دفعت الباب الخشبي لغرفتي العتيقة التي لم اعد اسكنها منذ أيام دراستي لم يزل كل شيء فيها مرتباً لم يتغير شيء تلك هي دفاتري و أوراقي وشهادات دراستي في مراحل تعليمي الابتدائية والإعدادية والثانوية جلست على مقعدي الذي طالما الفني وشعرت وكأنني في أيام طفولتي وبأنني أريد أن اكتب واجبي المدرسي آه كم كانت هي جميلة أيام الطفولة. ولكن هناك شيئاً بعقلي لم أتذكره تماماً وقد نسيت اسمه ما هو ؟؟ ماهو؟؟ وحاولت أن أتذكر تناولت علبة أقلامي القديمة وقصاصات من ورق وشخبطت بقلمي عدة أسماء لكن لم اذكر.. وأبى قلمي أن يكتب وجف الحبر ونفذت محبرتي ، نبشت رف مكتبتي عما ابحث لا أدري ولكني ابحث عن شيء بذاكرتي أي هو ؟ ماهو ؟ .. لست ادري وحرت في أمري يا الهي هناك شيء ثمين لا زالت تختزنه ذاكرتي ولكنه قد تغلف في دهاليز ذاكرتي البعيدة ولم يستطع العقل واللسان أن يفكا تلك الشفرة المحيرة. ووقفت أمام مرآة الحائط لأنظر إلى نفسي كأنني أقف أمام شخص آخر وبدأت اسأل شبحي البادي في المرآة كأنني مجنون لا زالت ذرات من عقل ويريد أن يسترجع ذاكرته ولم يجد من يسأله سوى نفسه وظله وبدأ يقول : ماهو الشيء الذي افتقده ؟ هناك شيء غائب عني ويدعوني للبحث عنه ؟ هل هو كنز؟ وكأنني بالجواب - لا - اذاً هل هي تحفة ثمينة هل هي شهادة التخرج؟ هل هي رسالة من صديق وتجاهلت قراءتها ؟ هل هي صورة تذكارية التقطت لي مع أصدقاء نجباء وتريد ذاكرتي أن تحفل بهم؟ وشعرت بأن أسئلتي كلها تلقي الجواب ذاته - لا -لا -لا. وتنهدت موبخاً نفسي إن سنوات غربتي بأمريكا قد أنستني أشياء كثيرة لم اعد احفل بها حتى زملاء دراستي لم اعد اذكر منهم إلا القليل. جثوت على الأرض بين أوراقي المقلوبة المتناثرة وقد ملأت أرضيه غرفتي المتواضعة وبدأت اقلبها مرة أخرى هناك العديد من الروايات وقصص الأطفال التي لم تزل تكتنزها مكتبتي منذ طفولتي ، روايات لمؤلفين شرقيين وغربيين منذ أيام مراهقتي كل شيء قلبته ولكني لم اعثر على ضالتي ولفت نظري صندوق خشبي ذو لون وردي نقشت عليه بآيات قرآنية ذات حجم صغير كأنه صندوق مجوهرات ، إنه صندوق أبي - يرحمه الله - كان يضع بداخله ما يخصه ولكني لم افتحه منذ زمن منذ وفاة والدي قبل خمسة عشر عاماً . لأن الرمل يبدو عالقاً به والعنكبوت قد نسج بيته في مكان القفل ودوت من فمي تنهيدة تبعتها بقولي : ليرحمك الله يا أبي . ومددت يدي بعد أن وضعت الكرسي تحت قدمي حتى أصل إلى مكانه فهو في رف قريب من السقف ومسحت بيدي الأتربة العالقة وبيت العنكبوت المنسوج على القفل وفتحته. يا الهي ،لقد انبعثت منه رائحة عطرية نفاذة ملأت بهو الغرفة بأريجها الفواح ومن ثم تسربت الرائحة إلى كل بهو المنزل وسمعت أمي تقول - الله يرحمك يا أبو فلان كانت هذه الرائحة لا تفارقك وسمعتها تنشد شعراً من الرثاء وتوقفت لتقول - يا ليتني الحق بك - كادت الأرض أن تهوي بي وقلت في نفسي : لا يا أمي فأنت النور الوحيد الذي بقي معي . ونظرت إلى الصندوق الذي مازلت احمله بيدي كلتيهما لأرى ما يحتويه وأجهشت بالبكاء وتساقطت دموعي حين رأيت ما بداخله انه ( المصحف الشريف) والى جانبه مسبحة أبي العقيقية ومضرب من عطر العود الذي كان أبي يتطيب به حين يذهب لصلاة الجمعة لم يزل ذلك المضرب يختزن بداخله النصف من سائل العطر وأحسست أنني وجدت ضالتي انه كتاب الله النور المبين مشكاة الهدى النبع الذي لا ينضب المنهل الفياض ، نعم انه هو انه ضالتي المنشودة أين أنا منه لقد هجرته لسنوات وفتحته كأني أريد قراءته فسقطت منه ورقة فقرأتها أنها وصية والدي لابنه الحبيب والوحيد ( أنا) .. قرأتها. إن كلماتها قليلة ولكنها مثل الرقية : ابني كن داعياً للخير محباً للسلام اجعل همك هو دينك ووطنك ولا تفكر يوماً في الخروج عن ولي الأمر وشق عصا الطاعة فإن ذلك هو ما فرق وحدة الأمة عد إلى وطنك بعلم نافع وعمل خالص كن لوطنك حارساً وفلاحاً وصانعاً .. بني انك الأمل فلا تخيب فيك الأمل، ضممت المصحف إلى صدي وبكيت كثيراً لقد كدت أن اسقط بأيدي أعداء وطني وبني شعبي، رحمك الله يا أبي .. ذهبت إلى صلاة الجمعة وقد تطيبت بعطر أبي وسلم علي الناس الذين عاصروا حياة أبي وهم يقولون سبحانه الله لك رائحة أبيك وصورته كأنه هو بيننا رحمة الله عليه كان رجل الخير والسلام كان رمز المحبة والإخاء والأخلاق .. عاش لشعبه كما عاش لبيته كان يدعو إلى زرع الأخوة ولم الشمل والحفاظ على ارض الوطن ووحدته وسيادته .. سمعت الكثير من الثناء وتمتمت رحمك الله ياابي وعاهدت نفسي وأنا في المسجد على أن أكون محباً لشعبي ووطني وديني وان أكون عند ظن أبي بي حارساًُ وفلاحاً وصانعاً، فلترقد بسلام ياابي طيب الله ثراك ..! *للكاتب/ معافة اكلابي 2011/2/7م