التطرف حركة باطنية نفسية أو عقلية، أوهما معاً. بما يعني اقتناع النفس الإنسانية بعقيدة أو بفكرة، إلى مستوى الفيض وهو في حد ذاته نوع من العجز عن رؤية الجوانب الأخرى من الفكرة الواحدة، بحيث يتراءى للمتطرف أن الزاوية التي يرى منها هي الزاوية الوحيدة للنظر، وأن كل ما سواها باطل، وهذا هو عين الخطأ في هذه الرؤية. وطبيعي أن ينصرف هذا التفسير للتطرف إلى التطرف الأعمى الذي لايستند إلى أسباب موضوعية أو منطقية سليمة، نحو هدف أو غاية. أما التطرف في الحق فواجب أخلاقي وديني في آن واحد. وقد جنح النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى التمسك في المواقف التي تستوجب ذلك. يتمثل ذلك في قوله: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه... ). وعلى هذا يمكن القول بأن التطرف نوعان : تطرف عليل مذموم. تطرف صحيح محمود. فالأول هو الذي تغلب فيه الفكرة المتطرفة الوحيدة، ويتبناها فريق، فيقتل بها كل ما عداها من أفكار. أما التطرف الصحيح فهو الذي يتصدى للفكرة الوحيدة، ويقوم الصراع بين الفكرين المتطرفين، بحيث يتولد عن هذا الصراع غالباً بروز الحقيقة مجسدة، على شكل فكرة ثالثة حديثة تظهر شامخة للعيان، فيما يعرف بالتطرف المجرد، وهو الانحياز المطلق لمذهب سياسي أو ديني، نتيجة الاقتناع بهذا المذهب أو ذاك واعتباره منهجاً أو دستوراً في الحياة دون غيره من المذاهب أو الاتجاهات الأخرى. ويمكن القول إن التطرف في الرأي ما هو إلا نوع من العجز عن رؤية الجوانب الأخرى من الفكرة الوحيدة، بحيث يخيل للمتطرف أن الجانب الذي يرى منه هو الجانب الوحيد للنظر. وللتطرف الأعمى سمات خاصة، منها: أنه رد فعل وليس فعلاً قائماً بذاته. غالباً ما يكون نظرية مغرضة خالية من شرف الغاية. النظرية المغرضة الخالية من شرف الغاية تكون غالباً اما ستاراً لإخفاء عدم البصر بحقيقة الأشياء، أو ستاراً لإخفاء الجهل بحقائق الأمور. ويلاحظ ذلك في بعض الأقطار الإسلامية التي تبلغ درجة مناسبة في حقيقة الدين الحنيف، وأصول التشريع فيه، بينما نرى ظاهرة التطرف هذه لاتنتشر في الدول الإسلامية ذات الرسوخ في العلم بمقاصد الإسلام وتفهم أحكامه كما ينبغي. أما كون التطرف هذا وسيلة لبلوغ أهداف سياسية يتمثل في التطرف الأعمى في الدين أو السياسة أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي، فإنه غالباً ما يكون طريقاً لنيل أهداف سياسية لأصحابه، بحيث يستغلون الجماهير ليصلوا بها إلى مراكز السلطة، فإذا ما وصلوا فعلاً لأهدافهم فإن التطرف يكون دستورهم، يحتفظون به شعاراً للحفاظ على مصالحهم، والإبقاء على مكاسبهم. وفي المقابل فإن التطرف الأعمى يبقى كذلك وسيلة خصومهم للتربص بهم، متى واتت الفرصة. وما أكثر ما نرى الشباب يندفعون ليموتوا في معركة ليست معركتهم، وليت هؤلاء الشباب الذين يندفعون للموت استشهاداً يعرفون الحيل التي يروج لها ذوو الأغراض الشخصية، وأصحاب المصالح ممن لهم خلفيات ليست سارة. وهل يعرف الشباب المتطرف أن الدين في حقيقته وأصله إنما هو الحب والسماحة والتقوى قبل كل شيء، وأن الوطنية عمل وبناء وتفان وتعاون؟. * خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان