هل أوباما وبوش وجهان لعملة واحدة؟ قال الكاتب مارك ثيسين في مقال له في صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يشابه سلفه جورج بوش في النزعة لشن حرب على الإرهاب، وإنه لا فرق بين الاثنين في هذا الصدد إلا فيما يتعلق بطريقة رد فعل القوى الليبرالية إزاء الإجراءات التي يتخذها أو اتخذها كل منهما. ويشير الكاتب إلى تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام تناول حرب الطائرات بدون طيار التي يشنها أوباما على المقاتلين المناهضين للولايات المتحدة بلا هوادة. ويخاطب الكاتب قراءه ويقول «تخيلوا الضجة التي كانت ستعصف باليسار (على اعتبار أن بوش ينتمي لتيار اليمين) لو أن تقريرا مشابها صدر على صفحات الصحيفة نفسها أيام الرئيس بوش ويقول إن الرئيس ينتقي بنفسه كل اسم على لائحة اغتيالات ما تفتأ تتوسع وتطول؟». ويكمل الكاتب: تخيلوا لو أن مؤسسة تايمز الإعلامية قد وصفت مسؤولي البيت الأبيض أيام الرئيس بوش بأنهم يتفاخرون كيف «أقر الرئيس عملية استهداف بدون إذن خطي أو إن قال بوش لمساعديه إن قرار استهداف مواطن أميركي وقتله (أنور العولقي) كان قرارا سهلا». ويجيب الكاتب كانت نار جهنم لتستعر الآن في لافاييت بارك في إشارة إلى مدينة ديترويت أحد معاقل اليسار الأميركي. ويدعو الكاتب إلى تأمل بعض ما كشف عنه تقرير صحيفة نيويورك تايمز: عندما أمر أوباما بغلق مراكز التحقيق التابعة للمخابرات المركزية الأميركية في غوانتانامو فإنه نفذ ذلك بطريقة حاذقة، بينما استمر من جهة أخرى بشن حرب على الإرهاب بالطريقة التي يراها مناسبة. بالإضافة إلى ضربات لشخصيات معينة و«إرهابيين» خطرين، فإن أوباما رخّص عمليات اغتيال ضد «مرافق مثيرة للشك» وأهداف «نجهل أسماءها». بينما يدعي أوباما أنه شدد الإجراءات التي من شأنها حماية المدنيين (في مناطق العمليات) فإنه «تبنى طريقة لعد الضحايا من المدنيين» تعتمد على «اعتبار جميع الذكور القادرين على حمل السلاح في موقع الاستهداف مقاتلين أعداء» لأن «الناس الذين يسكنون في منطقة يعرف عنها أنها تشهد نشاطا إرهابيا أو تؤوي نشطاء من القاعدة، لا يصلحون لشيء خير». وفيما يتعلق بقتل الإسلامي الأميركي المولد أنور العولقي كان أوباما يعتمد على قدرته في الالتفاف على القوانين التي تحمي حقوق المواطنة. ويتساءل الكاتب «أين جلسات الاستماع البرلمانية التي تتهم أوباما بأنه رئيسا إمبرياليا؟ أين افتتاحيات نيويورك تايمز التي تصف أوباما بأنه أشرف على عملية «لتوسيع السلطات الرئاسية بشكل صادم من حيث تأثيرها والضرر الذي ألحقته بمبدأ الفصل بين السلطات؟ أين تحقيقات لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ التي دامت ثلاث سنوات وتقريرها ذو الخمسة آلاف صفحة بشأن حرب أوباما بطائرات التجسس بدون طيار؟». ويخاطب الكاتب منظمة العفو الدولية متهكما بالقول: في العام الماضي طالبت المنظمة بالقبض على بوش لإصداره أوامر بالقبض على قادة إرهابيين واستجوابهم ومن ثم إرسالهم أحياء إلى غوانتانامو لمحاكمتهم. وطبقا لمؤسسة تايمز فإن رئيسنا الحائز على جائزة نوبل قد أمر بغارات بطائرات بدون طيار تستخدم القنابل العنقودية، ويعتقد أنها قتلت ليس أهدافها فحسب بل حتى «العائلات التي تسكن بجوار الهدف». لماذا لا تطالب منظمة العفو الدولية بالقبض على أوباما لارتكابه جرائم حرب؟ ويجادل الكاتب بأن الحقيقة هي أن أوباما قد تبنى جميع الإجراءات التي تم إرساؤها في عهد بوش، ويقول إن أوباما استطاع تأمين تأييد جبهة عريضة من القوى الليبرالية لقوانين وسياسات صيغت في عهد بوش (اليميني) وهو شيء لم يكن يخطر على بال أحد في عهد بوش. تتوالى ردود الأفعال من اليمين الأميركي على التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية يوم الثلاثاء الماضي وتضمن معلومات عن إشراف الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصيا على أوامر استهداف مقاتلي القاعدة والمطلوبين للولايات المتحدة، وحصر أوامر الاغتيال غير العادي مثل حالات وجود قاصرين أو مواطنين أميركيين به شخصيا. وفي هذا السياق كتب تشارلز كراوثمر في صحيفة واشنطن بوست ناعتا أوباما ب «حارب الطائرات المسيرة عن بعد واقترح بتهكم لو أن هذا الوصف اتخذ كعنوان لمقال نيويورك تايمز. وحرص كراوثمر على إلقاء الضوء على حقيقة أن تقرير نيويورك تايمز لم يكن سبقا صحفيا ولا استنادا إلى وثائق مسربة، بل إلى معلومات أدلى بها البيت الأبيض بشكل علني، ويعتقد الكاتب أن سبب إطلاق البيت الأبيض هذه المعلومات هو محاولته تقديم أوباما على أنه الرجل الحازم الذي يتخذ القرارات الجريئة والصعبة عندما تكون الأمور على المحك. ويفسر الكاتب حرص البيت الأبيض على إظهار أوباما بهذه الصورة بأنه خطوة تكتيكية بعد الصورة السلبية التي ظهر بها مؤخرا عندما بدا عاجزا عن اتخاذ أي إجراء إزاء مذبحة الحولة في سوريا، إضافة إلى انهيار محادثات بغداد بين دول 1+5 وإيران حول ملفها النووي، التي أظهرت أوباما بأنه دمية بيد الإيرانيين. هذا بالإضافة إلى الطريقة الفوقية التي يتعامل بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أوباما، وغلقه الباب بوجه باستخدام حق النقض (فيتو) بمجلس الأمن. ويستمر كراوثمر بهجومه على أوباما ويقول إن معسكره ظنّ بأنه يمكن أن يستخدم الغارة التي شنت على أسامة بن لادن لحل أي قضية سياسية تتعلق بالسياسة الخارجية، لكن حتى محاولة استخدام الذكرى السنوية للغارة رجعت وبالا على معسكر أوباما، عندما تفاخرت حملته الانتخابية بإشادة الرئيس السابق بيل كلينتون بشجاعة قرار اغتيال بن لادن قائلا لو أن الغارة تسببت بمقتل أميركيين لكانت الآثار السلبية شنيعة عليه. وقد أشعل هذا التفاخر غضب العسكريين الأميركيين الذين قالوا بالمقابل إنه لو كانت هناك آثار سلبية لمقتل أميركيين فسيكون أشدها على أولئك الذين قتلوا في الواجب وعائلاتهم وأحبتهم. وعقد كراوثمر مقارنة بين أوباما والرئيس الراحل أيزنهاور، وبيّن كيف أن أوباما لا يكف عن استخدام عبارات الأنا عندما يتعلق الأمر بأسامة بن لادن، بينما لم يقم بذلك أيزنهاور في عملية إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية، رغم أن تلك العملية أكثر مصيرية للولايات المتحدة والعالم من اغتيال بن لادن، أما البيان البديل الذي كان أيزنهاور ينوي إصداره في حال فشل الإنزال فكان ينص على تحمله شخصيا وحصريا مسؤولية الفشل. ويستمر الكاتب بالنقد اللاذع لأوباما ويتهمه بالانتهازية بالقول «وهكذا فصانع السلام والحائز على جائزة نوبل والداعي لنزع السلاح النووي الذي اعتذر للعالم نيابة عن أميركا لأنها ظلت الطريق الأخلاقي عندما استخدمت أساليب قاسية لاستجواب الناس نفسهم الذين يقوم بقتلهم اليوم، تحول فجأة وبالتزامن مع انتخابات عام 2012 إلى زيوس (كبير آلهة اليونان المنتقم بألسنة من لهب). إنها أخلاقيات مربكة، يقول كراوثمر. ويكمل «كيف يطوف شخص العالم ليقدم أميركا على أنها فتحت صفحة جديدة في قاموسها