في فترة ليست ببعيدة كانت تدور لقاءات ونقاشات تكاد تكون منتظمة وكتابات امتلأت بها الصحف من قبل مثقفين وأدباء ومعهم بعض من رجالات التربية ممن أولوا جل اهتمامهم لثقافة الطفل بعد أن التمسوا ما آل إليه حاله ومعاناته جراء عدم اعتناء الجهات الرسمية ذات العلاقة بثقافته، وكذا عدم اهتمام الجهات غير الرسمية بأداء دورها الواجب عليها نحو حاجة أطفالنا الثقافية وإشباع احتياجاتهم العقلية والروحية منذ نعومة أظفارهم وحتى مرحلة اليفوعة ضمن الأهداف العامة للتربية ولكن ربما يكون هناك خلط في الأمر أو اعتقاد محصور عند هؤلاء الدعاة من المهتمين يرتكز على المناداة بإصدار مجلات وطنية للأطفال تطبع محلياً - وكأن هذه المجلات بإصدارتها تمثل كل الثقافة المرجوة للطفل وإن زادوا على ذلك بمناداتهم على استحياء إلى تفعيل دور المؤسسات الرسمية ذات العلاقة ولم نستطع -نحن المتابعين لهذه النداءات- أن نتبين ما يريده أصحابها. والواقع أن هذا ليس كل ما في الأمر .. فإلى جانب هذا وذاك هناك ما هو أهم رغم عدم اختلافنا على أن مجالات الأطفال ( الوطنية) هي جزء مهم في ثقافة الطفل . لكن هناك أيضاً دور الأسرة والمدرسة ومسرح الطفل وبرامج الأطفال في الإذاعة والتلفزيون وكتاب الطفل بتنوع مادته من علمية وأدبية والتنوعات في التسلية والمرح ولنتحدث في هذا المقام عن الكتاب وهو الأهم - كما أزعم - من منطلق أن ثقافة الطفل تعتمد بشكل أساسي على القراءة وقراءة الكتاب تأتي في المقدمة. وبدءاً لهذا الحديث أشير إلى إحصائية نشرت حديثاً قد تثير الرعب فينا إذا ما عرفنا أن كل الدول العربية مجتمعة لا يزيد حجم ما تستهلكه من ورق الطباعة على حجم ما تستهلكه بلجيكا لوحدها التي لا يزيد عدد سكانها على تسعة في المائة من سكان الوطن العربي فإذا ما تساءلنا ماذا سيكون نصيب مطبوعات الطفل في الوطن العربي من هذا الورق ليحصل على حاجته من الثقافة الخاصة به مقروناً بتساؤل آخر عن حجم مطبوعات الطفل في بلادنا من هذا الورق إذا ما أردنا أن نوفر له كتبه غير المدرسية ورواياته وقصصه ومجلاته أيضاً فماذا يمكن أن تكون الإجابة ؟؟ الله وحده يعلم !! إن فضول الطفل وترقبه ، أصوات الأسئلة الكثيرة التي بداخله بحثاً عن إجابة لكل ما تقع عليه عيناه وتلمسه يداه وتستقبله أذناه .. من يجيب عليها ؟ ومن يخاطب عقله ؟ وأين الكتاب والمجلة والقصة التي تاخذ بهذا العقل البكر رويداً رويداً لكي يكتشف عالمه الحقيقي وطريقة الصحيح نحو المعرفة والثقافة. في إحدى أمسيات منتدى الروضة الثقافي كما هو الحال في لقاء آخر بمنتدى جمعية الثقافة والآداب بدار سعد كانت الأحاديث فيهما مكرسة حول الحاجة إلى مكتبات مدرسية ومكتبات داخل فصول الدراسة (مثلما كانت زمان وفيها حصص أسبوعية للمكتبة) ومكتبات في بيوتنا كما يجب أن تكون هناك أقسام في مكتبات الكبار في المكتبات العامة ومحلات بيع الكتب وليس كما هو حالها اليوم، كتب متناثرة هزيلة وقصص أشد هزالة على رفوف يصعب أن يجدها الطفل الذي يفترض أن يبحث عنها بنفسه وبمساعدة الكبار أيضاً .. هذا إذا استثنينا مكتبة مسواط العامة للطفل .. مع أنها لا تلبي حاجات الطفل منها كلها ..هذا الطرح مهم في تقديري ولكنه مثالي وطموح إلى حد كبير .. وفيما إذا افترضنا جدلاً أننا نقدر على تحقيقه !! فما الذي يواجهنا بعد ذلك ؟؟ ماذا سوف نضع فوق الرفوف ؟ ماذا لدينا لنصنعه على رفوف هذه المكتبات إذا ما توفرت جدلاً ؟ قبل الإجابة أحب أن أقتطع فقرة من بحث الأستاذ (عبد الوهاب يوسف) أحد رواد كتابات الطفل في مصر عاصر كامل الكيلاني رائد أدب الأطفال العربي ونتيلة راشد ( ماما لبنى) وراجي عنايت وسعيد العريان والذي قال فيه " أن أي أمة إذا شعرت بأنها تعاني من أزمة فكر فإن ذلك يعني غياب الكتاب ويعني أيضاً أن هذه الأمة لم تدرب أطفالها على صحبته منذ نعومة أظفارهم ولم تغرس في نفوسهم أن الكتاب غذاء للعقل والروح وهذه مسؤولية أي أمة بدءاً من المجتمع فالمدرسة فالأسرة. وفي ندوة عقدت في بيروت تحت شعار الاهتمام بالثقافة القومية للطفل العربي عام 1970 أكدت توصياتها ضرورة تفعيل دور الحكومات من خلال الأطر والأجهزة الممثلة لها في نشر الكتاب الثقافي للطفل والمطبوعات الأخرى ومنها المجلات وغيرها وكتاب الطفل أو المجلة فضلاً عن كونهما مجموعة من القيم الثقافية فهما أيضاً سلعتان تمران بمراحل عدة في تصنيعهما وتحتاجان إلى جانب المؤلفين والرسامين والمخرجين الفنيين إلى الورق والأخبار وأعمال الطباعة وضبط الألوان كما أن ارتفاع أسعار مستلزماتها وخاماتها الجنوني اليوم قد ينتج عنه أن يتعرض سعرها للارتفاع ما يسبب ضعف القوة الشرائية عند أولياء الأمور لتلك الكتب التي تصلنا من دول عربية أو تلك التي تطبع محليا وهي محدودة للغاية وقد توقفت طباعتها منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام وهذه الإشكالية المرتبطة بأسعار كتب الطفل شكلت جزءاً آخر من أزمة إهمال ثقافة الطفل لعدم القدرة على طباعة هذه الكتب محلياً ما لم تتدخل الأطراف الرسمية المعنية بتشجيع المطابع الأهلية بشراء قدر معقول مما يمكن أن تطبعه لضمان استمرارية دوران مطابعها وتوزيع هذه الكتب في المدارس ومراكز ثقافة الطفل إن كان عندنا ما يشبهها مجاناً أو بأسعار رمزية تشجيعية لأنه ليس بمقدور كل الأطفال اقتناء ما يرغبون من كتب وقصص ومجلات في ظل هذه الوضعية وهي في أغلبها مجلات لا تتوافق مع دخل الأسرة خاصة بعد أن افتقدنا عدداً من مجلاتنا المحلية للطفل مثل البراعم، نشوان ، وضاح والهدهد وكان آخرها مجلة ( الطفولة) التي صدر منها العدد الأول ثم انطفأت . إلا من بعض ملحقات الصحف مثل ( المثقف الصغير) الذي كان يصدر مرة كل نصف شهر ضمن إصدار صحيفة الثقافة ثم تحول إلى مجلة أطفال أسبوعية ذات استقلالية في تحريرها والجزء الآخر في حل هذه الأزمة عربياً كما أتصور يتمثل بالعمل الجماعي العربي بأن تتولى دور النشر خاصة ذات التاريخ المشهود لها لدورها في ثقافة الطفل مثل دار المعارف ودار الهلال ومنشورات إقرأ بمصر وتلك الأخرى الموجودة في كل من سوريا وتونس وحالياً في الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة بعودة العراق إلى مكانتها الأولى في الثقافة العربية إن شاء الله ، زيادة حجم مطبوعات الأطفال تحت مظلة الجهاز المختص في جامعة الدول العربية وكذلك المجلس العربي للطفولة والتنمية الذي يشرف عليه معهد البحوث والدراسات العربية وبأسعار تكون في متناول كل الأطفال شريطة أن يوجد الاهتمام والألتزام الكفيلان بتوزيعها على نطاق واسع في شتى أرجاء الوطن العربي وبلا معوقات تحت أي ذرائع واهية .. بل يجب أن تتدخل الحكومات ذاتها فتستوردها عبر أجهزتها الثقافية المعنية مهما كان ثمنها لتضعها في الأسواق بأرخص الأثمان الممكنة ( مدعومة) وهذا لا يعني إلغاء دور النشر المحلية ونحن وبحمد الله نمتلك في بلادنا عدداً من دور النشر الخاصة ويعيش بين ظهرانينا من الأدباء والكتاب المختصين بأدب وثقافة الطفل والفنانين ما يفوق قدرات دور النشر هذه في استيعاب إنتاجهم. ومما يثير الجدل والسؤال أن الأستاذ حسين الحداد أحد كوادر الهيئة العامة للكتاب بفرع عدن صاحب الخبرة والتجربة في مجال الثقافة الجماهيرية ومنها ثقافة الطفل لديه في جعبته دراسة وافية ضافية حول كيفية إدارة وتفعيل دور المكتبات سواء الخاصة بالكبار او الأطفال وضع فيها عصارة تجاربه وجند نفسه أملاً في تحقيقها منذ سنوات طوال .. ولا من مجيب.