيده العالم بلا منازع وانها قادرة على سحق من يعترض طريقها!
بعملية الخداع هذه، وبضمنها استخدام نظرية المؤامرة بالكثير من اشكالها، تأمرت امريكا وارادت بقدراتها العسكرية والتكنولوجية المتفوقة ان تجعل من غزو العراق مثالا لما سيحصل لكل شعب يقاوم امريكا ويرفض هيمنتها، فكانت العملية اولا وقبل كل شيء تآمر على قرار البشر الحر ومصادرته وابتزاز لهم واجبارهم على الاستسلام بدون قتال. لكن ما حصل في العراق فجر هذا البالون الهوليوودي بدبوس المقاومة العراقية، فتناثر البالون وسقطت مؤامرة امريكا برمتها مع ان النخب الرأسمالية تحتاج لغزو العالم بلا حروب عسكرية والا ستموت تلقائيا.
ماذا تفعل امريكا وهي تعرف ان فشل غزوها للعالم هو قبول بموتها الحتمي مادامت موارد العالم هي الدواء الوحيد الذي يطيل عمرها؟ الجواب: طورت بديلا ذكيا يستطيع خداع من ماتت اماله نتيجة الاحباطات المتكررة خصوصا فشل اسقاط الانظمة والبديل هو (الدولة الفاشلة) والتي تعني تدمير الأعداء المستهدفين بأيديهم هم وليس بقوة امريكا فتستغل انحرافات النظم العربية وفسادها وضعفها لاجل اعداد نخب ترفض ذلك وتزود بأساليب عمل تخلخل النظام وتسقطه، لكن هذه النخب عاجزة عن اقامة البديل السليم حتى لو اردات ذلك لانها غير مؤهلة لهذا الهدف، ومن ثم دفع القطر كله للوقوع في جحيم الفوضى الهلاكة التي اذا استمرت تقود الى تفكيك ليس الدولة ومؤسساتها فقط بل شرذمة المجتمع وتدمير منظومات القيم السائدة فيه ايضا وهذا هو الخطر الاكبر.
ان مفهوم الدولة الفاشلة، او مفهوم (الجيل الرابع) من الحرب وهو (الحرب اللامتماثلة) Asymmetric war هو الحل الذي يسمح لامريكا، بدون غزو اقطار وتقديم خسائر باهضة لا تتحملها مثلما حصل في العراق، بالوصول الى تدمير الاقطار المستهدفة تدريجيا بيد أبنائها وبعد وصول الدمار العمراني والبشري حدا لا يطاق تزرع فكرة مضللة تقول بان طلب التدخل الامريكي ضروري لايقاف الكوارث! وهكذا تستولي على موارد العالم تدريجيا بدون خسارة جندي واحد او دولار واحد! هل هذه فرضية نظرية؟ كلا انها واقع نراه الان يتشكل في سوريا وليبيا ومصر وتونس واليمن ولبنان كما رأيناه في العراق. فكيف ننكر وجود مؤامرة تنفذ فعليا وبلا غموض؟ وهل يمكن لعاقل لديه حد ادنى من الخبرات الانسانية ان لا يربط ما يجري لنا منذ عام 2011 وحتى الان بما بدأت به المؤامرة الاكبر عندما عقد المؤتمر الصهيوني في سويسرا واتخذ قرارا باقامة وطن لليهود في فلسطين وتتابعت التغييرات خطوة بعد اخرى لتحقيق الهدف الصهيوني هذا؟
لماذا تستخدم نظرية المؤامرة؟ يمكن التأكيد على ان تسخيف فكرة وجود مؤامرة حقيقية هو الهدف المباشر، فحينما تصبح قضية التأمر هاجسا مرضيا وتستحوذ فكرة الاستهداف على عقل ومشاعر شخص ما بسبب ترويج نظرية المؤامرة بكافة اشكالها ويبدأ باستخدام افكار غير منطقية ولا واقعية ترفض وتسخف، فيحوله رفض ما يقوله الى بؤرة توترات لا تسمح له الا بان يكون في حالة عدم توازن وافتقار للقدرة على استخدام منطق هادئ! هذا في افضل الحالات اما في اسوأها فان الحالة تصبح نوعا من البارانويا المرضية التي تجعله يستعيض عن الواقع بما يتخيله فلا يصدقه احد
والاخطر ان الخلط بين هذا النمط من مرضى الهواجس البارانوية وبين من يناضلون ضد مؤامرة تطبق فعلا يؤدي الى التشكيك بالمناضل وبقدراته العقلية والنفسية، فتستمر المؤامرة الفعلية لان من يكشفها يصور على انه مريض نفسيا، وتتواصل خطواتها تكمل اللاحقة سابقاتها لتنفيذ مؤامرة هي الاكبر والاخطر على الامة العربية وكانت خطوتها الحاسمة في عام 1991 بشن الحرب على العراق وبدأ عملية تدحرج كرة الثلج العربية من القمة!
