أيها السبعينيّون: يا جيلي الذي خذلته تبدلات السنين، خذلتني ، مثلكم أحلام زوقتها الولادة الفتية لوطن جديد، كان يخلق ولادته من شعلة الثورة، ويفتق أحلامه بالقرب من ماردها؛ أين مارد الثورة الآن؟، أينه لأحاسبه على أحلامنا التي تفتت في غيبته وفي حضوره؟ يا جيل السبعينيين : ماذا فعلت بكم الثمانينيات في هجمتها الشرسة على بساطة الحلم وبساط الحياة؟ الثمانينات القاتمة التي وأدت الألوان كلها وتوجت السواد حاكما على كل نبض، الثمانينات التي تسترت على القبيلة وهي تخلع عن نفسها نبلها لتنحاز إلى كل ما هو ضد الولادة الجديدة، الضد تماما لإشراقة الثورة، الضد تماما لبهجة الخريف في تدرجاته من السبتمبرية إلى الأكتوبرية إلى النوفمبرية. الثمانينيات المرعبة وهي تمرر الدين ،رغم سماحته، للتعصب ضد نفسه السمحة ضدنا، ضد أجيال قادمة لن تخذلها الأحلام كما فعلت بنا، فقط لأنها لن تجد إمكانية الحلم ، لن تجد مبرراته. بهذا فقط سينجو من بعدنا من مرارة تهشم الأمل واختفاء الحلم؛ تلك المرارة التي تغرغر في أعيننا وتلوث بمذاقها طعم توقعاتنا. يا السبعينيون: كيف اقتحمتكم التسعينيات مجردين من روح الشباب، ومثقلين مثقلين تماما بحمل جثثكم المتحركة منذ أن اقترحت الخليج نيران حربها على ترابنا، منذ تهاوت العملة اليمنية فاقدة عذريتها أمام سطوة الأمريكي ذي العيون الخضر؟ وكيف راقبتم انقسام دمكم إلى يمين ويسار، إلى أبيض وأحمر؟ كيف مرت عليكم هويتكم التي لم تعد هويتكم حينما لم يعد ثم بيت أو عائلة، حينما لم تسعفكم أوراق الجامعة لتدبير معاشكم اليومي، فضلا عن متطلبات روح هجرتكم منذ أن أدركت أنكم عاطلون منها؟ أعرف الآن أنكم لم تعودوا منذ الألفية الثالثة على قيد الوطن. أعرف الآن أنّ السؤال، أنّ الجواب، مرهونان بالبياض.... ولكن هل ثم أمل في كفن مناسب، وجنازة لائقة؟ أخشى أنه حتى وهم الرقود في جنازة قد غدا أمر قصيا. أخشى أننا سنموت دون أن يعلن موتنا. أخشى أنني وحدي دون جيل يساندني في الفجيعة ويرفع عن حسرتي أطنان الوحشة والاغتراب.