اختتمت القمة الاعلامية العالمية أعمالها مساء امس الجمعة في قاعة المؤتمرات الدولية بمركز التجارة العالمي في العاصمة الروسية موسكو بعد يومين من المناقشات التي استغرقت اربع جلسات عمل متواصلة تداول فيها المشاركون الآراء والأفكار المختلفة حول دور الاعلام في المتغيرات السياسية الجارية في العالم، وكذلك كيفية ضمان النزاهة والحرفية والصدق في عمل وسائل الاعلام خلال الازمات السياسية والاقتصادية، والاتجاهات الاساسية في تحول وسائل الاعلام على خلفية ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، والاخلاقيات الصحفية في عالم مفرط في ميكانزمات الأزمات، والتأثير المتبادل بين المنظمات الاعلامية ، والشركات ، والحكومات . وكان أبرز ما أثارته مناقشات القمة الاعلامية هو قضية ملكية وسائل الاعلام ، في ضوء بعض الآراء التي تطالب بخصخصة وتحرير وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمقروءة من ملكية الدول والحكومات ، حيث برزت آراء مختلفة حول هذا الموضوع ، وخاصة من قبل وفود اعلامية تمثل شبكات اخبارية كبيرة في الصين والهند وبعض الدول العربية وافريقيا وصربيا وأوروبا الشرقية وامريكا اللاتينية ، والتي هو جين تاو قدمت رؤى مختلفة تشير الى وجود اشكاليات وتناقضات معقدة حول العلاقة بين من يملك وسائل الاعلام وبين مدى الحرية في عملها . في هذا السياق أشار بعض المتحدثين الى أن كثيرا من الدول الكبرى والصغيرة التي تطالب بتحرير وسائل الاعلام من ملكية الدولة ، تملك وتمول هي الاخرى شبكات اخبارية واذاعية وتليفزيونية تمارس التضليل بهدف خدمة مصالحها السياسية في الخارج ، والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول المستقلة ، ولا تتناول الشأن الداخلي للدول والحكومات التي تملكها وتمولها . وبالمقابل فان الأزمة المالية العالمية تركت آثارا سلبية على عمل الشبكات الاعلامية التي تملكها شركات استثمارية وتعمل وفق قواعد اقتصاد السوق ، ومن أبرز بان كي مون هذه الآثار نقص السيولة المالية اللازمة للتشغيل والتحديث ، واضطرار ملاك الشبكات الاعلامية الكبرى الى البحث عن طرق جديدة لتحسين العمل وتوفير السيولة المالية من خلال تقليص عدد العاملين وتسريح المئات بل والآلاف منهم ، ما يؤدي الى ضعف أشكال ومضامين المنتج الاعلامي ونقص الاحتراف، أو اللجوء الى رهن وسائل الاعلام الخاصة لخدمة أجندات سياسية مدفوعة الثمن ، وما يترتب على ذلك من استخدام أساليب الإثارة والتضليل والتحريض، التي تتمثل في نقل صور كاذبة عن أوضاع بعض الدول غير موجودة في الواقع ، واقصاء صور أخرى عن المشهد الاعلامي الدولي موجودة في الواقع . وبهذا الصدد تحدث بعض خبراء الاعلام المشاركين في القمة الاعلامية بصفة استشارية حول التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية التي تهدد بخطر افلاس بعض الشبكات الاعلامية العالمية الكبرى ، حيث يلجأ بعضها الى الانخراط في الألعاب السياسية لبعض الدول والحكومات من خلال التعاطي مع أساليب الاثارة والتضليل والحروب النفسية التي تدر عليها أموالا كبيرة تساعدها على تحسين أوضاعها وحل مشاكل العاملين فيها ، وصرف رواتبهم واستحقاقاتهم التي تتأخر كثيرا بسبب نقص السيولة المالية . وكانت القمة الاعلامية العالمية قد افتتحت أعمالها في موسكو يوم ألخميس الماضي تحت شعار ( الاعلام العالمي و تحديات القرن ال21) ، بحضور اكثر من 300 شخصية اعلامية من 103 بلدان يمثلون 213 وسيلة اعلامية من بينها صحيفة (14 اكتوبر) ورئيس تحريرها الزميل احمد الحبيشي . وفي بداية الجلسة الافتتاحية وجه كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف والامين العام للأمم المتحدة بان كي مون كلمات متلفزة ومطبوعة رحبوا فيها بانعقاد القمة الاعلامية العالمية في موسكو ، وشددوا على أهمية حماية القيم الآخلاقية في سلوك وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والانترنت ، فيما ركزت كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على ضرورة التزام وسائل الاعلام في جميع أنحاء العالم بقيم الحرية والمسؤولية والتعددية والموضوعية والصدق في عرض المعلومات ، مشيرا الى أن أي مراهنة على امكانية تحقيق الهيمنة والسيطرة على مصائر الدول والحكومات والشعوب والأسواق ستفشل لأن التفكير بعقلية الحرب الباردة غير ممكن في العصر الراهن. وجاء في الكلمة التي وجهها بوتن الى القمة الاعلامية العالمية : « من المهم ان يعزز هذا المنتدى