اختفاء قيادي في حزب البعث وسط ظروف غامضة في صنعاء    الصحة العالمية: غزة على شفا انهيار صحي ومجاعة شاملة    مودريتش: بطولات الريال لم تخمد حماسي    «سيدات النصر» .. لياقة وسرعات    57 مليونا تفصل «روشن» عن دخول نادي الدوريات المليارية    البنك المركزي يعلن موعد واماكن الصرف للمرتبات    اليمنيون.. أسياد البحر والجو في زمن الخنوع العربي    حمدان: العدو الصهيوني يتحمل مسؤولية حياة أسراه    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    توجيه الرئيس الزُبيدي بتكريم أوائل الثانوية.. تقدير واحتفاء جنوبي بالعلم والتفوق    الحكومة تجدد تأكيدها: الحوثيون حوّلوا المساعدات الدولية إلى أداة تمويل لحربهم    صاعقة رعدية تودي بحياة فتاة في المحويت    في لقاء موسع بالحديدة: العلامة مفتاح يدعو للاستعداد لموسم الامطار    القَطَا و الغراب    غدا الثلاثاء .. انطلاق المعسكر الإعدادي لمنتخب الناشئين    اتحاد إب يتعادل إيجابيا مع أهلي تعز في ختام الأسبوع الأول في بطولة بيسان الكروية الأولى    جهود خليجية للإفراج عن بحارة محتجزين في صنعاء    التفتيش القضائي يقر نزولا لمتابعة القضايا المتعثرة    النفط يتراجع بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج في سبتمبر    البنك المركزي يوقف تراخيص أربع شركات صرافة لمخالفتها الأنظمة    غضب جنوبي يتصاعد ضد احتكار هائل سعيد ونهب مقدرات ما بعد الحرب    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    عدن.. البنك المركزي يوقف تراخيص أربع كيانات مصرفية    تعليق العمل في المجمع القضائي بتعز احتجاجًا على اعتداء عسكريين    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    الجماعي يطلع على سير أداء اللجنة المشتركة واللجان البرلمانية الدائمة    الحزام الأمني بالعاصمة عدن يضبط ثلاثة متهمين بممارسة السحر والعبث بالآثار عدن    "حاشد" صوتكم لا خصمكم    ميسي يغيب عن الملاعب لمدة غير محددة نتيجة إصابة عضلية    "صهاريج عدن" على قائمة التراث العربي المعماري بقرار من الألكسو    تضامن حضرموت يتعاقد رسميا مع المدرب السعودي بندر باصريح    حجة.. وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    الحديدة.. احتجاجات غاضبة في مديرية المراوعة عقب مقتل مواطن برصاص قيادي حوثي    الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب مهاجرين باليمن    تقرير حقوقي يوثق 5618 انتهاكا ارتكبتها مليشيات الحوثي الإرهابية بحق النساء    حضرموت التاريخ إلى الوراء    سلطة التكنولوجيا هي الاولى    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    إعلان قضائي    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حق المرأة في القيادة
أضواء
نشر في 14 أكتوبر يوم 04 - 02 - 2011

لا تزال قضية قيادة المرأة للسيارة في السعودية تفرض نفسها. ما أن تختفي حتى تعود للظهور مرة أخرى. هناك من يتمنى لو يتوقف الحديث عن الموضوع نهائياً. لكن هذه أمنية رومانسية منفصلة عن واقع المجتمع السعودي حالياً. قيادة المرأة للسيارة أصبحت الآن قضية ملحة، ولا يمكن تفاديها. هي قضية ملحة لأنها في الأساس حق طبيعي للمرأة. نعم هي حق اختياري، لكن بما هي كذلك يجب إعطاء المرأة فرصة الاختيار فيه على هذا الأساس. وهي قضية ملحة بسبب التغير الكبير الذي حصل للمجتمع السعودي، وهو تغير يفرض مع الوقت تحولها إلى حاجة اجتماعية ضاغطة. ليس أدل على ذلك من تفشي ظاهرة السائق الأجنبي في المدن السعودية لتعويض المرأة، بل وتعويض المجتمع عن حرمانها من حق يتحول تدريجياً إلى ضرورة. المؤسف أنه لا يتم التعامل مع القضية من قبل المعارضين لقيادة المرأة من هذه الزاوية العقلانية، وإنما من زاوية ما تقتضيه التقاليد المتوارثة. ومنطق التقاليد يتناقض رأساً مع منطق العقل. من ناحيته يبتعد المجتمع السعودي بفعل التغيرات الكبيرة التي يمر بها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وفي ما يتعلق بهذه القضية تحديداً، عن قيود التقاليد ويستشعر ضغط هذه التغيرات وما تفرضه من حاجات اجتماعية تقتضي تحييد مقتضيات هذه التقاليد. وهذا بحد ذاته توجه نحو مقتضيات رؤية تصالحا مع متطلبات وحاجات الواقع المتغير.
