البحسني ينعي 5 شهداء من جنود قوات النخبة الحضرمية    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    المجلس الإسلامي العلوي: سلطة الأمر الواقع كشفت حقيقتها القمعية    البرلمان يطالب المجتمع الدولي بمواقف حازمة ضد تصرفات الكيان    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    اليمن بين ثبات النهج ومنزلق الارتهان: قراءة في ميزان السيادة والهوية    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    مصرع شخصين جراء عواصف شديدة تضرب دول شمال أوروبا    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هؤلاء هم أبطال حضرموت قيادات صنعت المجد وقهرت الإرهاب    يتباكون على ثروات الجنوب.. فضائح نهب النفط والمعادن في حضرموت نموذجًا    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    الأحزاب تثمن استجابة التحالف لطلب القيادة اليمنية وترحب برسالة وزير الدفاع السعودي    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هو المستشار حسين الحبيشي ؟
نشر في 14 أكتوبر يوم 19 - 12 - 2011

قليلون هم الرجال الذين يتركون بصمات واضحة في الحياة، تبقى علامات بارزة تدل عليهم بعد وفاتهم، وقليلون هم الرجال كذلك الذين يتركون وراءهم أفكاراً نيرة تضيء الطرقات للأجيال التي تعقبهم، وقليلون أيضاً هم المتعلمون الذين كانت لحياتهم قيمة قدموا في أثنائها خدمات جليلة لمجتمعاتهم، وساهموا مساهمة فعالة في بناء مجتمعاتهم وتطوير بلدانهم، وقليلون كذلك هم التربويون الذين نهضوا بمؤسساتهم التربوية، وعملوا على إخراج أجيال متعاقبة من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين.. وغيرهم من صانعي المجد والحضارة.
ولست مجافيا الحقيقة إن قلت إن من بين هؤلاء القليلين المتميزين أستاذنا الفاضل المستشار حسين علي الحبيشي، ذلكم الرجل العصامي الذي بنى نفسه وابتنى معه الوطن.
ولد الأستاذ حسين الحبيشي في مدينة الشيخ عثمان، في 4 مارس 1927م، وهي إحدى مديريات محافظة عدن حالياً، كانت وقتها خالية من كل مظاهر المدنية الحديثة، حتى بيوتها كانت متواضعة مبنية من اللبن مكونة من غرفة النوم والجلوس وهي الغرفة الرئيسية في البيت، ملحقة بها ( دارة ) مكشوفة، تنتهي بحمام ومطبخ، وخلفها ممر مكشوف لتصريف الفضلات، يسمى بلهجة عدن ( الزولي ) يأتي إليه في المساء عامل النظافة ( الجبرتي ) ليأخذ بملعقته فضلات الإنسان المتجمعة في ( تنكة ) من الصفيح، تنبعث منها رائحة نتنة، تصل إلى المطبخ المجاور، وكل أرجاء البيت، وتختلط بروائح الخبز والسمك المشوي.
في ذلك البيت المتواضع ولد الأستاذ حسين الحبيشي وفيه كذلك عاش أيام طفولته، وفي حواريها المتربة لعب، وفي أحضان أسرته الفقيرة تربى، ولم يدر في خلده أنه سيصبح ذات يوم علماً من أعلام اليمن المتميزين، ورجلاً من رجالات الفكر والثقافة الذين أثروا الحياة بمؤلفاتهم القيمة، ومشورتهم النيرة، وخدماتهم الجليلة، وإسهاماتهم المتميزة.
لم يكن أحد يتصور حينها أن ذلك الطفل الفقير سيتخطى صعاب المعيشة، ومعاناة الحياة القاسية، ليجتاز المراحل الدراسية جميعها بنجاح وتفوق ويجد نفسه متخرجاً من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955م، وحاملاً شهادة ليسانس في الحقوق، في وقت كان أعلى مستوى دراسي يصل إليه الطالب اليمني هو الانتهاء من الكتاب أي (المعلامة ) ليكون قادراً على القراءة والكتابة، وأداء العمليات الحسابية البسيطة في الدكاكين، والمحظوظ منهم من يتمكن من الالتحاق بحلقات الدروس الدينية في المساجد، أو بمدارس الإرساليات الأجنبية يتعلم فيها بعض العلوم الحديثة، إلى جانب اللغة الانجليزية.
وشاءت الظروف أن يكون حسين الحبيشي واحداً من التلاميذ الذين درسوا في تلك المدارس، وصار قادراً على التعاطي مع اللغة الانجليزية بطلاقة، إلى جانب معارفه بالعلوم الحديثة، وهو ما أهله ليكون واحداً من طلاب أول بعثة طلابية يرسلها الإمام يحيى حميد الدين إلى القاهرة تحت إلحاح الضغط الشعبي عند بداية نشوء الحركة الوطنية اليمنية في الأربعينات من القرن الماضي.
ولما كان حسين الحبيشي قد حصل على الليسانس في الحقوق من جامعة القاهرة عام 1955م، فإن هذا المؤهل في حد ذاته كان كفيلاً بأن يمكنه من شغل أي منصب قضائي في عدن أو في غيرها، إلا أن طموحه جعله يتجه صوب المملكة المتحدة ليلتحق بجامعة عدن، وتحديداً في الكلية الملكية، ليحصل بعدها على الدبلوم العالي في القانون الدولي، كان ذلك عام 1958م، وكان بوده أن يواصل الدراسة العليا في لندن للحصول على الدكتوراه، لولا أن الزعيم أحمد محمد نعمان كان قد عمل ورفاقه في الحركة الوطنية اليمنية على تأسيس هيئة التربية والتعليم اليمنية التي انبثقت عنها ( كلية بلقيس ) في الشيخ عثمان، كخطوة أولى لإنشاء مدارس أخرى في عموم اليمن، والمهاجر، على طريق محاربة الجهل.
كان النعمان ورفاقه قد عرفوا الحبيشي وقدروا تميزه وتفوقه، فطلبوا إليه المجيء إلى عدن ليتولى عمادة كلية بلقيس، عند بداية تأسيسها عام 1961م، وكان هذا الاختيار نابعاً من السمعة الطيبة التي كان قد حظي بها الحبيشي سواء في أثناء دراسته، أو في أثناء قيامه بأعمال المفوضية اليمنية بلندن، عام 1958م، والتي ظهرت في أثنائها قدرته على القيادة، وبرز في المفوضية كأفضل من تولى تسيير شؤونها، غير أن الحنين إلى الوطن جعله يقبل العودة إلى عدن ليتولى مهام إدارة ( كلية بلقيس )، ويتضح من تسمية المدرسة أنه كان طموحاً ليحولها إلى كلية جامعية، يلتحق فيها كل من تحول الظروف دون ابتعاثه إلى الخارج للدراسة الجامعية، ومن هنا أتت تسمية (كلية بلقيس) وتسمية المنصب الذي شغله ( عميد كلية ) في وقت لم تكن هذه التسمية متداولة في عدن، ولا تطلق على مديري المدارس الثانوية.
ولست مبالغاً إن قلت إن هيئة التربية والتعليم كانت محقة عندما اختارت حسين الحبيشي ليكون أول عميد لكلية بلقيس، ومؤسساً لجميع أقسامها، وفيها ظهرت براعته في التخطيط والتنظيم وتوزيع المهام والمتابعة والتقويم كأفضل ما يكون القائد التربوي.
ولما كان الحبيشي يحترم نفسه، ويقدر أهمية منصبه، ويعرف خطورة الارتجال والعشوائية في قيادة المؤسسات التربوية، فقد قام بصياغة لائحة داخلية لتنظيم العمل في الكلية وتحديد مهام واختصاص كل فرد من أفرادها، ليكونوا جميعهم بمثابة أسرة واحدة، تعمل متضامنة لأداء رسالة الكلية وتحقيق أهدافها، والتي هي :
توفير كل الظروف والإمكانيات التي تساعد على نمو التلميذ العقلي والبدني والروحي، والتي تعمل على تحسين العملية التربوية لتحقيق هذا النمو.
تحقيق الأهداف الاجتماعية التي يدين بها المجتمع.
الاهتمام بالتلميذ ومساعدته للتمتع بطفولته ومراهقته وشبابه والعمل على حل مشكلاته اليومية، لإعداده لتحمل المسؤوليات في حياته الحاضرة والمقبلة في المجتمع.
