الموت أسهل مراحل النضال كلمة قرأتها في ذات مقال وانطبعت دون هوادة في الذهن وعندما يموت أحد السياسيين تقفز العبارة سريعاً إلى طرف اللسان.. ولكن عند سماعي خبر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وجدتني أرددها ولكن بصورة أخرى، فالموت في حياة السياسي قد يكون أجمل مراحل النضال والتعبير هنا معزول عن الأبعاد الإنسانية للألم والفاجعة التي تصيب كل من كان حول المغدور (الشهيد) ومن تسبب له الحادث بألم نفسي، فالاغتيال السياسي من حيث هو خاتمة لحياة إنسان ينتظر منه الآخرون أفعالا والمزيد من الأدوار المؤثر في العمل السياسي، يكون خاتمة جميلة لعطاء حتى النفس الأخير، ومصدر الجمال عندما يكون للاغتيال دلالة لا تحتمل الالتباس في هدفها، ويكون المستهدف بالاغتيال ليس الشخص فحسب ولكن النهج والتوجه، ويضاف إلى الشخص أنه يصبح مثار جدل في مماته مثلما كان في حياته، وتحمل كتب التراث مقولة معبرة لخالد ابن الوليد وهو السياسي والقائد العسكري الذي أدرك أهمية الرمزية في نهاية حياة السياسي حيث قال متحسراً إنه لم يعد في جسمه موضع شبر إلا وفيه ضربة من سيف أو طعنة من رمح دلالة على ماخاض من معارك في حياته ولكنه في الأخير يموت على فراشه كما يموت البعير ويظهر من المقولة ذلك الرفض لهذا الأسلوب من الموت. والاغتيال السياسي ليس جديداً في المجتمعات البشرية قديماً وحديثاً، ولعلنا في اليمن لم نخرج بعد من تأثير آخر عملية اغتيال راح ضحيتها الشهيد جار الله عمر وأذكر أنني كتبت حينها أن الشهيد جار الله مات بالطريقة التي تمناها كسياسي. إن لحظات الحزن والغضب لاغتيال الحريري لا تحجب طابع الاستحقاق الإنساني لختام حياة سياسية حافلة لرجل عرف عنه الاعتدال والاتزان والقدرة على تحقيق الإنجازات ولعل مشهد إسدال الستار المتمثل في الجنازة الضخمة التي شيع بها ورفاقه يؤكد أن الختام كان يرضي روح الشهيد التي عاش فيها بين الجماهير وخرجت هذه الجماهير لتودعه بها وتعبر عن حبها له بعد أن فارقها وهو في قمة عطائه. وبعد.. بقي في النفس تعليق حول الطريقة التي تعاطت بها المعارضة اللبنانية مع الحادث حيث أعتقد أنها لم تتعامل بما يليق وهيبة الموت وكان التصريح بمنع السلطة اللبنانية من المشاركة في الجنازة والاتهام المباشر للدولتين اللبنانية والسورية دون اعتبار للحظات الحزن التي يقتضيها الموقف بما يفسد جلال الحزن بالموت، وهذا كما أعتقد أيضاً كان مغايراً لسلوك قيادة الحزب الاشتراكي أثر اغتيال الشهيد جار الله عمر حيث تعاطت مع الحدث بما يليق ومهابة الموت وبعدها يكون الحديث حول الفاعل وبقية الأبعاد في الجريمة. رحم الله رفيق الحريري ونسأل الله أن يلطف بلبنان وسوريا وأن يتعامل النظامان بعيداً عن منطق عناد الأنظمة العربية المعتاد.