أيام قليلة تفصلنا عن انطلاق العام الدراسي الجديد الذي يبدأ هذا العام بعد عطلة امتدت لشهرين وبضعة أيام بسبب حلول عيد الفطر السعيد . ووسط الانشغال بتزويد الطلاب بالكتب والقرطاسية والاستعداد لشراء ملابس العودة للمدرسة ، قد يتساءل الكثيرون لكن كيف سنحضر أولادنا ليعودوا للمدرسة بعدما عاشوا أكثر من شهرين بأجواء من اللهو واللعب والمرح والسهر ، وبعد أن عاشوا خلال شهر رمضان والعيد السعيد أجواء بعيدة كل البعد عن الدراسة والتعليم ؟ « ، كما قد يتساءل آخرون . كيف سيتأقلم أولادنا مع الجو المدرسي ، وهل علينا تحضيرهم لذلك قبل فترة طويلة من قرع الجرس الأول ؟ . أمر طبيعي أن يعتاد الأبناء على نمط حياتي مختلف في العطلة ، كما أنهم يعتادون على نمط تفكيري تميزه منظومة العطلة ، أي خارج إطار المدرسة ، فالطفل لديه جاهزية ذهنية تتعامل مع أمور تتعلق بالعطلة تختلف عن البرنامج الفكري الذهني المرتبط بالمدرسة ، سواء خلال الدوام أو خارجه ، وعلينا نحن كأهل مساعدة أطفالنا على تجاوز صعوبة ا الاستعداد لترتيب قدرتهم الذهنية العقلية التفكيرية بحيث تتلاءم مع البرنامج الزمني المدرسي من جانب ،واستيعاب المواد التعليمية من جانب آخر ، لأن هذا يحتاج إلى تركيز وذاكرة أكبر بكثير من المجهود المبذول خلال العطلة الصيفية . لذلك عندما نتحدث عن كيفية التعامل مع الأبناء بعد العودة إلى المدرسة يتوجب علينا أن نتحدث عن المنهاج الذهني التفكيري لدى الطفل ، لأنه سينتقل من جو الحرية في التفكير إلى التركيز في مواضيع تتعلق بالمدرسة والمواد التعليمية ، وهذا يتطلب جهدا يبذله ، لذلك أول شيء يمكن أن ينتج عند أبنائنا لدى عودتهم إلى المدرسة الارتباك ، البلبلة ، الخوف وعدم القدرة على التركيز بالقدر الكافي ، وهذا مسموح في الأسبوع الأول والثاني ، ولا يجب أن يخيفنا أبدا ، لكن ما يجب أن يخيفنا ويقلقنا هو أن يشعر الطفل بتقييم ذاتي منخفض ، والأكثر ألا يستوعب الأهل والمؤسسة التربوية أو ألا يفهموا أن من الطبيعي ألا يكون الطفل بتركيز وجاهزية في الأسبوع الأول أو الثاني من العام الدراسي ، وهذا أمر طبيعي جدا ، لكن علينا مراقبة الطفل ليتأقلم ويندمج بالمدرسة أكثر. فالطفل بطبيعته يميل إلى حب الحرية وعدم التقيد بمنظومة زمنية ، وهذا أمرعادي ، ولذا يشعر الطفل بالفرح عند خروجه إلى العطلة الصيفية ، وهذا أمر عادي بل جيد أيضا ، وكذلك الأمر عند العودة إلى المدرسة ، خاصة أن قسما من الطلاب الذين يواجهون صعوبات في الواجبات المدرسية يشعرون بنوع من الوعكة النفسية وكأنهم يعودون إلى غم وهم ، وهذا طبيعي ، لكن علينا مساعدتهم ، فلا يجدر بالأهل التحدث إلى الطفل مسبقا وأن يقولوا له « ها أنت تعود إلى المدرسة فيجدر بك أن تكون جيدا وتحسن من مستواك « ، فهذا خطأ ويرفع من نسبة التوتر لدى الطفل ، والمرجو أن يمنحوا الطفل حرية تفكير كما يشاء ، لأن الطفل بالنهاية يعرف كيف يصنع الترتيب الذاتي لنفسه بنفسه ، ويتوجب علينا فقط أن نعزز الاستقلالية والمسؤولية لديه ، وفي الحقيقة أنا لا يشغلني على الإطلاق عدم حب الطفل العودة إلى المدرسة ، فبالنهاية الطفل سيعود إليها وسيقوم بواجباته المدرسية . حيث كثيرا ما نرى أن مربيا أو معلما يستطيع أن يجعل الواجب المدرسي صعبا وغير محبب للطلاب أو أن يجعله محببا وسلسا لهم ، لكن ما هو مهم هو أن تعامل أبنائنا اليوم مع الواجبات المدرسية لا زال بطرق قديمة ، فمن الواجب تغيير طريقة حل الواجبات بطرق حديثة ومهنية ، مثلا بعد الانتهاء من قراءة الدرس والتيقن من فهمه على الطالب إغلاق الكتاب وإعادة صياغة الدرس ذهنيا ، وبهذا يكون الطالب قد فهم الدرس أكثر ، وكلما فهم الطالب المواد أكثرا أحب الموضوع أكثر ، و أحب الواجب المدرسي . ومن الطبيعي عند الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى أن تشكل كل مرحلة نوعا من التهديد ، ما يؤدي إلى هبوط بالثقة بالنفس والتقييم الذاتي لدى الطالب ، لذا يتوجب على الأطر التربوية المدرسية وكذلك العائلية أن تتفهم مثل هذا التغيير وتتابعه ، لأن هذه التغييرات يمكن أن تأخذ الطفل لأماكن نفسية غير مرغوبة ، يعني الخوف طبيعي لكن لا يمكن السماح للخوف الزائد بالتمكن من الطفل . وعلى المؤسسات التربوية أن تتابع وتتواصل مع الاختصاصيين ليقوموا بدورهم بتجهيز الأبناء لهذه المراحل الانتقالية ،وذلك عبر زيارات وتواصل وبرنامج متكامل لتجهيز الطلاب للمراحل الانتقالية ، وهذا يخفف كثيرا على الطالب من عبء الانتقال من مرحلة إلى أخرى ويساعده كثيرا في عملية الانتقال السلس من مرحلة إلى أخرى ، لأنه يتعرف عمليا على معلميه وعلى مبنى المدرسة وغير ذلك . ويجب أن يكون الوالد هو الأب الذي يحب أبناءه ويهتم بهم ويوجههم ، ويبدي لهم أحيانا ملاحظات يتوجب عليهم تقبلها وتحملها ، فهذا نظام يؤدي إلى النجاح ، واتباعه يمكن أن يحمي الأبناء ويؤدي إلى رعايتهم بشكل صحيح ولمستقبل واعد.