قرأت للزنداني عبر الصحافة تصريحات يقول فيها ( الشرعية عندنا إثنتان: الأولى شرعية وضع القوانين والأحكام والتشريعات هذه لله والمرجع فيها للعلماء والذي يخالف هذا يراجع دينه والثانية حق الشعب في اختيار حكامه ونوابه" وقال: "ليس حكم الشعب للشعب وإنما حكم الشعب بحكم الله" وكلامه هذا حق ولكن أريد به باطل والدليل أنه يفهم من كلامه بأنه يدعو إلى ولاية رجال دين ينطقون باسم الإله كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية أو الحكم الإلهي المقدس في الأزمان الغابرة ولا يفرقون بين الكلام الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبين كلام البشر أو فهمهم لهذا الكلام الرباني الذي يحتمل الخطأ والصواب والظن والتخمين والدليل الآخر قول الشيخ إن الذي يخالف الشرعية الأولى في تصوره هو فعليه أن يراجع دينه وهذا تهديد منه مبطن لإخراج الناس من الملة تمهيداً لتكفيرها ومن ثم إهدار دمائهم أو قتلهم. وشيء آخر يعتبر الشيخ الدستور اليمني الحالي من أحسن الدساتير والذي يريد أن يلغيه كمن يريد إلغاء الإسلام باسم المدنية. وكأن الدستور اليمني عنده من أهم المراجع الإسلامية وكالكتاب والسنة سواء بسواء وهو الذي قاتل قتالاً مستميتاً بداية الوحدة من أجل تعديل فقرة في بنوده متعلقة بالشريعة الإسلامية وهو يعلم بأن النصوص الدينية لا تستغني عن البشر في فهمها وتأويلها أي انها لا تفصح بذاتها عن معناها ودلالتها إنما ينطق بهالرجال تفسيراً وتطبيقاً فيصيبون ويخطئون والحاكمية الإلهية تنتهي في الحقيقة إلى حاكمية رجال الدين وهم ليسوا في النهاية سوى بشر لهم تحيزاتهم وأهواؤهم الأيدلوجية ومقولة حاكمية الله أو الحكم لله كلمة حق يراد بها باطل في زماننا فاحكم لله على الإطلاق لكنه للنأي بالفعل .. إنه لله بالقدرة لكنه للناس بالواقع فاللفرد مشيئته التي أن وافقت مشيئة الله وقع الفعل وأصبح الفرد مسؤولاً عنه أمام القانون في الحياة الدنيا وأمام الله عند الحساب في الآخرة. والقول بغير ذلك يسقط المسؤولية الجنائية ويعفى من حساب الله ويعطل القوانين ويفسد الشرائع فإذا كان الفعل لله لا للبشر والحكم لله لا للناس فلماذا يعاقب الجاني ولماذا يساءل الحاكم ، لماذا تضمن القرآن عقوبات ولماذا وضع حدود .. ؟1 لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بريدة وقال له " إذا أرادك أهل حصن أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم وأنزلهم على حكمك لأنك لا تدري أأصبت فيهم حكم الله أم حكمك !! وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما شاء الله وشئت فرد عليه : أجعلتني لله نداً قل هذا ما شاء الله وحده !! والقرآن الكريم حمال أوجه كما قال الإمام علي كرم الله وجهه ، وهو لا ينطبق بلسان وأحكام الله أو حدوده مفرغة في نصوص لا تطبق نفسها بنفسها ولكن لا بد لها من مطبق وهي لا تشرح مضمونها بذاتها بل لا بد لها من مفسر والمطبق والمفسر إنما يصدر في رأية وفعله عن وجهة نظره وفهمه وغرضه وربما مصالحه..!!فمن يملك أن يزعم بان له الكلمة الفصل وأن كلمته هي الكلمة المطابقة لحكم الله فيتماهى الخطاب البشري مع الخطاب الإلهي ويصبحا مقدسين؟! وشيخ جامعة الإيمان يقول : "من يريد تعديل الدستور الحالي عليه ألا يعدل المواد الإسلامية فيه لأنها جامدة وثابتة ولا يجوز أن تعدل لأن الإسلام غير قابل للنقص ولا للتعديل" وهنا يساوي الشيخ بين نصوص الدستور ونصوص القرآن، المنزل والمقدس مع أن الذين صاغوا نصوص الدستور هم من البشر غير المعصومين وليسوا أنصاف آلهة .. !!.رحم الله فقهاء سلفنا الصالح الذين كانوا يتميزون بالورع والتقوى في كل شيء خاصة في مسائل الفتوى والتقول على الله وعلى الرسول برأيهم قبل الرجوع إلى الكتاب والسنة حتى لا يكذب الله ورسوله وخوفاً من الجرأة في الفتيا لأن الجريء في الفتيا جريء على النار والعياذ بالله برغم تمكنهم وطول باعهم وتبحرهم وتعمقهم في أمور الدين وفقه الشريعة لأن الكذب على الله بمثابة الكفر بل هو الكفر بعينه بدليل قول الله تعالى " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" يقول أحد أولئك الفقهاء الأفذاذ " اعرضوا كلامنا هذا على الكتاب والسنة فإن وافق وإلا فارموه عرض الحائط " ويقول آخر: " كلامنا هذا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب" ويقول ثالث لا تأخذوا كلامنا هذا ولكن خذوا من حيث أخذنا .. " ويقول رابع " هذا ما وصل إليه اجتهادي والله أعلم .." وأما شيوخ عصرنا ومنهم الشيخ الزنداني فيقولون " " هذا رأي الإسلام فمن خالفه فعليه أن يراجع دينه" !!!! وكأن جبريل عليه السلام نزل عليهم وأوحى إليهم بقرآن جديد وهم يعلمون أن آرائهم واجتهاداتهم ما هي إلا ظنون والظن لا يغني من الحق شيئاً وهو أكذب الحديث وهو من الإثم. نسأل الله أن يوفقنا لفقه كتاب الله وسنة نبيه وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين كما أوكل فرعون إلى نفسه فزعم أنه إله وأنه رب وقال متبجحاً " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" صدق الله العظيم.