صدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاب جديد تحت عنوان (بحرنا المشترك: الشرق مهد الغرب)، لمؤلفه ياكو هامين انتيلا أحد أهم رجالات المجتمع العاملين في قضايا الحوار والتقارب والتفاهم بين الحضارات والشعوب والأديان، وترجمه إلى العربية ماريا باكلا، وهو كتاب شائق غني بالمعلومات يهدف إلى التعريف بالثقافة والعلم الفنلنديين ليمد جسور التواصل بين القارئ العربي والثقافة الفنلندية خاصة والثقافة الغربية عامة. وقد لقي هذا الكتاب نجاحاً كبيراً في فنلندا ولا سيما أن كاتبه من أعلام الدراسات العربية والإسلامية، ومن جهابذة اللغات الشرقية، وأشهر من ترجموا كتبها إلى اللغة الفنلندية، وقد ترجم البروفسور هامين أنتيلا القرآن إلى الفنلندية، وهو لا يزال في الثلاثين من عمره، كما ألف تفسيراً للقرآن باللغة الفنلندية، وترجم كثيراً من الكتب المهمة مثل سيرة ابن هشام ومشكاة الأنوار وغيرها. ويحكي الكتاب سيرة العلاقة بين الشرق والغرب في عملية ترتيبية لحقبة تاريخية موغلة في القدم عبر دورات تاريخية ما تزال مستمرة منذ 2500 عام، وكيف أن الثقافة الغربية ولدت في الساحل الشرقي لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ولم يكن لأوروبا أن تكون أوروبا من دون ذلك العالم الذي كان يحيط بها، موضحاً أن أوروبا ولدت وسط حوارات وتدفقات واستعارات ثقافية وعلى امتداد مئات السنين كان للمناطق الشرقية والجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط تأثير كبير في ما يحدث في شمال المنطقة. وقد سعى البروفسور أنتيلا من وراء هذا الكتاب إلى التأكيد على مقولة أن الثقافة لا تولد من فراغ، بل هي حصيلة مجموعة من المؤثرات المختلفة منذ أقدم العصور إلى الآن، ومن المؤكد أنه لا سبيل إلى تقدم أي حضارة لا تحاول الربط بين حاضرها وبين الحضارات السابقة، إلى جانب ضرورة الاعتراف بغزارة ما قدمه الشرق للغرب وبضرورة الاعتراف بفضل الشرق على الغرب. ويؤكد الكاتب في كتابه الصادر عام 2006 أن الثقافة الغربية استعارت من الشرق ومن الجنوب الكثير قبل أن تتمكن من أن تعيش عصرين ذهبيين، وقد تطورت الثقافة اليونانية القديمة، وأصبحت بشكلها الكلاسيكي بعد أن انهمرت عليها المؤثرات الشرقية انهماراً في مجال الفنون والعلوم والدين والفلسفة، ولم تنشأ أوروبا في الحقبة المتأخرة من العصور الوسطى إلاّ بعد أن عرفت العلوم والفلسفة العربية طريقها إليها مترجمة. ويوضح المؤلف في كتابه هذا أن المؤثرات الثقافية انتقلت على المستوى الشعبي من خلال التعاملات التجارية كما انتقلت المنتجات والتقنيات الحرفية المختلفة أيضاً بكل سهولة من منطقة إلى أخرى مما وحد الموروث الشعبي، لأن القصص الجيدة عادة ما كانت تجد آذاناً صاغية في المناطق اللغوية الجديدة.