غرس الروح الديمقراطية عن طريق المعايشة لا الدروس.
العناية بدراسة المجتمع والمساهمة في حل مشكلاته وتحقيق أهدافه.
زيادة التقارب والاتصال والمشاركة بين المدرسة والمجتمع.
الإعداد المهني.
كل ذلك تحت شعار: التثقيف لا التعليم، والتربية لا التلقين.
ولما كان الأستاذ حسين الحبيشي ( عميد الكلية ) حريصاً على أن يرقى بالعملية التربوية في الكلية إلى مستوى المؤسسات التربوية في البلدان المتقدمة، قام عام 1963م أي بعد عامين من توليه عمادة الكلية بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية للإطلاع على تجربتها التربوية ودراسة الإدارة التربوية في جامعة ( استانفورد ) ليحصل بعدها على دبلوم في الإدارة التربوية. أي أنه كان حريصاً على الأخذ بأحدث النظم الإدارية في العالم المتقدم، وتطبيقها في كلية بلقيس. وهو ما قام به فعلاً بعد عودته من أمريكا. فكان أول ما فعله هو الاستفادة من دراسته النظرية، ومحاولة تطبيق ما يمكن تطبيقه على أرض الواقع وفقاً لظروف الكلية ، فبعد أن كان قد حدد الأهداف كان لا بد له من تحديد الوسائل لتحقيق الأهداف ، فقام بتأسيس مجلس للأباء وآخر للأمهات، وإنشاء ناد للخدمة الاجتماعية يتولى تقديم المساعدات للطلبة الفقراء والمعوزين وبالذات في شهر رمضان الكريم.
ومن أجل ربط المدرسة بالمجتمع أقام حفلات سنوية في مشروع المدرسة الذي بني في ساحتها على أسس علمية يسمح بالعروض المسرحية المتنوعة وتقديم الأغاني والأناشيد والموسيقى، وشجع الطلبة على التباري في تقديم مواهبهم أمام الآباء والأمهات والضيوف في الحفلات السنوية التي كان يدعى إليها بعض كبار رجال المجتمع والقيادات التربوية، إلى جانب العروض المسرحية والوصلات الفنية التي تقدم على خشبة مسرح المدرسة ، كانت هناك معارض فنية تعرض فيها رسومات الطلاب والطالبات ، ونماذج من الصحف الحائطية وإبداعيات الطلاب والطالبات في الأشغال اليدوية، وغيرها، وإلى جانب ذلك كانت الطالبات يقدمن نماذج من الأطعمة التي يقمن بإعدادها تحت إشراف مدرساتهن ، وتقديم بعضها للضيوف.
من إبداعات الأستاذ حسين الحبيشي التربوية التي استوحاها من رحلته في أمريكا استخدام بعض الطرق الحديثة في التدريس ، منها على سبيل المثال طريقة المشروع ، وطريقة تعليم الطالب المتخلف ، وطريقة المنهج المتكامل، وغيرها من الطرق الحديثة التي يتم استخدامها لأول مرة في عدن وتحديداً في كلية بلقيس.
ويمكنني هنا أن أبين إحدى الطرائق الحديثة التي استخدمها معنا نحن طلابه ، وهي طريقة المشروع ، فعلى الرغم من أنه لم يكن معلمنا المباشر إلا أنه كان يزورنا بين الحين والآخر فمن عادته زيارة الصفوف وفقاً لجدول معد، وغرضه من ذلك الاطلاع على أداء المدرسين وطرائق تدريسهم ومن ثم توجيههم لتحسين أدائهم ، فقد زارنا ذات يوم ونحن في حصة الجغرافيا في الصف الثاني الإعدادي فأراد أن يجرب معنا - نحن الطلبة - طريقة المشروع كما رآها في أمريكا ، فطلب إلينا أن نبحث عن ميثاقي الجامعة العربية والأمم المتحدة وفي حالة عدم عثورنا على هذين الميثاقين ، طلب إلى كل واحد منا أن يعمل شيئاً في إطار المشروع ، وكان يقدم أحدهم أسماء الدول المؤسسة لعصبة الأمم ، أو الأمم المتحدة ، ثم تقديم معلومات موجزة عن كل دولة ، وترك لنا الخيار بين الجامعة العربية أو الأمم المتحدة.