نفوذه كمنبر اجتماعي مؤثر، تناقش فيه مشاكل العصر الحيوية والحادة، حيث يساعد موقف وسائل الاعلام الموحد في حلها ويحتم عليها ان تلعب دورا كبيرا ونوعيا . إن مصادر المعلومات بمختلف اشكالها من الصحف وقنوات التلفزة ووسائل الاعلام الالكترونية وشبكة الانترنت، تلعب دورا كبيرا في تحديد السياسة الاقتصادية العالمية، لمختلف مجالات الحياة. إن هذا الدور يتطلب مسؤولية مهنية واخلاقية عالية ». واكد بوتن على اهمية مناقشة مسائل اخرى في هذه القمة مثل وضع معايير اخلاقية في عمل وسائل الاعلام وتعزيز ضمان الموضوعية واستقلالية الصحافة، وضمان مبادئ حرية الكلمة وتطوير المساواة والحوار البناء مع مؤسسات السلطة والمنظمات الاجتماعية ودوائر الاعمال. وقرأ وزير الاتصالات في روسيا الاتحادية كلمة موجهة الى القمة الاعلامية العالمية من رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف جاء فيها : ( ان حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات لا يمكن تحقيقهما وتجسيدهما في حال الاخلال بتوازن المعلومات ، إذ أن السلوك الاعلامي الذي يقوم على الاقصاء والحجب والتعتيم والانتقائية والتضليل والتحريض يعتبر سلوكا خطيرا من شأنه إعادة أجواء الحرب الباردة ، ولا يمكن قبوله في المؤسسات الاعلامية الكبرى أو غيرها من وسائل الاعلام ) كما وجه بان كي مون السكرتير العام لهيئة الاممالمتحدة، كلمة عبر الفيديو الى المشاركين في القمة جاء فيها : ( نلاحظ في السنوات الاخيرة ازدياد المخاطر التي تتعرض لها حرية الصحافة. لقد قتل خلال السنوات العشر المنصرمة اكثر من 500 صحفي بينهم 66 لقوا مصرعهم هذه السنة، ولا توجد احصائيات عن الذين تعرضوا للاعتقال أو هددوا، ما اضطرهم الى التزام الصمت والسكوت بسبب هذه التهديدات او بسبب الرقابة الحكومية ) . وقال « ان هذا مقرف. على الحكومات ان تعمل كل ما هو ممكن من اجل حماية الصحفيين. إن حرية التعبير هي مبدأ اساسي لحقوق الانسان، واحد الالتزامات الاساسية للامم المتحدة. إن وسائل الاعلام الحرة مهمة جدا من اجل الديمقراطية الكاملة والتطور الثابت ». وبعد الانتهاء من عرض الكلمات المتلفزة، ألقى السيد سيرجي ايفنتش رئيس مجلس الدوما ( البرلمان ) في روسيا الاتحادية كلمة رحب فيها بالمشاركين في مؤتمر القمة العالمية، ثم تحدث عن خطورة عدم التوازن في عرض وتقديم المعلومات على حرية التعبير وحقوق الانسان وبضمنها الحق في الحصول على المعلومات بدون تمييز أو تلوين أو انتقائية . ومضى رئيس البرلمان الروسي في كلمته قائلا : ( يجب منع الانهيار والفوضى في الساحة الاعلامية ، لأن ذلك سيفتح الباب لانهيار القيم الاخلاقية وتسلل الهواة وغير المحترفين الى وسائل الاعلام ) مشيرا الى أن الزمن الذي كانت فيه الدول والحكومات تسيطر على الاعلام وطرق الوصول الى المعلومات انتهى ولم يعد موجودا ، لكن سيطرة الدولة على وسائل الاعلام لا يمكن أن نستبدلها بعد انتهاء زمنها بسيطرة الفوضى والأغراض السياسية الدولية والأقليمية والمحلية لمالكي وسائل الاعلام الجدد ، منوها الى أن بعض الدول الكبرى تملك وتمول بعض الشبكات الاعلامية العالمية وتوجهها من أجل خدمة سياساتها ومصالحها الخارجية القديمة والجديدة !! ووصف رئيس البرلمان الروسي المعلومات التي تنشر في الخارج عن روسيا وبلدان أخرى لم يحدد أسماءها بأنها (أحادية الجانب ، ومصبوغة بألوان وأغراض سياسية لم تتخلص بعد من رواسب الحرب الباردة ، والمغامرات العمياء من أجل الهيمنة والسيطرة ) . وبعد ان انتهى رئيس البرلمان الروسي من ألقاء كلمته قام رئيس وكالة شينخوا الصينية الرئيس المشترك للقمة الاعلامية العالمية بقراءة كلمة مكتوبة باسم هو جين تاو رئيس جمهورية الصين الشعبية التي كانت سباقة في الدعوة للقمة الاعلامية العالمية منذ عام 2009م ، قال فيها : ( ان هذا العالم الذي نعيش فيه هو عالم واحد ولكنه متنوع ومتكامل .. ويجب أن نكون سعداء فيه .. وأن يحرص كل منا على سعادة الآخرين الى جانب الحرص على سعادته ) . وبعد الانتهاء من قراءة كلمة الرئيس الصيني ألقى رئيس البرلمان القبرصي كلمة الاتحاد الاوروبي باعتبار ان بلاده ترأس الدورة الحالية للاتحاد بعد قبول قبرص في عضويته ، كما ألقت الدكتورة سميرة رجب وزيرة الاعلام في مملكة البحرين كلمة المجموعة العربية والخليجية المشاركة في القمة الاعلامية العالمية . الجدير بالذكر ان روسياوالصين دعتا الى عقد هذا المؤتمر الذي انعقد برئاسة مشتركة روسية وصينية .