الأخلاقي بانتخابها رئيسا شعر بالإهانة من الحروب التي شنها سلفه جورج بوش والمعاملة السيئة للسجناء، وفي الوقت ذاته يتفاخر بأنه شخصيا يقوم بلعب دور الحكم والجلاد بأوامر قتل يصدرها ضد أعداء غير مرئيين وبغض النظر عمن يكون بصحبتهم وقت تنفيذ حكم الإعدام بحقهم بصاروخ يسقط من عليين؟». ويوضح الكاتب إن ما ذكره ليس انتقادا للهجمات التي نفذت وتنفذ بواسطة طائرات بدون طيار، ويشدد على أنها ضرورية ضد من وصفهم بأنهم «إرهابيون يرتدون الملابس المدنية، ويستهدفون المدنيين بلا تمييز بل إن ما كتبه هو للاستفهام حول السبات الأخلاقي لأولئك الذين تأذت «مشاعرهم الرقيقة من أساليب بوش التي حفظت أميركا آمنة لعقد من الزمان، والذين يؤيدون اليوم حملة أوباما الذي يشن حرب اغتيالات بجهاز تحكم عن بعد. ثم يتحول كراوثمر إلى تحليل الآثار الجانبية لعمليات الاغتيال من الجانب الاستخباري، ويقول إن هناك «مشكلة عسكرية مزمنة. الإرهابي المقتول لا يتكلم. هجمات الطائرات بدون طيار رخيصة الكلفة، وهو أمر جيد، ولكن الأساليب التي تضمن لنا عدم وجود مقاومة لها كلفتها أيضا، فهي لا تأتينا بأي معلومات استخبارية. ويرى الكاتب أن القبض على مطلوب واحد يدر معلومات استخبارية تجعل الأميركيين بأمان أكثر من قتل عشر مطلوبين. ولكن الضجة التي افتعلها أوباما حول استجواب المعتقلين جعلته غير قادر على الاستفادة من أي معتقل، وبالتالي فإن القتل هو الحل الأنسب بالنسبة له. ويختم بالقول، إن عمليات الاغتيال تتلف معها المعلومات الاستخبارية التي يمكن أن تستفيد منها الولاياتالمتحدة في تعقب القاعدة ومن على منوالها، ولكن لا يملك الأميركيون اليوم غير الاستمتاع بغارات الطائرات بدون طيار ونتائجها القصيرة المدى، ولكن كلفة ذلك سوف تدفع لاحقا. هل تصبح مالي نقطة الانطلاق المقبلة للجهاديين؟ عندما شن بدو الطوارق في مالي تمردهم في يناير كانون الثاني ظن الكثيرون في افريقيا أنه سيكون الأحدث في سلسلة طويلة من انتفاضات الصحراء التي سرعان ما يتم إخمادها بعروض المال والوظائف. ووصل بعض المتفائلين في تفكيرهم إلى تغلب الشماليين على الذراع المحلية لتنظيم القاعدة والتي تقوم بخطف الغربيين وتهريب البضائع. لكن إسلاميين أفضل تسليحا استغلوا كفاح الطوارق في سبيل إقامة وطن مستقل وأقاموا ملاذا آمنا للمتشددين في منطقة الصحراء على غرار ملاذاتهم في أماكن أخرى. وقال أحمد ولد عبد الله وهو دبلوماسي موريتاني عمل كمبعوث للأمم المتحدة في كل من غرب افريقيا والصومال نحن في مرحلة مبكرة من أفغانستان والصومال. ما من شك في ذلك في اعتقادي. ولا يزال أمام مالي الكثير قبل أن تتحول إلى أفغانستان التي كانت تحكمها حركة طالبان في التسعينيات من القرن الماضي والتي دبر فيها الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول على أهداف أمريكية في عام 2001 . ولم يصل خطف الرهائن وتجارة المخدرات وغيرها من البضائع في المنطقة إلى الحد الذي وصلت له القرصنة قبالة الساحل الشرقي للصومال التي يعتقد أنها تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى سبعة مليارات دولار سنويا. لكن ولد عبد الله وعددا كبيرا من خبراء الأمن يشيرون إلى تدفق المقاتلين الاجانب والتناحر بين دول مجاورة وإلى تدفق الأموال غير المشروعة كأسباب من شأنها أن تجعل مالي والصحراء الكبرى في المنطقة التي تجدر مراقبتها. وحذر وزير الدفاع الجديد في فرنسا الأسبوع الماضي من «أفغانستان غرب افريقية» في مالي.