ما هي مؤشرات هذا التوجه؟ خذ مثلاً نمو المراكز الحضرية الكبيرة مثل الرياض، وجدة والدمام، بفعل حركة النمو التي لا تتوقف على مختلف الأصعدة، وتوسع التعليم، وعمليات الهجرة الداخلية المستمرة إلى المدن، وتدفق العمالة الأجنبية. إذا أضفنا إلى ذلك تحسن مستوى الدخل، وحجم السيولة الكبير في السوق الاقتصادي، عرفنا أهم أسباب عوامل ارتفاع معدل النمو السكاني في السعودية باعتباره أحد أعلى المعدلات في العالم. أبرز نتائج ذلك هو، كما أشرنا، بروز المراكز الحضرية الكبيرة، ونمو البلدات، وتحولها بدورها إلى مدن كبيرة. الحجم السكاني لعدد من المدن السعودية تجاوز الآن رقم المليون، بل إن الرياض العاصمة يقترب حجمها السكاني حالياً من خمسة ملايين نسمة. ثم هناك دخول المرأة بشكل كبير مجال العمل في التعليم، والطب، والأعمال البنكية، والتجارة. وهذه خطوة كبيرة ستتلوها بالضرورة خطوات. وهي خطوة غيرت من دور المرأة في المجتمع، وغيرت من مركزها الاجتماعي. المرأة حالياً في طريقها إلى تحقيق استقلال اقتصادي عن الرجل لم يكن معروفاً من قبل. ورفض قيادة المرأة للسيارة هو موقف يفرضه الرجل على المرأة، ويعبر من خلاله عن إصراره على أن يبقي الصورة التقليدية للمرأة من دون تغيير.
النمو السكاني المطرد، وظهور المراكز الحضرية الكبيرة، ودخول المرأة مجالات التعليم والعمل على نطاق واسع، يجعل من رفض قيادة المرأة للسيارة موقفاً غير مبرر وغير عملي، وبالتالي موقفا غير عقلاني. بعبارة أخرى، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، يتخذ المجتمع وجهة تنموية عقلانية تتناقض مع موقفه الثقافي من هذه القضية تحديداً. ظهرت في المجتمع السعودي ولأول مرة طبقة من النساء فيهن مهنيات في الطب والكمبيوتر، وأستاذات في الجامعة، وكاتبات مرموقات. وترافق مع ذلك، ونتيجة طبيعية له، بروز نافذة من التواصل والحوار بين الرجل والمرأة لم يعرفها المجتمع السعودي من قبل. أصبح الآن أمرا عاديا تماماً أن يتبادل الرجل مع زميلته في المهنة أو الجامعة رقم الهاتف، والبريد الإلكتروني. يتبادلون الرسائل، والمقالات والأبحاث، وينخرطون في جدل ونقاشات حول مختلف القضايا، ويلتقون في المؤتمرات داخل المملكة، لكن بشكل خاص خارجها. أصبحت الكاتبة، أو سيدة الأعمال أو الدكتورة السعودية معروفة داخل وخارج المملكة، وتدعى إلى مؤتمرات محلية ودولية في مختلف المجالات. كيف يجوز والحالة هذه منع المرأة من قيادة السيارة؟ إنها أحياناً طريقة المجتمع في التعبير عن تناقضاته الحادة.
هناك تطور آخر ولافت في الاتجاه ذاته وهو تولي المرأة أخيراً لقضية حقها في القيادة. حيث قامت مجموعة من السيدات المهتمات بالشأن العام بتشكيل لجنة أهلية باسم «لجنة المطالبة بإعطاء حق قيادة المرأة للسيارة في السعودية» لمتابعة الموضوع. وقد قامت هذه اللجنة مؤخراً بحملة إعلامية واسعة من خلال الإنترنت لجمع أكبر عدد ممكن من التوقيعات على معروض قدم للملك عبدالله بن عبدالعزيز بمناسبة اليوم الوطني للمملكة في سبتمبر الماضي. قدم البيان رؤية المرأة لهذه القضية، وطالب بإعطاء المرأة السعودية الحق باختيار قيادة السيارة من عدمها. وكجزء من الحملة ذاتها، قامت بعض القياديات في اللجنة، مثل ابتهال المبارك وفوزية العيوني ووجيهة الحويدر، بالمشاركة في برامج تلفزيونية لمناقشة موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة. وهذه خطوة غير مسبوقة أن تظهر امرأة سعودية وتتحدث بنفسها علناً، وأمام الرأي العام عن حقها في موضوع له حساسيته في مجتمع محافظ. لكن اللافت في هذا السياق أن كثيراً من الكاتبات السعوديات امتنعن عن التوقيع على البيان المذكور من دون توضيح للأسباب. وهذا موقف مثير للاستغراب لأن من أهم مقتضيات امتهان الثقافة والكتابة هو اتخاذ موقف من القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة. رفض التوقيع هنا لم يأت من منطلق رفض هؤلاء الكاتبات لحق المرأة في القيادة. الأرجح أنه جاء في الغالب لأسباب خاصة بكل واحدة منهن، وهي في المجمل أسباب اجتماعية وسياسية. عدم التوقيع في مثل هذه الحالة يمثل موقفاً سياسياً من قبل هؤلاء الكاتبات، أو على الأقل سيفهم أنه كذلك مهما كانت المبررات الخاصة.
