لم يكن مفاجئاً فشل الهدنة التي أعلن عنها ممثل الأممالمتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في العاشر من الشهر الحالي. الهدنة بدا، من صيغة الإعلان عنها، أنها طبخت على عجل، ولم تتم دراستها بعناية كافية. وكشفت ردود الفعل على سقوطها السريع عن أكثر من خلل وخطأ وقعت فيه الأممالمتحدة حين تسرعت وبادرت إلى تحديد موعد الهدنة ليل الجمعة الماضي. ومن أكبر الأخطاء عدم الحصول على موافقة مسبقة من الأطراف المعنية كافة. ف"المقاومة الشعبية" في الجنوب أعلنت منذ صباح يوم الجمعة أنها لم تتلق أي اتصال ولم تعرض عليها بنود الهدنة، وبينما فضلت الحكومة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الوقوف في منتصف الطريق، فإن "التحالف العشري" أعلن يوم السبت على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، العميد أحمد عسيري، أن التحالف غير ملزم بالهدنة التي تم إعلانها من طرف واحد. وأوضح عسيري أنّ الهدنة تحتاج إلى آلية لتنفيذها من الأممالمتحدة، وهذا أمر لم يتم الاتفاق عليه. أراد المبعوث الأممي للهدنة أن تكون مدخلاً لمفاوضات من أجل وقف الحرب والوصول إلى تسوية سياسية. وكانت خطة ولد الشيخ أحمد تقضي بهدنة أولى حتى نهاية شهر رمضان، تليها هدنة ثانية تشمل أيام عيد الفطر وبضعة أيام أخرى. في نظر المبعوث الأممي، إنّ نجاح الهدنتين يمكن أن يؤدي إلى تهدئة على الأرض تشجع الأطراف على الدخول في مفاوضات جادة من أجل الوصول إلى حل. لكن فشل الهدنة أطاح بهذه الخطة من جهة. كما كشف عن صعوبات أساسية تعوق أي تقدم في الوضع اليمني من جهة ثانية، بما في ذلك تسهيل دخول مواد الإغاثة إلى الجنوب، وخصوصاً مدينة عدن التي تواجه كارثة على المستوى الإنساني. يطمح ولد الشيخ أحمد إلى الانتقال من الإنساني الى السياسي، لكن كواليس الأزمة اليمنية تكشف أن المعضلة السياسية تبقى في الصدارة، وتتقدم على الهدنة وفتح الطريق أمام مواد الإغاثة. وليس سراً أنّ المسافة بين الأطراف المعنية لا تزال شاسعة، وهنا يمكن التوقف أمام محطات معلنة وأخرى سرية (قناة مسقط). على الصعيد المعلن والمعروف، فإنّ اجتماع جنيف، الذي انعقد في 15 يونيو/ حزيران الماضي، أعطى انطباعاً بأن اليمنيين ليسوا جاهزين للجلوس على طاولة مفاوضات، وأنّ الأطراف كافة تراهن على الوضع الميداني لكي تملي شروطها. وكان المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، صريحاً في ذلك حين قال يوم الأحد الماضي إنّ جماعته ليست في وارد هدنة وما تطالب به هو "وقف العدوان ورفع الحصار" وبعد "عودة الحياة إلى طبيعتها تحل المشكلة السياسية". يعبر هذا التصريح عن منهج الحوثيين الذي يمكن تلخيصه بنقطتين. أولاً: لا تفاوض مع السلطة الشرعية التي يمثلها هادي، إذ يرى الحوثيون أنّ هذه السلطة انتهت ولا مكان لها ولا دور في أية ترتيبات مستقبلية. ثانياً: تطبيق القرار الأممي 2216 لن يكون كاملاً، والشق الممكن منه هو الانسحاب من الجنوب شريطة أن يتسلمه طرف جنوبي يشاطر الحوثيين الموقف من الشرعية. ولهذا السبب عقد الحوثيون سلسلة من الاجتماعات في مسقطوصنعاءوطهران مع أطراف من الحراك الجنوبي قريبة من إيران والرئيس الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، الذي زار طهران في الآونة الأخيرة، طلباً لدعمها في تولي الرئاسة خلفاً لهادي. وتفيد مصادر في الحراك الجنوبي، المتمثل ب"المقاومة الجنوبية"، أنّ الحوثيين لم يحسموا موقفهم النهائي من قضية الانسحاب من الجنوب وأنّ التلويح للجنوبيين بورقة الانسحاب ليس أكثر من مناورة تكتيكية، وأنهم سوف ينسحبون في حالة واحدة حين يتراجعون عسكرياً. وحتى في هذه الحالة سيحاولون فرض مسألتين. الأولى هي أنهم سيضعون الانسحاب من الجنوب مقابل التسليم لهم بالشمال. والثانية هي