وقسمنا إلى مجموعات عمل ، تعمل كل مجموعة في تنفيذ مشروع بحيث تنفذ المجموعات كلها مشروعاً متكاملاً في فترة زمنية محددة وكنت أنا ضمن مشروع الجامعة العربية، وصادف حينها انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964م ، وكانت مجلة العربي الكويتية ، ومجلة المصور المصرية قد قدمتا تقارير عن مؤتمر القمة العربي ، مع صورة للرؤساء والملوك العرب، ونبذة مختصرة عن كل دولة عربية مشاركة في المؤتمر ، فقمت بقص صور الرؤساء العرب، ولصقها في دفتر خاص ، بعد أن وزعت صفحاته على عدد الدول بحيث تكون لكل دولة صفحة أو عدة صفحات فقمت بلصق صورة رئيس أو ملك كل دولة في رأس الصفحة المخصصة لدولته وإلى جانبه علم الدولة وشعارها ، وعاصمتها وعملتها الوطنية وشعارها وبعض المعلومات المتعلقة بها ، وقد ساعدتني بعض المجلات على الحصول على معلومات مهمة عن كل دولة بالإضافة إلى معلومات عن الجامعة العربية ، وميثاقها ، والمنظمات التابعة لها، فقمت بتدوين ذلك بخط ممتاز، وتنسيق رائع ، وتنظيم محكم ، مع رسم خريطة كل دولة في الصفحة الخاصة بها، ورسم خريطة الوطن العربي في غلاف الدفتر، وبالإضافة إلى ذلك قمت بنسخ ميثاق الجامعة العربية فيما تبقى من الصفحات ، ثم قدمته وزملائي أعضاء المجموعة إلى الأستاذ حسين الحبيشي ، فأعجب بالعمل أيما إعجاب ، وسأل من صاحب هذا العمل، فقلنا له : نحن ، فقال / أقصد الذي جمع هذه المادة ونسقها ، ومن كتب هذا الخط، فقيل له : علوي، فسألني: أهذا خطك ؟ قلت له: نعم ، قال : تعال إلى مكتبي في الاستراحة لاكلفك بكتابة بعض الشعارات ، فذهبت إليه فكانت هذه أول مرة نلتقي وجهاً لوجه ومن حينها صار يعرفني.
ومن وسائله التربوية الحديثة تشجيعه بعض الطلاب للقيام بإعداد دراسات عن البيئة المحلية ، وتكليفهم بجمع إحصاءات عن بعض النشاطات والخدمات القائمة في مدينة عدن أو ضواحيها. وكذا تشجيعهم للقيام بمبدأ الاكتفاء الذاتي من خلال تنفيذ مشروع أخدم نفسك بنفسك ، والذي على أساسه كان كل صف دراسي يعتمد على طلابه في أعمال النظافة والنظام والمراقبة ، حيث يلزم كل صف بتقسيم الطلاب إلى عدة لجان منها لجنة للنظافة ، ولجنة للنظام وأخرى للمراقبة .. وهكذا، وكل مربي صف يتولى عملية الإشراف والمتابعة ، وعلى أساس ذلك يقوم الطلاب بأنفسهم بكنس أرضية الصف ، وتنظيف زجاج النوافذ والأبواب ، ومقاعد الدراسة والأدراج ، وفقاً لبرنامج معد مسبقاً. وقد ترك هذا النهج أثراً عظيماً في تربية الطلاب على الاعتماد على النفس والحرص على بقاء غرف الدراسة والممرات نظيفة باستمرار ، واضحى ذلك سلوكاً متبعاً في حياة الطلاب.
ومن أساليبه التربوية كذلك عنايته بالنشاطات التربوية المختلفة ، باعتبار ذلك جزءا أساسياً من العملية التربوية ، فقام بتقسيم الطلاب والطالبات إلى ربع أسر رياضية منها: اليزنية والطارقية والخالدية ، بحيث يكون كل طالب أو طالبة منتمياً إلى إحدى هذه الأسر يشارك في نشاطاتها ويشجع زملاءه فيها. كما شجع الطلاب أيضا على الانخراط في الجمعيات العلمية ،حيث كان لكل مادة دراسية جمعية خاصة تعنى بممارسة نشاط علمي متخصص حسب الميول والرغبات.
