منتصف هذا الشهر عرفت دولة الكويت حدثاً تاريخياً يحدث لأول مرة في الدولة، وسجل النصر بعد معركة بدأت أحداثها في 16 مايو 1999، ومن المصادفات الحلوة إن هذا النصر أنجز في 16 مايو 2005م! حيث أقر مجلس الأمة (البرلمان) قانوناً يمنح المرأة الكويتية حقاً سياسياً مهماً وهو المشاركة في الانتخابات العامة كناخبة ومرشحة وحصل القانون على موافقة 35 عضواً من إجمالي الأعضاء الخمسين في مجلس الأمة وفي عام 2007م سوف تجري الانتخابات التي ستشارك فيها النساء لأول مرة. في مايو 1999م أصدر أمير الكويت مرسوماً يمنح المرأة الكويتية حق الانتخاب والترشيح ابتداءً من الانتخابات النيابية 2003م فأثار بذلك غضب الإسلاميين بينما ذهبت مجموعة من النساء إلى قصر الأمير يقدمن له الثناء والشكر على هذه الخطوة التي تنم عن تقدير لمكانة المرأة في المجتمع الكويتي، وهي خطوة تعكس أيضاً رغبة حقيقية لدى حكومة الكويت التي باتت ترى أن استعباد المرأة عن دائرة المشاركة في الحياة السياسية أمر لم يعد له ما يبرره. الإسلاميون الذين حققوا فوزاً مهماً في انتخابات 1999م أحبطوا مرسوم الأمير عندما عرض للتصويت لاحقاً بمساعدة أعضاء في مجلس الأمة ذوي انتماءات قبلية ومع ذلك كان الفارق بين المؤيدين والمعارضين صوت واحد وعندما أعيد طرح المرسوم أو مشروع القانون من جديد هذا العام استمر الإسلاميون في مقاومته لكنهم هذه المرة انهزموا ويبدو أن النواب الليبراليين في مجلس الأمة الكويتي شكلوا مع النواب الموالين للحكومة جبهة قوية داخل المجلس واستطاعوا معاً أن يحسموا المعركة مع الإسلاميين السلفيين لصالح المرأة الكويتية ومجتمع الكويت الذي يتقدم برجاله ونسائه مجتمعات الجزيرة العربية في السلم الحضاري. نواب الكتلة الإسلامية في مجلس الأمة مثل كثير من الإسلاميين خارج الكويت لديهم تبريرات عجيبة لسلوكهم المتناقض بما في ذلك سلوكهم وآرائهم تجاه المشاركة السياسية للمرأة.. فقد عارضوا مشروع القانون وصوتوا ضده في مجلس الأمة وبرروا معارضتهم بأن الدين الإسلامي لا يجيز للمرأة شرعاً الانتخاب والترشيح وتولي أي مناصب حكومية أو عامة لأن المرأة محرومة شرعاً من "الولاية العامة" وبحكم إن الرجال قوامون على النساء. وعندما انهزموا وأقر مجلس الأمة القانون قالوا: هذا جيد بالنسبة لنا، فلن نرشح في انتخابات 2007م امرأة واحدة ولكننا سوف نستفيد من أصوات النساء إلى أقصى حد ممكن!. مثل هذا يحدث هنا في اليمن، فحزب الإصلاح الإسلامي لا يزال يرفض ولاية المرأة وهو لم يرشح أي امرأة في الانتخابات النيابية للدورات الثلاث 1993م و 1997 و 2003 والانتخابات المحلية 2001 ولكن يبذل أقصى ما بوسعه للتحرك والنشاط في أوساط النساء للحصول على أصواتهن في الانتخابات العامة. بصورة عامة يتذرع الإسلاميون لرفضهم الاعتراف بحق المرأة في المشاركة السياسية أكان هذا الحق يتعلق بالانتخاب والترشيح أو تقلد المناصب العامة بأن هذا الحق يجعل المرأة تمارس ولاية على الرجال وهذا محرم شرعاً في نظرهم. وهم يسوقون حججاً متعددة ومتنوعة لتبرير موقفهم المعادي لمشاركة المرأة في الشأن العام فعندهم أن الرجال قوامون على النساء وأن هناك نصوصاً شرعية تقول إن الناس لا يفلحون عندما يولون أمرهم للنساء ثم أن المرأة تحيض وتحمل وتلد وهي قليلة عقل ودين وبالتالي فإن هذه الصفات تحول دون قيامها بأي ولاية! وفي حقيقة الأمر إن مثل هذه الذرائع والحجج فاسدة بحكم الدين وحكم الطبيعة البشرية وبحكم قوانين وسنن الاجتماع البشري خاصة في هذا العصر. فالمرأة والرجل متساويان في الأصل الإنساني والتكاليف والحقوق والحساب والجزاء ومتساويان في القدرات.. والرجال قوامون على النساء في إطار الأسرة ولا يصح سحب هذه القوامة إلى الميدان العام خارج نطاق الأسرة.. ولا يجوز اتخاذ خصائص مثل الحيض والنفاس والحمل والمرض كمبررات لمعايرة الأنثى بها أو أن تصبح هذه الخصائص الأنثوية مبرراً لحرمان النساء من حقوقهن فالرجال أيضاً يتعرضون للإصابة بالأمراض ويأخذون إجازات.. ثم أن الدولة الحديثة أو المعاصرة لا يديرها أفراد ذكور أو إناث بل تدار عبر مؤسسات والحكم فيها لإدارة المؤسسة ولا يتأثر بجنس الأفراد من حيث الذكورة أو الأنوثة.