منع انفصال الجنوب، والمرجح أنهم سيقبلون بصيغة فيدرالية بين الجنوب والشمال. في الجانب الآخر من المشهد، لا تبدو سلطة الرئيس اليمني في وضع جيد. وعلى الرغم من أنها مسلحة بأوراق قوة دولية وعربية ودعم عسكري من "التحالف العشري"، فإنها تبدو أضعف الأطراف في المعادلة نظراً إلى عدم قدرتها على تحقيق إنجازات ميدانية ملموسة، لا على صعيد عمليات الإغاثة، ولا على صعيد الإمساك بالأرض. وفي الحالين تشكل محافظات الجنوب مثالاً حياً على عجز الشرعية. فمن جهة، لم تتمكن من إغاثة قرابة مليوني متضرر منهم مليون في عدن وحدها، حيث باتت الحياة شبه مستحيلة في ظل انعدام المقومات الضرورية من مياه وكهرباء وطعام وعلاج للجرحى ومرضى حمى الضنك والأوبئة التي بدأت بالانتشار بسرعة. ومن جهةٍ ثانية، فإنّ القوى المقاتلة في عدن ولحج والضالع وأبين يأتي في طليعتها الحراك الجنوبي المناصر للرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ومن ثم السلفيون وبعدهم حزب الإصلاح. وهذه الأطراف تلقت دعماً من "التحالف" والشرعية في الشهر الأول، ولكن الدعم توقف عن بعضها كما هو حال الحراك منذ بداية شهر رمضان. وما حصدته الشرعية جنوباً يكاد ينسحب على النتائج التي حققتها شمالاً، إذ إنّ الحوثيين أحرزوا تقدماً جزئياً على جبهة مأرب وكاملاً على جبهة الجوف التي سيطروا عليها، في حين تقتصر المقاومة ضدهم على مدن تعز وإب. وفي تعز التي تعد ذات مكانة استراتيجية، تشكو "المقاومة" من تأخر الدعم، ومثال ذلك معركة "جبل العروس" الذي سيطرت عليه لكنها عادت وخسرته بعد أيام نظراً لتأخر الدعم. أما فيما يتعلق بالجيش الذي تقوم الشرعية بإعداده لدخول المعركة، فقد تضاربت الأنباء حوله. وقد تسربت معلومات في الآونة الأخيرة مفادها أنّ هناك صعوبات تواجه تفعيله بسبب الاختراقات من قبل العناصر الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح. وربطت أوساط يمنية بين قصف قوات "التحالف" يوم السابع من الشهر الحالي لكتيبة من اللواء 23 ميكا في منطقة العبر في محافظة حضرموت وبين مسألة الاختراقات. وقالت مصادر يمنية قريبة من الميدان إن الكتيبة التي تعرضت للقصف كانت في طريقها لدعم مقاتلي الشرعية في جبهة مأرب، وأكدت المصادر أن السبب في استهدافها وتدمير مخازن السلاح ومحطة وقود هو انكشاف ولائها للرئيس السابق. ويلخص هذا الحادث صعوبة المهمة الملقاة على اللواء محمد علي المقدشي الذي تولى رئاسة أركان جيش الشرعية في مايو/ أيار الماضي، وعاد الى اليمن ليبدأ من منطقة العبر إعادة بناء الجيش. إلى ذلك، تتسع الهوة يوماً بعد آخر بين الحوثيين والأغلبية في اليمن جنوباً وشمالاً. فعلى صعيد الجنوب والقسم الأكبر من السكان في الشمال، المشروع الحوثي هو مشروع طائفي قبل كل شيء يتستر وراء شعارات وطنية وإنسانية. وما أدى إلى تآكل مصداقية الحوثيين منذ الاستيلاء على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي هو تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قامت ثورة فبراير/ شباط 2011 الشبابية للتخلص من نظامه. والعامل الثاني هو التبعية المطلقة لإيران. أما العامل الثالث فهو يتعلق بالانتهاكات التي يمارسونها ضد كل من اختلف معهم. وتجلى ذلك بوجه خاص ضد الصحافة ووسائل الإعلام. خلاصة القول أنه على الرغم من حملة التحالف العشري المتواصلة منذ ثلاثة أشهر، وشراسة "المقاومة" في الجنوب وتعزومأرب، فإن الحوثيين لم ينكسروا عسكرياً إلى الحد الذي يجعلهم يقبلون الحل السياسي، الذي يظل مرتبطاً بنتائج الميدان. وهذا ما عكسه آخر خطاب تلفزيوني لزعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، يوم الجمعة الماضي، والذي دفع الموقف باتجاه ذرى جديدة من التصعيد عندما دعا أنصاره ل"التعبئة من أجل خيارات استراتيجية".