ولعل أروع ما قام به الأستاذ حسين الحبيشي هو ابتكاره طريقة تربوية فريدة ومتميزة في التعرف على أحوال الطلاب المقيدين في سجلات المدرسة ، ذلك أنه جعل لكل طالب ملفاً خاصاً به يحوي كل المعلومات المتعلقة بأسرته ومسار دراسته، وكان من واجب مربي الصف تعبئة البطاقة المدرجة في الملف سنوياً، وإلى جانبها بطاقة صغيرة مختصرة يحتفظ بها العميد في مكتبه ليستطيع من خلالها التعرف على أي طالب ، سواء كان متميزاً أو منحرفاً فإن كان متميزاً أو موهوباً أخذ بيده وشجعه على تطوير مواهبه وإبداعاته وإن كان متخلفاً أو منحرفاً يساعده على معالجة مشكلاته.
ولما كان الأستاذ حسين الحبيشي متخصصاً بالقانون ،فإن ذلك قد انعكس إيجابياً على كلية بلقيس ، فقد عمل لها لائحة داخلية تنظم أعمالها والعلاقات بين أعضائها ، وواجبات كل فرد ، سواء كان معلماً أو طالباً ، وشكل لجنة قضائية من الطلاب بالاحتكام إلى تلك اللائحة عند النظر في مخالفة أي طالب لبنودها والتوصية بالعقوبة المنصوص عليها في اللائحة.
وهنا أحب أن أشير إلى كتابي الموسوم ( كلية بلقيس.. تجربة تربوية رائد)، الذي فصلت فيه القول عن الدور الفاعل والرائدة لهذه المدرسة المتميزة، بإداراتها المقتدرة، والمتمثلة بالأستاذ حسين الحبيشي، وإلى جانبه نخبة من التربويين المتميزين، أمثال الأستاذ محمد أنعم غالب، وعبدالعزيز عبدالغني، وسعيد قائد أحمد، وغيرهم. ويمكن للقارئ الرجوع إلى هذا الكتاب للمزيد من المعلومات.
ولما كان الأستاذ حسين الحبيشي قد نجح في إدارة كلية بلقيس، نجاحاً باهراً، فإنه لم يسلم من كيد الحساد ودسائس الحاقدين، الذين مافتئوا يحرضون ضده، ويتآمرون عليه، بدوافع الخلاف السياسي، حيث انعكس الصراع السياسي بين قيادات جبهة التحرير وقيادات الجبهة القومية في الستينات من القرن الماضي على إعاقة كثير من نشاطات كلية بلقيس، بل وتعطيل العملية التدريسية فيها، حيث قامت بعض عناصر الجبهة القومية بالتحريض في اتجاهين، تحريض الطلبة للمطالبة بإلغاء الرسوم الدراسية، أو تخفيضها، وكذا تحريض المدرسين للمطالبة بزيادة أجورهم، لغرض إحراج العميد وجعله عاجزاً عن مواصلة نشاطه التربوي المتميز، وإجباره على التخلي عن إدارة الكلية، حتى يتسنى لأنصارهم إدارتها بدلاً عنه، متناسين أنها مدرسة أهلية تعتمد أساساً على الرسوم الدراسية في تسيير أمورها، فلما أجبروه على التنحي والتخلي عن منصب العمادة، لم يستطيعوا إدارتها لاستكمال عام دراسي واحد، لأن الكلية اضطرت لإغلاق أبوابها لعدم قدرتها على دفع مرتبات المدرسين، لرفض الطلاب دفع الرسوم الدراسية، وقبلها وجد الأستاذ الحبيشي نفسه مضطراً لترك الكلية والهروب من عدن حفاظاً على نفسه، وكرامته، من المساس والإهانة. كان ذلك عام 1968م أي بعد بضعة أشهر من جلاء قوات الاحتلال البريطاني من عدن، وإعلان الاستقلال.