ومن المؤشرات أيضاً على تغير المجتمع في مقاربة الموضوع هو موقف الحكومة السعودية من قضية قيادة المرأة. فالحكومة تريد أن تنأى بنفسها عن رفض حق المرأة السعودية في قيادة السيارة، ولا تتبنى هذا الرفض. بدلاً من ذلك تضع مسؤولية الرفض على كاهل المجتمع السعودي. آخر مسؤول سعودي تحدث بهذا المعنى كان وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل. كان الفيصل واضحاً عندما قال «عن نفسي... أعتقد أنهن ينبغي أن يقدن السيارات. لكننا لسنا من يتخذ قراراً في هذا الشأن. يجب أن يكون قرار الأسر».
وأضاف: «بالنسبة لنا... ليست مسألة سياسية إنها مسألة اجتماعية. نعتقد أن هذا أمر تقرره الأسر... أمر يقرره الناس لا تفرضه الحكومة». موقف الحكومة يمثل خطوة متقدمة، خاصة في ضوء أن المؤسسة الدينية الرسمية ترفض حق المرأة في القيادة. والأمير سعود محق في قوله بأن القضية اجتماعية وليست سياسية. فهي قضية اجتماعية من حيث أن المجتمع هو الإطار الذي تتفاعل فيه هذه القضية. لكن من حيث أن رفض القيادة مفروض من جماعات ومؤسسات تمثل توجها معينا داخل الدولة، ومن حيث أن الذين يطالبون بحق المرأة في القيادة يمثلون جماعات ومؤسسات جديدة، يصعب القول بانعدام البعد السياسي لهذه القضية. لابد أن لكل من هذين الطرفين مصلحة سياسية في هذه القضية، وإن كانت المصلحة السياسية ليست كل شيء هنا. وحسب رؤية الأمير سعود تبدو الحكومة في موقف من ينتظر قرار المجتمع. لكن المجتمع لا يمكنه اتخاذ قرار حول موضوع مثل هذا.
يحتاج المجتمع إلى إطار قانوني. من يملك القرار هو الحكومة. والمطلوب ليس فرض القيادة على المجتمع. المطلوب هو توفير الإطار القانوني للأسر للاختيار بين السماح للمرأة بالقيادة من عدمها. من دون هذا الإطار القانوني ستبقى القضية تراوح مكانها، ولا يستطيع الذين يؤمنون بحق المرأة في القيادة ممارسة هذا الحق. من هذه الزاوية يبدو موقف الحكومة نوعا من الهروب إلى الأمام. ولنتذكر بأن الحكومة حسمت من قبل قضايا مماثلة ثبت أن رفضها ليس في مصلحة الحكومة أو المجتمع.
كانت البرقيات، والعلاقة مع الغرب مرفوضة باسم الدين في عشرينيات القرن الماضي.واللباس العسكري كان أيضاً مرفوضاً.
ثم جاء تعليم المرأة واتخذ منه المجتمع موقف الرفض نفسه باسم الدين. وفي هذه القضية تحديدا اتخذ الملك فيصل موقفاً جمع الحكمة إلى الحزم. أصر على فتح مدارس البنات، وأعطى الناس حرية إرسال بناتهم للمدارس. تكرر الموقف نفسه من التلفزيون عام 1964، وتكرر إصرار الملك على ما اعتبره خطوة ضرورية للدولة والمجتمع. ثم رفضت الفضائيات أولا باسم الدين، وإذا بإصحاب الخطاب الديني يغيرون موقفهم وينخرطون في عالم الفضائيات. قيادة المرأة لا تختلف عن ذلك في شيء. فالمجتمع عادة ما يتخذ موقف الرفض من المتغيرات الجديدة بفعل التقاليد، لكن بغطاء ديني. لم تنتظر الحكومة في السابق أن يتغير موقف المجتمع. بادرت هي بالتغيير. لماذا لا تفعل الشيء نفسه الآن؟ لماذا تتخلى عن حقها في المبادرة؟
عن/ جريدة ( الاتحاد) الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.