سيسجل العمرانيون في ذاكرتهم أيام هذا العيد كأسوأ أيام مرت في تاريخهم، لقد ارتسمت الأحزان على وجوه المواطنين، وأضحت الجولة السادسة من حريق الوطن الواحد هماً يومياً يؤرق حياة العامة من الناس، وكابوساً لا يفارق كثيراً من أرباب الأسر خصوصاً الآباء والأمهات الذين لديهم أبناء في جبهات القتال، لقد جلب خراب التمرد في صعدة بؤسه على المواطنين، هناك أسر فقدت أبناءها وأخرى وقع أبناؤها أسرى في أيدي الحوثيين، وآخرون لقوا حتفهم في الجبهة الأخرى من القتال. (محمد مفتاح)23عاماً أحد سكان مديرية خمر قصد العاصمة صنعاء ليلة عيد الفطر المبارك في زيارة لأحد أقاربه الجنود الذي أصيب في جبهة حرف سفيان، وفي الصباح الباكر عاد إلى قريته (السنتين) ليؤدي صلاة العيد مع أهالي قريته والقرى المجاورة، يقول محمد: تفاجأت حين وصلت إلى مصلى العيد بوجود (جنازة) لجندي أستشهد في جبهة الملاحيظ، وبعد أن أدى المصلون لصلاة العيد، صلينا على جنازة، ليتجه بعدها معظم المصلين لتشييع الجندي إلى مثواه الأخير، و يشير محمد إلى أن هذا المصاب يعد بمثابة صورة مصغرة لنتائج الحريق المستمر بين أبناء الوطن الواحد، الذي نسج خيوط أحزانه على قلوب الناس، وحول العيد إلى مأتم وكآبة لم يسبق أن مر بها العمرانيون من قبل. مفتاح الذي قضى شهر رمضان وأيام العيد في قريته يؤكد أنه شيّع إلى جانب هذا الجندي جنازتين إحداها للعقيد صالح المروني أحد قادة الكتائب في ألوية الفرقة الأولى مدرع، والآخر لجندي قضى حتفه في جبهة حرف سفيان. أسلم حمد(23 عاماً) أصيب أخوه الأكبر في جبهة سفيان إثر إنفجار لغم أرضي، فيما قتل زميله في الدراسة محمد هزاع في إحدى النقاط الواقعة على مداخل مدينة صعدة، يؤكد أسلم أن عدد الضحايا من أبناء عزلته منذ إندلاع فتنة التمرد في منتصف عام 2004م 7قتلى ونحو10جرحى آخرين. وهنا يشعر (عبد العزيز مرشد)21عاماً أن هذه الحرب أخذت من الناس كل مأخذ، وتحولت إلى كابوس يؤرق حياة الناس وهم يومي لا يفارق كثيراً من أرباب الأسر، وبالذات الآباء والأمهات ممن لديهم أبناء في جبهات القتال في محافظة صعدة وعمران. يؤكد عبد العزيز أن الحديث الطاغي على اهتمام أهالي قريته (الثيلات) إحدى قرى مديرية خمر هو مصير الجندي فواز مساعد الذي وقع أسير ومعه عدد من رفاقه في منطقة جبل الأسود بحرف سفيان في الأيام الأولى لاندلاع الحرب السادسة، ومنذ ذلك الحين وأسرته تعيش حالة خوف وترقب لم يسبق أن عاشتها من قبل. ويبدو أن فواز هو واحد ممن يصدق بحقهم ما جاء في الذكر الحكيم من أن وقودفتنة كفتنة صعدة لاتحصد الظالمين وحدهم وإنما الأبرياء أيضاً ففواز الذي أجبرته الضائفة المعيشية لأسرته على ترك دراسته مبكراً ليلتحق بالمؤسسة العسكرية وينضم إلى معسكر الجبل الأسود الكائن بمديرية حرف سفيان، يجبره الفقر أيضاً على المرابطة بالمعسكر لأكثر من 7سنوات، لم يكن حينها يعود لأسرته إلا كزيارات خاطفة ومتباعدة من عام لآخر، يقول عبد العزيز قبل 4سنوات من الآن عاد فواز إلى القرية، وقد تمكَّن بفعل السنوات التي قضاها في المعسكر وحرصه الشديد من جمع مبلغ من المال بنى منه بيتاً وتزوج، وقد رزقه الله قبل عام بولد، ومع اندلاع الحرب السادسة وقع فواز أسيراً في يد أتباع الحوثي، ولم يعلم أحد عنه شيئاً حتى الآن، والمؤلم في تفاصيل هذه المعاناة أن أسرته التي تعيش بسبب فراقه أوضاع نفسية صعبة لم تسلم روايته حتى الآن. لكن مآساة فواز ليست الوحيدة فهناك أسر تقاسي المعاناة ذاتها فإحدى الأسر في منطقة بني مالك التابعة لمديرية خمر تفاجأت قبل اندلاع الحرب السادسة بعودة ابنها الذي نعته وأقامت عزاءه أثناء الحرب الخامسة، على خبر أنه تقدم عدداً من رفاقه في إحدى الأودية التابعة لمنطقة آل عمار بصعدة ونصب لهم الحوثيون كميناً فقتلوا جميعاً ولم يستطع الجيش العثور على جثثهم لكن الحقيقة أن المالكي وقع أسيراً في أيدي الحوثيين ولم يفك أسره إلا بعد مرور أكثر من عام فيتفاجأ عند عودته أن أهله قد عزوه وأن زوجته قد تزوجت في غيابه لتصبح عودته بمثابة صدمة نفسية له ولأسرته وفاجعة يتناقل خبرها سكان مديرية خمر والمديريات المجاورة لها. وقد عززت عودة المالكي من شكوك زميل له من مديرية خمر يدعى عبد ربه فرج قتل في ظروف مشابهة، ولم يعثر على جثته، وحينها أقام أهله عزاءه وسط شكوك البعض من سكان قرية الجندي وعدد من زملائه من أن يكون فرج وقع أسيراً في أيدي الحوثيين. ومن هذه المآسي التي تتعدد أشكالها يمكننا القول إن أحزان هذه الحرب في عمران خيمت على كل دار ووصلت شظايا الحرب إلى كل بيت، ووصل الأمر جراء تداعيات هذه الحرب إلى أنه لا تكاد تمر من عزلة أوبالأصح قرية إلا وتجد فيها قتيلاً أو جريحاً جراء هذا الدمار الذي التهم صعدة وعمران، وأجزم أنه لو وجدت إحصائية دقيقة لهوية القتلى من الجنود لكان لمحافظة عمران الصدراة في ذلك، ولهذه الصدارة من وجهة نظر الكثير من أبناء المحافظة أسبابها الطبيعية والمفتعلة، فطبيعة البيئة الجغرافية القاسية للمحافظة والتحاق الباكورة الأولى لجيل المتعلمين من أبنائها بالمؤسسة العسكرية ليصبحوا بعد تخرجهم من قياداتها، وبالذات في الفرقة الأولى مدرع، ولأن هذه المؤسسة مناط إليها أمنياً حماية المنطقة الشمالية الغربية، فقد تولت مهمة إخماد نار الفتنة طيلة ثلاثة حروب من تاريخ هذا التمرد، لتختص بعد ذلك بمهمة القتال في عدد من الجبهات، لذا كان من الطبيعي أن يكون عدد ضحايا الحرب من أبناء المحافظة يفوق التوقعات.