يظل الواحد منا ينتظر يوم عرسه وكأنه منتهى الآمال، مع أنه مبتداها فنرى الشباب يعمل ويكد ويتذمر من غلاء المهور وغلاء الحياة والإحباط الذي يساورهم ذكوراً وإناث، ويظل كل منا يحلم بليلة العمر ويتصور عرسه، ويتمنى وكلما ذهب إلى عرس حذف وأضاف وانتقد وفكر وابتدع حلولاً لما يراه من نواقص وثغرات. وحينما يقع أحدنا في الفخ ويصير عروساً لاسيما إن كان محباً فإنه يرسم أجمل وأرق الصور لزفاف لطيف ظريف، غير مكلف وغير ممتهن، لا نقص فيه ولا عيوب ولا مبالغة، ويصير هذا العرس أشبه ببقرة بني إسرائيل كلما اقترب الشخص عملياً من العرس فإما أن يجد نفسه ينجرف مع العادات والتقاليد التي تسيره مهما أبى –على طرقها وأساليبها التي تنتهك أدق تفاصيل وخصوصيات المرء– وحينها تبدأ سلطة الاجتماعي وقل ولا تقل، وابتسم ولا تبتسم وقم وأجلس حتى في أدق وأتفه التفاصيل، وحينها يصير العرس مهرجاناً جمعياً يكرس فيه الجميع ضد الجميع ويرتفع صوت يصح ولا يصح أو – وهذا غير ممكن وشبه محال– يفر العروس من كل ذلك ويفعل ما يريد عفواً ما يظن أنه يريد ولا ينجو من الانتقاد واللوم والشماتة في حال حدثت نواقص أو هنات أو تعارض ذلك مع العادات والتقاليد. في هذه الأثناء يظهر ما يمكن تسميته تقاليع وصرعات في ابتكار واختراع أشكال من التميز والاختلاف سواء في سبيل المباهاة والبهرجة أو الاختصار أو التغيير أو التأثر بالآخرين فصرنا نرى أفراحاً مختلطة يوم هندي ويوم حبشي وليلة الدخلة أمريكي على مصري وكل ذلك يجعل الزواج فكرة خيالية خاصة هذه الأيام ومع ذلك ما نزال لا نقدر على تغطية الأعراس التي نُدعى إليها، وأظن أن قيام الأعراس هذه الأيام هو ضرورة حياتية مثل أي عصر إنساني، لكن مع فارق الطقوس والنتائج والتفاعلات الداخلية، حيث أن أي عرس اليوم صار هما لأهله وللمدعوين الذين تحبطهم متطلباته من الهدايا والملابس الشخصية، إلى وسيلة المواصلات، والهيلمان الاجتماعي قرين بذلك مما يدفع أهل العرس والضيوف إلى الديون والقروض المالية والعينية التي تنتهي بخسائر، ويخرج الجميع من العرس منهك وغاضب ومغتاظ من العادات والتقاليد والتقاليع ويلعن اليوم الذي ابتدع فيه هذا الموضوع. كل منا ينتقد غلاء المهور والبهرجة في الأعراس ويدعو للتقشف الذي هو أيضاً منهك وليس ببسيط البتة ومع ذلك حينما يصير الأمر خاص بأحدنا أو بقريب لنا يهون ويصير أي شيء سهل في سبيل فرحة العمر ومع أنها ليست كذلك فنحن نفرح كل يوم لأسباب ربما أكثر أهمية منه بقدر ما نحزن لأسباب أشد تفاهة ومع ذلك تقوم قيامة أحدنا إذا حل عرسه فيعرف الفرح والإحراج والخوض في أدق تفاصيل خصوصياته ويلام ويفضح على الأشهاد ويحمل على الأكتاف ويزف ويغنى له، ويذم ويشتم ويغتاب شاء أم أبى، ومع كل ذلك نظل نتمنى أن يتجرأ أحدنا ويكون عرسه عبارة عن إعلان بسيط يتم به الإشهار ووليمة على شاه (خروف) بدون ضجيج ولا إزعاج ولا قالوا قلتي.. تعتقدوا متى وكيف بدأ الناس يقيمون أعراسهم ولماذا؟ يا ترى أبونا آدم يوم عمل عملته هو وأمنا حواء عملوا عرس أم لا الله يسامحهم هم السبب، حسبنا الله ونعم الوكيل. تدهشني الأعراس الغريبة التي نشاهدها على بعض القنوات في عالم الغرائب وأتصور هل سيأتي يوم تصير تلك الغرائب البسيطة والعفوية الجميلة هي السائدة؟ من يدري ربما حينها يصبح الفرح حقيقياً وصادقاً.