هل تعرفون لم يحفظ انصار الغزو واتباع امريكا على ظهر قلب كلمات التسخيف والتسقيط المعدة لهم سلفا بالسخرية ممن يتحدث عن وجود مؤامرة ويكشفها باتهامهم بانه مريض بداء نظرية المؤامرة؟ هؤلاء ادخلوا دورات علمتهم ولقنتهم كيفية مجادلة مناهضي الغزو والرافضين لامريكا وفي مقدمة التلقينات الحط من شأن كاشفي الخطط التدميرية ومسلطي الاضواء عليها باتهامهم بانهم يروجون لنظرية المؤامرة السخيفة وانه لا توجد مؤامرة وانما هم مرضى يتخيلون وجودها ويحاولون التغطية على اخطاء العرب ونظمهم ونخبهم بالقاء التبعة على عدو خارجي مفترض!
وقبل ان تبدأ الخطوات الاخطر في مؤامرات القرنين الاخيرين نشرت في عام 1994 مقالة بعنوان (التفكير بالمؤامرة في الشرق الأوسط) كتبها مارك زونيس وكريج جوزيف في المجلة الأكاديمية الشهيرة (بوليتكال سيكولوجي) اكدا فيها (أن نظرية المؤامرة هي جزء من أعراض مرض جنون الارتياب (البارانويا) وأن المجتمعات في الشرق الأوسط أكثر عرضة للإيمان بنظرية المؤامرة واستخدامها كآلية تفسيرية للأحداث كون بعض الأعراض النفسية قد تنسحب من الحالة الفردية للأشخاص إلى حالة عامة تصيب المجتمع بسبب التنشئة أو بسبب ترسخ أنماط معينة من التفكير على مستوى واسع بين الجماعات،)! بهذه الفقرة يريد الجهاز الثقافي والاعلامي الامريكي اقناع العالم بان العرب مرضى بجنون الارتياب وانهم يتخيلون وجود مؤامرات عليهم مع ان الاحداث الواقعية منذ المؤتمر الصهيوني الاول تثبت وجود مؤامرة متسلسلة الحلقات.
والحط من شأن العرب باتهامهم بانهم مصابون بجنون الارتياب لانهم يتحدثون عن وجود مؤامرة ضدهم تنفذ فعلا يتم عن طريق اتهامهم بانهم يروجون لنظرية المؤامرة فتقل قيمة التحذير والتوعية ويصبح العرب عبارة عن مرضى يحتاحون للعلاج وليس لتوقف العدو الخارجي عن تدمير وطنهم العربي! فحينما يقتنع المشاهد او السامع خصوصا في الغرب الذي اشبع عمدا بافكار نظرية المؤامرة وتطبيقاتها في الافلام فاصبح يرفض اي حديث عن مؤامرة لسخافة نظرية المؤامرة فان ضحايا المؤامرة الفعلية يزجون رغما عنهم ضمن فئة المرضى فتهمل قضيتهم ولا يجدون مناصرا لهم! وتتجلى خطورة الامر في انسياق العديد من الشباب العرب مع هذا التيار المغسول الدماغ الذي يسخف اي حديث عن وجود مؤامرة! فهل يوجد تأمر اخطر من تنفيذ مؤامرات وليس مؤامرة واحدة فقط ونجاحها وتقدمها ومع ذلك نجد بيننا من يسخر ممن كشف المؤامرة ونبه لوجودها وخطورتها؟ يتبع…
للاطلاع على الحلقات السابقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.