ووجد الأستاذ الحبيشي نفسه في صنعاء، وكانت سمعته ونجاحه في إدارة كلية بلقيس قد سبقته، بالإضافة إلى أن بعضاً من زملائه في الدراسة كانوا يعرفونه معرفة جيدة، ويحترمونه، ويقدرون نشاطه واجتهاده منذ أن كان طالباً في القاهرة أو في بريطانيا، حيث كان رئيساً للطلبة العرب في بريطانيا وبالذات المسجلون لبرامج الدراسات العليا بين عامي 1956 و 1958، وفي كتاب سيرته ( محطات حياتي ) أورد عدداً من أسماء زملاء دراسته ممن صاروا مشهورين ويتبوأون مراكز قيادية في الدولة.
فما أن حط رحاله في صنعاء عام 1968 حتى صدر قرار جمهوري بتعيينه رئيساً للمكتب القانوني للدولة، وصار المستشار القانوني لرئاسة الجمهورية، ومن مكتبه ذاك تصاغ القوانين وتعدل قبل صدورها، ومن مكتبه كذلك تصدر الجريدة الرسمية وتوزع، ومن هنا اكتسب لقب المستشار الذي ظل ملازماً له طوال حياته.
وفي عام 1988م عين نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية والمالية، ثم صار عضوا بمجلس الشورى وهو المنصب الذي كان قد شغله متزامناً مع رئاسته للجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور دولة الوحدة.
وفي عام 1990م أصبح عضواً بمجلس النواب ورئيساً للجنة التشريعية في المجلس بالإضافة إلى كونه رئيساً للمكتب الفني للمجلس.
وكان قد فتح له مكتباً متخصصاً للاستشارات القانونية مكنه ليكون مستشاراً قانونياً لعدة شركات ومؤسسات وهيئات. كما ترأس لجنة الحدود البحرية اليمنية في أثناء التفاوض مع السعودية، وترأس كذلك لجنة التفاوض مع اريتريا في شأن النزاع على جزيرة حنيش، وكان أيضاً عضواً في اللجنة الوطنية للتحكيم مع اريتريا.
ولم ينحصر نشاطه على الجوانب القانونية والإدارية وحدها، بل عمل في فترات متقطعة في المجال الأكاديمي، حيث كان أستاذاً في معهد المعلمين بصنعاء ( 1970 - 1971 ) وعضواً في اللجنة التأسيسية لجامعة صنعاء ورئيس معهد التنمية الديمقراطية 1995 - 1997م، وأستاذاً محاضراً في القانون بجامعة صنعاء 1971 - 1982م. بالإضافة إلى ذلك كان عضواً مؤسساً في مجلس إدارة المدارس الأهلية النموذجية من عام 1972م، حتى وفاته.
وفي مجال القضاء كان عضواً في مجلس القضاء الأعلى في الفترة ما بين 1974 - 1979م، وعضواً في مركز التحكيم القضائي في القاهرة منذ عام 1980م.
ورغم انشغاله بهذه المهام كلها إلا أنه لم يكف عن الكتابة والتأليف، فله العديد من البحوث والدراسات المنشورة في العديد من المجلات في داخل اليمن وخارجه، وله مساهمات كذلك في العديد من النشاطات الثقافية والاجتماعية.
أما في مجال التأليف فله ما يصل إلى عشرة كتب منها :
كتاب تقرير المصير 1967م.
مسرحية مرآة المسكين مراجعة مسرحيات عالمية، 1976.
كتاب النظام القانوني في الجمهورية العربية اليمنية ( بالانجليزية ) 1976م.
كتاب قضايا قانونية، 1978م.
كتاب النظام القانوني في اليمن ( بالانجليزية ) 1978 - 1982م.
كتاب اليمن والبحر الأحمر 1985م.
كتاب الحدود الدولية 1990م.
بحث الاتجاهات المختلفة في الإسلام 1993م.
بحث المحاكم التجارية والتحكيم 1988م.
ألم أقل في بدء هذه المقالة أن قليلين من الرجال هم الذين تركوا بصمات واضحة في الحياة، بقيت علامات بارزة تدل عليهم بعد وفاتهم، وأن الأستاذ المستشار حسين علي الحبيشي كان واحداً من هؤلاء القليلين المتميزين صانعي المجد والحضارة.
رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جنانه و"إنا لله وإنا إليه راجعون"، فقد وافته المنية في يوم الخميس 13 أكتوبر 2011م، بمدينة لندن، ووري جثمانه الثرى بمدينة صنعاء يوم الخميس 20 أكتوبر 2011م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.