القاهرة/ رجب المرشدى وصلاح الدين حسن : بدا وديعاً مسالماً، فكلما وجّه إليه النظام القامع صفعة، قدّم له خداً من خديه، ولم تعرف أدبياته يوماً مشتقات «ثار، يثور، ثائر»، وكتب رعيلهم الأوائل ما عُرف بفقه التكوين، ومن ثم التمكين والخلافة وأستاذية العالم. وفي أتون حالة الحراك السياسى والاجتماعى الذى شهدته مصر، منذ مطلع الألفية الثالثة حذر «التنظيم» من وقوع الثورات، مشدداً من حين إلى آخر على أنه لا يؤمن بفلسفتها التى لا يأتى من ورائها غير الخراب، حسب فهم التنظيم. أكد ذلك الاتجاه حوار مع المرشد السابق محمد مهدي عاكف، عام 2008، أعلن خلاله صراحة أن «الإخوان لا يؤمنون بالثورة»، وفي ظل اشتداد الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر، رفض التنظيم كل الدعوات التي وجّهتها حركتا «كفاية» و«6 أبريل» للاحتجاجات الشعبية والعصيان المدني، وابتعد تماماً عن احتجاجات «كفاية» الصارخة، ضد حكم الرئيس حسني مبارك. الكذب: «فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَآل عمران: الآية 94 وجاء يوم 25 يناير، فرفض «التنظيم» النزول إلى الميدان، احتجاجاً على ممارسات «داخلية حبيب العادلى» ومناهضة مخططات التوريث، تحت دعوى أنه لا يعلم من دعا إلى هذه الاحتجاجات، ثم إنه كتنظيم منضبط، يرفض دعاوى «الفوضى والتخريب». ومع مُضىّ اليوم (25 يناير) الذي أدهش العالم والنظام، وهبوب نسمات التغيير في سماء البلاد، شعر التنظيم بأن هذا اليوم مختلف عن سابقه، فقرّر النزول في حمى شباب كسروا بإرادتهم حاجز الصمت والخوف الرهيب، إلا أن لسان حاله حتى اليوم لم ينطق بكلمة «الثورة» حتى انكسر الجهاز الأمنى العتيق وكُسرت مخالبه، وانطلق ذلك اللسان، ليُردد أن التنظيم حمى «الثورة» وأسهم في إنجازها. سياسياً، وفي أول حوار له بعد الثورة، قال محمد بديع مرشد «الإخوان»، رداً على سؤال حول مخاوف القوى السياسية من حصول «الإخوان» على أغلبية مقاعد البرلمان المقبل، إن «الإخوان سوف ينافسون على ثلث مقاعد مجلس الشعب، تحت شعار المشاركة لا المغالبة». ويُكمل: «إذا كانت تلك المخاوف صحيحة، فلماذا لم نقل إننا سنأخذ 60 أو 70 أو 80% من المقاعد، وبفضل الله إذا قرّرنا أن نحصل على 75% من المقاعد، فسوف نحصل عليها». الحديث ذاته أكّده خيرت الشاطر، نائب المرشد، في مؤتمر إخوانى بالإسكندرية، من أن الإخوان لن ينافسوا إلا على ثلث البرلمان المصرى. ولم يمضِ على هذا الكلام نحو شهرين حتى أعلن ذات الرجلين عن أن الجماعة ستنافس على غالبية مقاعد البرلمان، مما أصاب كثيرين بالاندهاش من قدرة الإخوان على كسر وعودهم وتفتيتها حتى تتبخر وتذهب أدراج الرياح. وبدأت تباشير انتخابات رئاسة ما بعد الثورة، ليعلن مرشد الإخوان محمد بديع، قرار التنظيم «بالإجماع» في مجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد عدم ترشيح أي من أعضائهم لانتخابات الرئاسة، مؤكداً أن الإخوان سوف يدعمون من يرون أنه سوف يخدم الشعب والوطن. كان تنظيم الإخوان، ومعه كتلة الإسلاميين، حصدوا ما يقرب من ثلثى البرلمان، وقفز أحد قياداتهم من أهل الثقة «سعد الكتاتنى» على عرش البهو الفرعونى، وسيطر «الإخوان»، كما كان الحزب الوطنى «المنحل»، على كل لجان البرلمان، إلا أن الإخوان لم يروا بأساً في العصف بوعد مرشدهم ونائبه، وجاهروا أيضاً بأنهم يسعون للاستحواذ على عرش مصر، وتقرّر ترشيح الرجل القوى «الشاطر» ليعتلى رئاسة البلاد. احمد بان ويُطل شبح «المحنة» التي تسكن وجدان التنظيم وطيف المؤامرة الذي يتراقص أمام مخيلته، ويقول الباحث أحمد بان إن شبح المؤامرة هذا «جعل التنظيم لا يفكر إلا في حماية نفسه فقط، حتى لو كان على حساب مصالح البلاد». وتساءل حراس التنظيم: ماذا لو حلّ المجلس العسكرى البرلمان؟ هل نجد أنفسنا خارج المشهد السياسي إذا أُجريت انتخابات أخرى ولم نحصل فيها على الأغلبية؟ فكان الأمان من وجهة نظر تلك القيادة أن: نرسل أحد أبنائنا المخلصين كى يكون مندوبنا في رئاسة الجمهورية، وبذلك نحمى التنظيم من هواجس المستقبل. ويعود التنظيم بعد ذلك للإطاحة بحكومة كمال الجنزورى، التي تعاونت مع المجلس العسكرى حينذاك، لكى تتولى تسيير أعمال الدولة، ووقف في وجه القوى الثورية التي طالبت عبر التظاهر والاعتصام، بمنع تشكيلها ابتداءً، ثم النضال من أجل إقالتها. وبعد أن قدّم التنظيم الغطاء السياسي والإعلامى للمجلس العسكرى في قمعه المجموعات الثورية التي طالبت بإقالة حكومة «الجنزورى» بعد اندلاع أحداث ما عُرف ب«مجلس الوزراء»، وخرج أفراده منددين بالمجموعات الثورية التي اعتصمت أمام «المجلس» لتمنع «الجنزورى» من الدخول، وبرّرت ما قامت به قوات الجيش من فضّ اعتصام المتظاهرين وتجريد سيدة معتصمة من ملابسها في مشهد مأساوى هز قلوب المصريين وتحدّثت عنه وسائل الإعلام العالمية. وتتجلى تحوّلات «التنظيم» في موقفه من مؤسسة القضاء وأحكامها التي طالب باحترامها في بيان له بعد صدور أحكام الإعدام على عدد من متهمى «مجزرة بورسعيد» وما زال ماثلاً في الأذهان مشهد تطويق أعضائه مقر المحكمة الدستورية العليا، لمجرد خوفه من احتمالية صدور أحكام وقرارات تقضى ببطلان مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أو إبطال مفعول الإعلان الدستورى المكمّل. وما تبع ذلك من تأييد مطلق من «الإخوان» لحالة الطوارئ التي فرضها الرئيس «مرسى» على مدن القناة، وما تبع ذلك من ممارسات عنف ارتكبتها عناصر الداخلية ضد المتظاهرين حظيت بدعم ومباركة مطلقة من مكتب إرشادهم، بعد تأكيدهم في بيانات سابقة أن مصر ودّعت عصر الطوارئ بلا رجعة. جمال سلامة ويأتى وعد «النهضة» الذي حمله التنظيم بيديه كخير يقدّمه للشعب على طبق من ذهب، وبعد أن قفز على «عرش الفرعون» أعلن أقوى رجل في التنظيم أن «النهضة كانت سراباً حسبه الشعب المصرى ماءً». ويؤكد الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن «(الإخوان) تعانى من عدم (خبرة سياسية) تحولت إلى (انتهازية)، ولم يكن مطلوباً منها أن تُلزم نفسها بكل هذه الوعود الكاذبة، لكنها تعانى من (الجهل السياسى)، دون أن تعرف أن الوضع السياسي هو الذي يُحدّد حجم الوعود». وأضاف: «الإخوان تنتحر سياسياً بكل ما قطعته على نفسها من وعود كاذبة في أغلبها لتؤكد أنها جماعة فاشلة وتحاول تغطية هذا الفشل (بالغمز واللمز)». د.سعيد صادق ويشير الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، إلى أن «التنظيم يدّعى أنه يعيد إحياء الخلافة الإسلامية في عهدها الذهبى، لكنه لا يعلم أن العصر الذهبى للخليفة عبدالملك بن مروان وأسرته لم يستمر إلا 32 سنة فقط وبعدها بدأت ديكتاتورية الفرد الملك وباقى الشعب من العبيد». ويشبّه «صادق» ما يحدث حالياً في مصر بألمانيا النازية، حيث حذّر الكثير من القوى السياسية من صعود التيار النازى للحكم، لكنهم فضّلوا أن يجرّبوهم، فأدى ذلك إلى تقسيم ألمانيا والحرب العالمية الثانية. الشعب المصرى يعانى مثلما عانت ألمانيا عقب اختيار «هتلر»، والآن يجنى المصريون ثمار كذب الإخوان الذين رفضوا خوض الانتخابات الرئاسية ثم خاضوها، وأراد الشعب أن يمنحهم الفرصة، دون أن ينتبه إلى كذبهم. ويؤكد: «الإخوان يكذبون في مصادر تمويلهم، وينطبق عليهم نفس ما جرى للحركة الماسونية التي قرّر القضاء حلها عام 1962، لأنها رفضت الكشف عن مصادر تمويلها»، ويشير إلى أن الجماعة تدّعى أنها حركة إسلامية جامعة، رغم أنها تمارس السياسة ولا تمارس الدين، أي سياسة بشعارات دينية. صلاح عيسى ويشير الكاتب صلاح عيسى إلى أن «الإخوان جماعة براجماتية، وهناك مفهوم لدى هذه الجماعات بأنه يجوز شرعاً الكذب على غير المسلم أو حتى على من يعتقدون أنه غير مسلم، حتى لو كان مسلماً». ويضيف «عيسى» أنه بعد الثورة كان الإخوان يتمسكون بشعار «دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية»، لكنهم تراجعوا عنه سريعاً بعد ظهور شركائهم من السلفيين والجماعة الإسلامية وتخلوا عن شعار «مشاركة لا مغالبة» ولديهم تبرير لكل شىء. ويضرب «عيسى» مثلاً بأن «الإخوان لا يتّبعون أسلوب الصدق بحادثة مقتل النقراشى، حيث تفاوض البوليس السياسي مع حسن البنا ليتبرّأ من قتلة النقراشى باشا، فأصدر بياناً قال فيه: (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين)».